التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لم يكونوا ملائكةً



لم يكونوا ملائكةً ، ليسوا جنَّاً
لم يكونوا أشجاراً ولا انبلاج ندىً عن ضوءٍ
لا النهر ولا عطش مصبِّه لمعجزة اختلاط مذاقاتٍ
لا انخلاع بابٍ وانكشاف ما دَسَّه من جلودٍ تنعصف بالخوف!


كانوا أجساد بشرٍ ذوّبتها قلوبٌ، اختفت
مثلما تختفي شمعةٌ في الظلام بقوّة نارها،
حاميةً ذكريات أشياء كُشِفَت بنورها في لحظات القتال.
أُلامِسُ الليلَ عندَ طِفلٍ يَقَعُ عن صهوةِ ظلاله
حائراً أمام الوجوه المتبدّلة عن أصلها، نائمةً، تُواجه نوافذ بيتها الصاحية؛
مفتوناً بألوانٍ تلفظها باستمرارٍ وحوشاً تُضرَمُ أرواحها بمكوّنات مرآةٍ شاهدنا عليها،
أنفاسنا،
وقد تلاحقت،
دالقةً ُمفرزات دربٍ سَلَكَتْه أمام انطحاننا،
يقفُ جوكرٌ راقصٌ في بداية الدرب،
يَختتم حفل الرحلة المجروح بتصفيقِ وجوهِ المشاهدين بعضهم ببعض،
 بكلّ شَفَقة.


ذلك الطوفان القديم خالدٌ في عيونِ العابرينَ خلال ملامستك للأحياء
كلّ واحدٍ يحملُ كهفاً مجبولاً على صراخكَ العالي من الألم؛
الجدار المحيطُ بضحكتكَ المفكوكة في هواء قلبٍ يكرهُ ابتسامتك
العرين المخفيّ داخل نطقك بـ"أحبك".


سنأكلُ طريقاً محروقاً
تتقلّبُ على لافتاته إرادةُ الحيوانات كأنها لا تنتمي لهذه الأرض!.
يا أيّتها القافلة الكامنة داخل علاماتٍ منقوشةٍ على ظهر الصحراء
كيف تقاومين الليل
والنجوم المحدقة في أسماله وهي تكوِّن أصداء كائناتٍ تُقابلك في الزحام؛
حيث كلّ قلبٍ معجزة،
وكلّ ملامسةٍ دِيْنٌ جديدٌ لا يعترفُ بكوابيس دياناتٍ سبَقته.


ودائماً، عندما تُجدِّف الأشجار مُنسابةً عبر جحيمٍ كهذا،
تُنسى، في خضمّ الانهيارات، ذرَّاتُ قُبلٍ
تشقُّ التيّار
ولا تبقي من قلبهِ نبضةً غير مشبّعةٍ بسحرٍ مُغَرِّبٍ تائه،
الطريق تائه؛
كيف يعثرُ القصاصون على حياته دون أن يُلامسوا ما فَقَدَ منها؟.


هذه هي ظلال من قَبِلوا حياتك
كيف تشربها دون أن تنبذ أسرارك المريضة؟
فبينما ينفتح العالم
هو، في ذات اللحظة، يُفتّش عن انتكاسات ثوارٍ يشاركون في ترميم المشهد المكرر:
تقفُ الحياةُ على صدور جثثٍ ولدتها؛
هي ابنتها، وانفجاراتها تَسهر مُشاهدةً انخراق قوانين الليل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا...

مَن يَلحَمُ أبعادي - ملف الشاعر محمد المهدي المجذوب

مَن يَلحَمُ أبعادي ملف الشاعر محمد المهدي المجذوب مقدّمة طينيَّة: يُعيدني هذا الملف لأيامٍ عَوَالٍ. تضافرت جهود مجموعة من الشعراء والكتاب لأجل هذا الملف الفريد، بقدر فرادة الشاعر الذي نواجهه من خلاله. أُنجز إبّان عملنا بالقسم الثقافي بصحيفة (الأحداث)  ـ (تخوم) ـ في العام 2008م. كان القسم وقتها بضم شخصين، الشاعر أحمد النشادر وشخصي، وقد واتتنا الجرأة والخيال لإنجازِ مغامرةٍ بسيطة عن روحٍ شعريّة وفكريّة وحياتيّة هائلة، عاشت، مجذوبةً، في أرضِ السودان ذات يوم؛ كانت روحاً فريدة، زاهدة، وغنيّة بكلّ شيء. في هذه المقدّمة لا غرض لي أبداً ففي الأسفل يتضح كلّ شيء. هذا الملف في حاجة إلى قراءة وإعادة قراءة، في حاجةٍ إلى روحٍ تستطيع الاستمتاع بملذاته، يحتاج إلى روحٍ ذات أبعاد. اسم الملف، الذي يُنشر به هنا في (طينيا)، مستوحى من اسم المختارات الذي اختاره الكاتب محمد الصادق الحاج (من يَلحمُ أبعادي)، ثمّ ألحقه بمقالته المُخترقة للحُجب: (أتكتَّمْتُم على (هذا المجذوب)، أم لم تكونوا جديرين به؟). أفتتح الملف بما كتبناه كمقدّمة، وعادةً كنا نضع مقدّمات ملف تخوم تحت عنوان (تربة). ثم تأتي...

إجلالٌ ونفورٌ أمام كلام الربّ: حول الثورة و"قطار الليل إلى لشبونة"

تنقيبات طينيّة (13) خطاب أَ ماديو : " إجلا لٌ ونف ورٌ أمام كلام الربّ " حول الثورة و"قطار الليل إلى لشبونة" لباسكال مرسييه مأمون التلب مُقدِّمة طينيَّة: (1) أ عود مرةً أخرى إلى باب (تنقيبات الطينيّة) لقراء مد وّ نتنا ، حيث أزور كُ تُ باً وكُتّاباً آخرين ، وفي الحقيقة فإن الدَّاعي لدخول الباب عادةً يأتي من نصوصٍ وكتاباتٍ أثَّرت فيَّ حدّ الألم والمعاناة والفرح واللذة الهائلة، وغيَّرت فيَّ بعمق، وصراحةً لم يحدث ذلك من ذ مدّة؛ صحيح أنني استم ت عت بمئاتٍ من الكتب الجيّدة خلال سنوات ال ا نقطاع عن العودة هنا، تعلَّمتُ الكثير وانتقلتُ إلى عوالمٍ وبلادٍ وأناسٍ آخرين، إلا أنني فوّتُّ "قطار الليل إلى لشبونة" إلى هذه اللحظة، والتي يتكاملُ فيها عالم القطار مع عالمي الخاص وحياتي الراهنة؛ حيث العجز لا اليأس، والمراقبة لا المُشاركة، أي التقدّم في العمر محسوساً بقوّة، وبالضبط عند مشاهدة الاستبسال الخارق لأجيال اليوم وحلمهم ببناء عالمٍ جديد! إنه لمن المُدهش، بعد أكاليل الهزائم التي تطوّق أعناقنا بأشواكها، أن ترى الحياة تتجدَّد رغم أنف عدميّة وانغلاق آمال عالم ا...