التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تَرَانيم مَحموديَّة - شذرات متفرّقة في ذكرى اغتيال الأستاذ



تَرَانيم مَحموديَّة  
(شذرات متفرّقة في ذكرى اغتيال الأستاذ)




(الأستاذ بريشة الفنان طلال الناير)




مقدّمة طينيّة:
للاحتفال بذكرى اغتيال الأستاذ محمود محمد طه، قرَّرت أن أَجرُدَ كلّ ما نشرته من مقتطفات له في الأعوام الماضية، منها ما كان موجوداً على الانترنت، ومنها ما قمتُ بجمعه من الكتب، خصوصاً مجلد الدكتور عبد الله الفكي البشير (محمود محمد طه والمثقفون، قراءةٌ في المواقف وتزوير التاريخ)، والذي أعتبره من أهم الكتب السودانية الصادرة خلال عشرات الأعوام الماضية. وجدت في الكتاب نصوص مهمة لآخرين عن الأستاذ على شكل شذرات ومقتطفات. انتقيت من كل التجميع هذه (الترانيم) كإضاءة لا يحتاجها فكر الأستاذ بقدر ما يحتاجها قارئ اليوم، إن كان مسلماً أم لم يَكن. فرغم توصيف الأستاذ الشائع بأنه "مفكّر إسلامي"، إلا أنني بدأت، منذ مدةٍ طويلة، في التشكيك في هذا التوصيف المُلَغَّم بآخرين حازوا اللقب قوَّة عين وبالقَلع العسكري والدكتاتوريّ في أحيانٍ كثيرة. أحب اسم (الأستاذ)، هكذا، دونَ ألقابٍ أخرى.
وللتنبيه فقد وجدت أنني لم أذكر تواريخ بعض هذه الشذرات ومصادرها، وهو ما يسهل لمتصفّح موقع الفكرة أو محرّك غوغل للحصول على المرجع الأصلي. فإلى النصوص الممتعة. مع تحياتي ومحبتي لقراء المدونة.
مأمون

ــــــــــــــــــ


[وثورة أكتوبر ثورة لم تكتمل بعد، وإنما هي تقع في مرحلتين؛ نُفِّذت منهما المرحلة الأولى، ولا تزال المرحلة الثانية تنتظر ميقاتها. المرحلة الأولى من ثورة أكتوبر كانت مرحلة العاطفة المتسامية، التي جمعت الشعب على إرادة التغيير، وكراهية الفساد، ولكنها لم تكن تملك، مع إرادة التغيير، فكرة التغيير، حتى تستطيع أن تبني الصلاح، بعد إزالة الفساد، من أجل ذلك انفرط عقد الوحدة بعيد إزالة الفساد، وأمكن للأحزاب السلفية أن تُفَرِّق الشعب، وأن تُضلِّل سعيه، حتى وأدت أهداف ثورة أكتوبر تحت ركام من الرماد مع مضي الزمن، وما كان للأحزاب السلفية أن تبلغ ما أرادت لو لا أن الثوار قد بدا لهم أن مهمتهم قد أنجزت بمجرد زوال الحكم العسكري، وان وحدة صفهم، قد استنفدت أغراضها.
والمرحلة الثانية من ثورة أكتوبر هي مرحلة الفكر المستحصد، العاصف، الذي يتسامى بإرادة التغيير إلى المستوى الذي يُملِّك معه المعرفة بطريقة التغيير، وهذه تعني هدم الفساد القائم، ثم بناء الصلاح مكان الفساد، وهي ما نسميه بالثورة الفكرية. فإن ثورة أكتوبر لم تمت، ولا تزال نارها تضطرم، ولكن غطى عليها ركام من الرماد، فنحن نريد أن تتولى رياح الفكر العاصف بعثرة هذا الرماد، حتى يتسعر ضرام أكتوبر من جديد، فتحرق نارها الفساد، ويهدي نورها خطوات الصلاح].

ــــــــــــــــــ


[الإنسان منذ أن وجد، قبل الأديان، كان عنده شعور بالحاجة للحرية! الحاجة للحرية حاجة مودعة فينا، موش شيء بنتكلّفوا، ولا هو ترف، ولا هو نافلة! شيء مودع فينا، زي حاجتنا للطعام! حاجتنا للحرية زي حاجتنا للطعام! الجسد، أو المعدة بتجوع، والعقل بجوع! غذاء المعدة الطعام، وغذاء العقل الحرية! لكن الإنسان بطبيعته، لنشأته الحيوانية، بِشعر بحاجة المعدة، قبل ما يشعر بحاجة العقل! وبطبيعة الحال، من أجل دا، كتير من الناس بسخّروا عقولهم لإشباع معداتهم! حتى الإنسان يبيع "كرامة فكره"، بحطام الدنيا، البشْبِع معدته! دا طبعاً الجانب الحيواني فينا! لكن ما من شك أنّنا كلّ مرة بنرتفع من الجانب الحيواني، لنشرّف الجانب الإنساني]!!
ــــــــــــــــــ

[دعا الأستاذ محمود إلى الثورة والتحرير وإحداث التغيير. ورفضَ الثورة العنيفة، وقدَّم بشأنها تنظيراً واسعاً ومفصلاً تضمنه كتابه: (الثورة الثقافيَّة)، الذي صدرَ عام 1972م. كتبَ الأستاذ محمود قائلاً: [إن الثورة حينَ تكونُ عنيفة، إنما تحملُ عناصر فنائها في عُنفها لأنها لا تملك، مع العنف، أن تعتدل. إنّ التحوّل، والتغيير، والثورة، التي تتم عن طريق الإقناع، والفكر، هي التغيير المأمون العواقب، الثابت، الذي يطرد كلّ حينٍ ولا يَنتكس. ولكن محاولة مثل هذه الثورة الفكريّة السلمية، إنما هي محاولة مكتوبٌ عليها الفشل، إذا جاءت في غير أوانها]. وعندما طَرَح الثورة الثقافيَّة، بيّن المقصود منها بتفصيلٍ وافٍ، فهو إلتقاء الفكر بالواقع. والمقصود هنا بالطبع هو الفكر "الثائر". فإذا التقى الفكر الثائر بالواقع فإن التغيير هو دائماً النتيجة. ولا يمكن إلا أن يكونَ تغييراً سريعاً بغير عنف. فـ"الثورة الثقافيّة"، على هذا هي التغيير السريع للأحسن، من غير عنف. هي تملك "سرعة" الثورة، وتبرأ من "عنف" الثورة. [فالثورة الثقافيّة بإيجاز هي علم، وعَمل بمقتضى العلم. وهذا ما به يحصل التغيير]. وعن الفكر الثائر وتغيير الواقع ومن أينَ يبدأ؟ كَتَب الأستاذ محمود قائلاً: [ولما كان الفكر الثائر هو الذي يُحدِث الثورة الثقافيَّة. يُحدث تغيير الواقع بصورة سلميّة، وثوريّة في آنٍ معاً. ولما كان الفكر الثوري فكراً دقيقاً، وأصيلاً، ونفّاذاً وسليماً، فإن تغييره للواقع لا بدَّ أن يبدأ من داخل النفس البشريَّة]. ثم ينتقل الأفراد المدعوين وتتسع الدائرة حتى تبعث القاعدة (قاعدة الشعب، أي شعب) لتتحرك لتُحدث هذا التغيير. ثمَّ علل لماذا تكون بداية التغيير من الداخل؟ قائلاً: [ذلك بأن أيّ تغيير يقتصر على الخارج. على البيئة البشريَّة، والبيئة الطبيعيّة ـ أعني: المجتمع، الطبيعة، لا يكون تغييراً سليماً، ولا مستقيماً، ذلك بأن التغيير الخارجي إنما هو صورة الداخل، أعني النفس البشريَّة، فإذا كانت النفس خَرِبَة بالأحقاد، والضغائن، والعداوات الرعناء، في كلمة واحدة: بالجهل، فإن الخراب يطبع بطابعه التغيير الذي يجري في المجتمع وفي البيئة].
د.عبد الله الفكي البشير
عن كتاب (محمود محمد طه والمثقفون، قراءة في المواقف وتزوير التاريخ). دار (رؤية) للنشر.

ــــــــــــــــــ
[إن التعليم الحالي مضلل أشد التضليل.. وتضليله نتيجة حتمية للنظرة المعاصرة للحياة، وغايتها.. إنا نعيش الآن في عصر آلي، تغلغل أثر الآلة في جميع وجوه نشاطه، حتى لقد تعلم الإنسان أن يحترم القواعد الآلية، وأن يمثل الآلة في إنتاجه الأدبي، والفني، وأن يستمد مثله العليا من دقة الآلة، ومن قوتها، ومن صوتها الموقع، الموزون.. وتبع كل ذلك نظامه التعليمي.. فهو يحاول أن يخلق نفسه، بالتعليم والمران، آلة، آدمية، شديدة الدقة، موفورة الكفاءة، كثيرة الإنتاج.. وكذلك أصبح التعليم مهنيا في أغلب أساليبه.. إن (التعليم الجديد) يجب أن يستمد من النظرة الجديدة إلى الغاية من الحياة الجماعية: (إعداد إنسان حر يعيش في مجتمع عالمي).. (إنسان حر) من هو؟؟ هو من حرر عقله، وقلبه، من رواسب الخوف، فنبه جميع القوى الكامنة في بنيته، فاستمتع بحياة الفكر، وحياة الشعور.. هذا هو الإنسان الحر، والتعليم المتوجه إلى إعداده يعني، في المكان الأول، بتحرير المواهب الطبيعية من الخرافات، والأباطيل الموروثة في العهود السحيقة.. هناك شيء موروث من لدن درجت الحياة في ظلمات هذا الكوكب في الماضي السحيق، وهو متمكن من القلوب البشرية، رابض فيها، لا يريم.. ومنطقته منطقة حرام، محجورة، يقوم دونها ستار حديدي، لا يقل مناعة من ذلك الستار الحديدي الذي تقيمه روسيا بينها وبين العالم.. ذلك هو الخوف الذي صحب الحياة، من لدن فجرها، وسيرها، وحفزها على التقدم، والترقي، وفي نفس الوقت حال بينها وبين الكمال الرفيع الذي هو حظ مقدور للإنسانية.. ومع أن هذا الكمال حظ مقدور للإنسانية، فإنها لا تناله حتى تتحرر من الخوف تحريرا تاما، ذلك بأن الخوف هو رأس كل الرذائل، فهو سبب الفتك، والعنف، عند القوي.. وهو سبب الخديعة، والغش، عند الضعيف.. ومنشأ الخوف هو الصورة الخاطئة، الشائهة، التي كونتها في خلد الإنسان القسوة المستهترة التي تلقاه بها القوى الصماء في البيئة الطبيعية التي يعيش فيها.. التحرر من الخوف فإذا ما أردنا أن نحرر الإنسان وجب أن نحرره من الخوف.. وجب أن نصحح تلك الصورة الخاطئة، الشائهة، التي قامت في خلده عن الحياة، وذلك بأن نعطيه صورة، صحيحة، كاملة، عن أصل الحياة، وعن قانونها، وعن غايتها، وأن نركز في خلده هذه الصورة الصحيحة عن أصل الحياة، وعن أصل الوجود المادي، الذي يحيط به، تركيزا تاما.. هذا أمر ضروري، ولا يغني غناءه شيء، إذا كان لا بد (من إعداد إنسان حر).. ولا عبرة بالتنظيم الإقتصادي، ولا بإتاحة المساواة للناس جميعا، إذا لم يوجد المنهاج التعليمي السليم الذي يخدم غرضنا في تصحيح تلك الصورة.. ذلك بأن المساواة الإقتصادية إنما هي وسيلة إلى الفراغ، ولا خير في الفراغ إلا إذا وجه توجيها، مرسوما مقدورا، معروف المصادر – والموارد .. الفراغ لا يصلح إلا للأحرار، فإنه لغيرهم مفسدة]..
(من خطاب الأستاذ محمود محمد طه لمدير عام اليونسكو عام 1953م)

ــــــــــــــــــ
 [إن التقدم العلمي، والصناعي، قد أحدثا ثورة في التفكير الاجتماعي، والسياسي، في عصرنا الحاضر – ثورة زلزلت أصولَ العقائد، والآراء الموروثة، واتجهت بالمذاهب الاجتماعية، والسياسية، اتجاهاً علمياً.. وهذه الثورة لا تزال مشبوبة، تعتمل في الصدور، والعقول، اعتمالاً عنيفاً، ما أرى إلا أنه سينتهي، آخر الأمر، إلى نتيجة محتومة، هي أنه لا مندوحة للأمم التي تعمر هذا الكوكب الصغير الذي نعيش فيه من أن تدور في فلكٍ واحد، على نحو ما تفعل الكواكب السيارة، في هذا النظام الشمسي، الذي ما كوكبنا هذا إلا قمراً من أقماره. هذه هي النظرية العلمية لأجرام العوالم المبثوثة في الفضاء القريب وفي الفضاء البعيد. وهذه هي النظرية العلمية للحيوات التي تعج بها تلك العوالم – الحياة جميعها، على اختلاف حظوظها من الحيوان، تسعى لغاية واحدة وفق قانون واحد. وهذا الكوكب الصغير الذي تعيش فيه الإنسانية وحدة جغرافية، قد رَبَطَ تقدم المواصلات الحديثة السريعة بين أطرافه ربطاً ألغى الزمان، والمكان، إلغاءً يكاد يكون تامَّاً، حتى لقد أصبحت جميع أجزاء المعمورة تتجاوب في مدى ساعات معدودات للحدث البسيط يحدث في أي جزء من أجزائه.. يضاف إلى ذلك، أن هذا الكوكب الصغير معمور بإنسانية واحدة، متساوية في أصل الفطرة، وإن تفاوتت في الحظوظ المكتسبة من التحصيل والتمدين.. فينبغي والحالة هذه، بل إنه، في الحقيقة، ضربة لازب، أن تقوم فيه حكومة واحدة، تقيم علائق الأمم على أساس القانون، كما تقيم حكومات الأمم – كل في داخليتها – علائق الأفراد على أساس القانون.. وذلك أمر مستطاع، بل هو أمر لا معدى عنه.. فإن المتتبع لتطور الحياة يعلم جيدا أن مسألة الوحدة العالمية هي نهاية المطاف المحتومة، في أوانها.. على كل حال، مسألة الوحدة مسألة زمن فقط.. وقد كانت عصبة الأمم، عقب الحرب العالمية الأولى، خطوة عملية في هذا الاتجاه.. وها هي هيئة الأمم الحاضرة خطوة أخرى.. ولا يزال، بيننا وبين الحكومة العالمية، خطوات، عديدات، واسعات.. فإن استطاع المفكرون، المثقفون، من أمثالك دمجها في خطوة، واحدة، جريئة، رجونا أن تنجو الإنسانية من جوائح الحروب، وأن تفوز بمغانم السلام، والرخاء، من غير أن تنفق طويلا من الوقت، أو تدفع غالياً من الثمن].

(من خطاب الأستاذ محمود محمد طه لمدير عام اليونسكو عام 1953م)

----
"أنا زعيمٌ بأنّ الإسلامَ هو قِبلةُ العالمِ منذُ اليوم وأنَّ القُرآنَ هو قانُونُه وأنَّ السّودان إذ يُقدّم ذلك القانون في صورتِهِ العلميّة المُحقِّقَة للتّوفيقِ بينَ حاجةِ الجّماعةِ إلى الأمنِ وحاجةِ الفردِ إلى الحرّيّة الفرديّة المُطلقة هو مركز دائرة الوجود على هذا الكوكب.. ولا يُهوِّلَنَّ أحدٌ من هذا القول لكونِ السّودانِ جاهلاً خاملا صغيراً فإنّ عنايةَ الله قد حفظِتْ على أهلِهِ من أصايِلِ الطّباعِ ما سيجعلُهُم نقطةَ التقاءِ أسبابِ الأرضِ بأسبابِ السّماء".
الأُستاذ محمود مُحمّد طه... صحيفة "الشّعب" ، السبت 27 يناير1951م.

----
(إن قضية المرأة ليست ضد الرجل، وإنما هي ضد الجهل، والتخلف، والظلم الموروث؛ وهي، من ثم، قضية الرجل والمرأة معا. ولتعلموا: أن صراعنا دائماً إنما هو ضد النقص، ابتغاء الكمال. والكمال إنما هو حظ الرجل، وحظ المرأة معا. فإن الفرد الكامل هو الابن الشرعي للمجتمع الكامل.. وهو، أكثر من هذا، الابن الشرعي للمرأة الكاملة).
محمود محمد طه، ديسمبر 1971م.

----
رداً على دكتور محمد محمود، كتب الأستاذ إبراهيم عبد النبي عن أستاذنا محمود محمد طه:
( فالتجربة دلّت أن أقوال الأستاذ، تصريحا أو تلميحا، عن المستقبل تتحقق وتتجسد بصورة حرفية! وهذا أمر جدير بالبحث والتحليل! ولكن، للأسف خلا (تحليل) الدكتور الفاضل من هذا، ربما لانشغال الدكتور بتطبيق أحكامه القيمية (الجاهزة) على الأستاذ محمود! وأذكر هنا، كأمثلة، برأي الأستاذ في مشكلة الشرق الأوسط، وبرأيه في ما آل إليه حال السودان اليوم، ووصفه بأنه يجي يوم (خارطة السودان دي تكون زي الدلقان المهرود)! بل أذكّر بتحذير الأستاذ محمود من الهوس الديني، وهو تحذير نتائجه، وتبعاته، ماثلة الآن! فقد حذر الأستاذ محمود من أن تهاون الناس في مقاومة الهوس الديني، ستكون تبعاته أن يهدد الهوس الديني أمن ووحدة الشعوب، ويدخل كل بيت! وقد كان اليساريون يومئذٍ يسخرون من الجمهوريين على اعتبار أنهم مشغلون بغير الأولى! وأذكر عبارتهم الساخرة: (الناس في شنو والجمهوريين في شنو)!؟ فحينها لم يكن التصور واضحا لمعنى (الهوس الديني يهدد أمن الشعوب) أو معنى (الهوس الديني سيدخل كل بيت)! ولكن الآن أصبح حديث الأستاذ هذا مجسدا، وماثلا، عبر شاشات التلفزيون المنصوبة في (كل بيت)!)
المصدر: حوار بموقع سودان للجميع
ــــــــــــــــــ
 [إن الدارس لمشروع الأستاذ محمود محمد طه بالمقارنة مع الواقع المعاصر، يُدرك أن الكثير من أفكار الأستاذ محمود غدت مطلباً واقعيَّاً. ويُدرك كذلك بأنه كلما ابتعد الناس زمانياً عن يوم 18 يناير 1985م، يوم تنفيذ الإعدام، فإن صورة الأستاذ محمود وسيرته في حالة بعث وإعادة تَوصيف، وأن التعاطي مع مشروعه أصبح يختلف كليَّةً على ما كان عليه الأمر في النصف الثاني من القرن العشرين (1951-1985). الأمر الذي يجعل النسيان مستحيلاً، بل يؤكد قوّة التأثير واستمراره وتوسّعه. (...) لا ريب أنه، ومع تفاقم الفهم القديم للإسلام وتمدده، فسيأتي اليوم الذي يلتفت العالم وليس المسلمون فحسب، إلى الأستاذ محمود؛ ذلك لأن الإسلام وفقاً لأطروحات اليوم، وبما تنطوي عليه من فهم متخلّف، يعني غير المسلمين في المقام الأول، ذلك لحاجتهم للسلام والتعايش والتي تتطلب قراءة جديدة للإسلام. يقول سمير أمين: (إن المحاولة الوحيدة لقراءة الإسلام في اتجاه التحرر كانت تلك الخاصة بالمفكر الإسلامي السوداني محمود طه؛ ولم تحاول أية حركة إسلامية، لا "راديكاليّة" ولا "معتدلة" أن تتبنى أفكار محمود طه الذي أعدمه نظام النميري في الخرطوم بعد اتهامه بالردّة. كذلك لم يدافع عنه أي من المثقفين الذين ينادون بـ"النهضة الإسلامية" أو الذين يعبرون عن الرغبة في التحاور مع هذه الحركات].
د. عبد الله الفكي البشير

----
[رأي الحزب الجمهوري، فيما يتعلق بعضوية السودان في الجامعة العربية، واضح، ومعروف، ويتلخص في أنها مؤسسة إقليمية ضيقة، لا تقوم على مذهبية فكرية، تجعلها أداة خلاقة، تخدم مصالح أعضائها، وتسير في الوقت ذاته، في اتجاه سليم، يخدم قضية الإنسانية في السلام العالمي. إنما هي عنصرية ضيقة، هذا وتسيطر عليها دولة واحدة، تسيرها وفق اهوائها، وتطوعها لخدمة اغراضها. ونحن كشعب افريقي فتي، له مكانته في القارة الأفريقية ، ممكن نخدم أنفسنا، ونخدم الشعوب المجاورة، بل ويمكن ان نقدم خدمات كبرى لقضايا الاحرار، وقضية السلام العالمي، بأوسع وأيسر مما يمكن أن نفعل ونحن داخل اطار جامعة الدول العربية]
الأستاذ - صحيفة انباء السودان 18/10/1958

ــــــــــــــــــ

"نحن لا يمكن أن نعرض أنفسنا للانتخابات لحاجة بسيطة، إنو أفكارنا عايزة جيل جديد متربي عليها ليقبل بتطبيقها [...] هى ثورة فكرية تعم القاعدة. القاعدة دي تتربى بصورة تنتج هي قيادتها، مش القيادة تجي من فوق وتتنصب على القاعدة وتسيّرها بغير فهم، أو بطريق من المماحكة البنشوفها فى الوقت الحاضر."
الأستاذ
ــــــــــــــــــ
"إما أن نرتفع إلى مستوى المواءمة بين حياتنا وبين بيئتنا وإما أن ننحدر إلى الهاوية، فيكون مصيرنا مصير الأحياء التي عجزت عن المقدرة على المواءمة بين حياتها وبين البيئة... أصبحنا نعيش في كوكب موحد جغرافيا، وأصبحنا بفضل هذا التقدم "التكنولوجي" جيرانا متقاربين، مهما بعدت أقطارنا في أطراف هذا الكوكب الصغير.. وأصبح علينا أن نتحلى بالأخلاق التي تليق بحسن الجوار." –
محمود محمد طه، ١٩٧٣

-----
[إن المشاكل الراهنة لأي بلد هي في حقيقتها صورة مصغَّرة لمشاكل الجنس البشري جميعه، وهي في أسّها، مشكلة السلام على هذا الكوكب، وعندنا أنه من قصر النظر أن نحاول حل مشاكل مجتمعنا السوداني داخل حدودنا الجغرافيَّة، من غير أن نعبأ بالمسألة الإنسانيَّة العالميَّة، ذلك بأن هذا الكوكب الصغير الذي نعيش فيه قد أصبح وحدة ربط تقدّم المواصلات الحديثة السريعة بين أطرافه ربطاً يكاد يُلغي الزمان والمكان إلغاءً تامّاً، فالحادث البسيط الذي يجري في أي جزءٍ من أجزائه تتجاوب له على مدى ساعات معدودات جميع الأجزاء الأخرى، يُضاف إلى هذا أن هذا الكوكب الصغير الموحّد جغرافيّاً، إن صحَّ التعبير، تعمّره إنسانيّة واحدة، متساوية في أصل الفطرة، وإن تفاوتت في الحظوظ المكتسبة من التحصيل والتمدين. فلا يصحّ عقلاً أن تُنجب قمّتها الإنسان الحر، إذا كانت قاعدتها لا تزال تتمرّغ في أوحال الذل والاستعباد، أو قل، على أيسر تقدير، أنه لا يمكن أن يفوز جزء منه بمغانم السلام والرخاء إذا كانت بعض أجزائه تتضرم بالحروب، وتتضور بالمجاعات].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملحق:
الطريق الوحيد لعبور النيل
مأمون التلب

لن يشغلني عن حلاوة ذهنك شيء!
مات من قبلك صوتان عظيمان،
هَمَدا على حدودِ يومكَ،
وتشبثا بسورك العظيم!
صرخا: المصطفى والمحمود.
وما من إجابة، رغم صراخ الجميع.


إنهما بنيانك يا محمود،
الأشجار الظليلة، الأمطار الهاطلة، الأنهار المتعاركة مع البحار الصارخة في المحيطات:
إنهما: سور الدين العظيم.
فكل شيءٍ وُجِدَ لأجل وجودك،
كما كل شيءٍ وُجِدَ لأجلِ وجوده.

وجودك كان أَحلَم،
لا زال
لا زال الطريق الوحيد لعبور النيل.
(18 يناير 2015م)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول مقدّمة طينيّة: سيَّارة الثورة التكنولوجيّة (1) كم من الوقت انتظرت لأكتب عن هذا النص العجيب، والذي لم يُعرَف كاتبه إلى الآن، وربما يتعلَّق الأمر بالظروف والملابسات التي نُشر فيها هذا النص الطريف جداً والتراجيدي بهاويةٍ سوداويَّةٍ مُضحكة. أفهم، كما كتبت كثيراً من قبل، والكثيرون من قبلي، أن اتصال الإنسان مع أخيه الإنسان اندلع مع ثورة التكنولوجيا. ولكن لننظر إلى الثورة التكنولوجيّة الرابطة لأجزاء العالم بطريقةٍ أخرى، فبينما كان الرابط في الماضي عن طريق الحروب والاستعمار، رست السفن قبلهما، وأطلّ القطار مؤخراً، ثمَّ طارت الطائرة. لننظر لانطلاقة الثورة من بدايات القرن العشرين كـ(غِيْر) السيارة، وهو ما سأصل به لما ميَّز جيل مواليد الثمانينات. على الأقل في السودان. تنطلق السيارة في الغير رقم 4 بلا كابح وبسلاسة لانهائيّة، وهي المرحلة التي دخلت فيها الثورة التكنولوجيّة سوق التنافس الرأسمالي العابر للقارات. ففي العصر الذي يسمع به الناس بالتلفاز ويصلهم بعد مُختَرِعيه بعشرات السنوات، ولفئةٍ محددة جداً من البشر.

Life weapon’s dictatorship - By: Mamoun ElTilib

Life weapon’s dictatorship By: Mamoun ElTilib Translated By: Ibrahim Jaffar Introductions: ( Tayfara was a military slave of the Cavalry Divisions (the Divisions of Knights) which was relegated to the Sheiks-ministers of Hamaj .   He presumably has been enslaved during one of the sieges of Rajab to the Nuba Mountains within the course of his campaign against Kordofan, for he reached the age of reason in the era of Nasser wad Idris .   Imaginatively, we would correlate Tayfara’s memories of childhood with those of Dogalo Doguendan Ari ; a Nuba boy of the next generation who, like Tayfara, has been, as a young boy, enslaved and taken from his native land.   Dogalo , as a young man in his far-off exile, has vividly lived the memory of his homeland that has been sustained within his soul as a minute world of landscapes, distant and diminutive shapes; young kings wearing jewels and straddling horsebacks; steppes of azure color of bubbly plant under the pur