التخطي إلى المحتوى الرئيسي

جبلٌ لا ينام - هاشم الرطل



جبلٌ لا ينام
هاشم يوسف


أنوثةٌ في أعالي جبلِ الحلم
تمسكُ بالنوم من تلابيبه،
تجبره على سلاسلٍ وعرةٍ من السجود..
جبلٌ يمسك بتلابيب جبل،
كل ذلك في جبلٍ ليس كمثله جبلٌ أو مدى أو خطيئة.

وأزمجرُ، أمدُّ اليدَ، أحاول انتشال جوهرةَ النهر
فينحرف مني بجوهرته سالكاً جوهرةً أخرى؛
طريقاً معربداً خارج النهر لكنه ليس ضدّهْ.

أتهافَتُ على كوب الموت،
أتعمَّقُ فيه،
كلما لامس إصبعي نكهةً غائرةً فيه،
تمدّدَتْ في لمستي متاهة الأسئلة وانبثقَ شريانُ الجحيم،
وتضخّمَ في جسدي الخنجر المسموم:
وأوصى بي طعنةً في الروح، وهي ذاهبةٌ نحو مرقصها في الشتاء الأخير.

ألبسُ الجحيم مئزراً
في جوفي المعذَّبون يصطلون
أتجوَّل بين الملائكة الساجدين
لم يكن آدم حتى ينظر إليهم
كان فرعاً من الربّ لحظتها
يسجدون من وحي جثَّتِهِ ولا يسمعهم أو يراهم..
أو حتّى إنّه لا يظنهم ساجدين.

يُؤلّم في النهر حجرٌ صغيرٌ مثبّت بصمغِ اللغة
تمرُّ عليه الكلمات
تدوِّن على ظهره الأسماء الخاطئة لمشيئات الأفق الناحلة المؤجّلة
مشيئاتٌ محمولةٌ على ظهورٍ أنبل منها
تدهور الحامل
وسمق المحمول:
هذا لاؤكّد للنابذ نفسه في أقصى أركاني:
ركنٌ دحرجته الحشرات الأليفة، والكوابيس المبتورة لقلَّةٍ في الوقود
ركنٌ لا يحطُّ عليه أحدٌ غير الذباب
وكان الذباب مخدّر
..فعلها الركن القصي..
إنّ الركن القصيّ فعلها.

قد تشكّين
قد لا أبالغ حين أقول بأني دمٌ أنجبته السيوف
حين افتَتَحَتْ حَرْبَهَا بنجمٍ يتيم،
ومزّقت سترة السماء بطعنةٍِ من كابوس.
لا تقتحم كتلك السيوف في الحشا،
أبعد مما يصله النشيد وهو يطعن،
أذنه أولاً
ثم أذان الآخرين.
ثمّ يزول،
هكذا اُبتدِع الصوت،
وهكذا يتلاشى،
وما يبقى منه غير خيطٍ قصيرٍ واحد،
وأقل من الواحد الأبجدي..
هكذا
ليقال من بعده كذا و كذا،
وبالأبجدية مقطوعة الساق/ مسمّلة العينين

أنتِ
لماذا تتجمهرين حول الدم المسفوك؟
أيذكِّرك بزمرة قتلى مدفونين فيك،
كانوا أحياء
غازلتهم نسوة كثر، قبل انزلاقهم نحو بهجتك..
أصدر التراب البلابل حين أتوا فيك
وأضاء قنافذه الجميلة بالمخمل
أخذ كلّ قنفذٍ يدخل فم الواحد منهم
سائلاً بأقصى ما يصله المخمل من مدى، والقنفذ من محاولة،
ومجيباً بأقرب ما يستطيع التلامس قوله بدلاً عن المساءل..
بحشرجةٍ ورَدَت في القواميس أكثر من مرّةٍ
وكانت تعني الكثير..
قبل أن تولد في المخمل قنافذك الطليقة هذي

لماذا هذا الصوت المؤكّد
المشبّع برائحة الباب
ورنة الأجراس في الذاهبين إلى حتفهم؟
يؤكد، يؤكد، حتى أنّي مَلَلْت
من أطلقه ليرعى حشائش سيرتنا؟!
حتى أنّ نجمةً عبرت فوق البدو المسافرين
ألقت عليهم نذراً من تلك السيرة
أجفلت عليهم إبلهم
وكانت سبباً في أن يتبخر حاديهم تماماً نحو السماء
وكانت مغلقةً في وجهه
ليظل ملتصقاً وحده هكذا في الأبد.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مَن يَلحَمُ أبعادي - ملف الشاعر محمد المهدي المجذوب

مَن يَلحَمُ أبعادي ملف الشاعر محمد المهدي المجذوب مقدّمة طينيَّة: يُعيدني هذا الملف لأيامٍ عَوَالٍ. تضافرت جهود مجموعة من الشعراء والكتاب لأجل هذا الملف الفريد، بقدر فرادة الشاعر الذي نواجهه من خلاله. أُنجز إبّان عملنا بالقسم الثقافي بصحيفة (الأحداث)  ـ (تخوم) ـ في العام 2008م. كان القسم وقتها بضم شخصين، الشاعر أحمد النشادر وشخصي، وقد واتتنا الجرأة والخيال لإنجازِ مغامرةٍ بسيطة عن روحٍ شعريّة وفكريّة وحياتيّة هائلة، عاشت، مجذوبةً، في أرضِ السودان ذات يوم؛ كانت روحاً فريدة، زاهدة، وغنيّة بكلّ شيء. في هذه المقدّمة لا غرض لي أبداً ففي الأسفل يتضح كلّ شيء. هذا الملف في حاجة إلى قراءة وإعادة قراءة، في حاجةٍ إلى روحٍ تستطيع الاستمتاع بملذاته، يحتاج إلى روحٍ ذات أبعاد. اسم الملف، الذي يُنشر به هنا في (طينيا)، مستوحى من اسم المختارات الذي اختاره الكاتب محمد الصادق الحاج (من يَلحمُ أبعادي)، ثمّ ألحقه بمقالته المُخترقة للحُجب: (أتكتَّمْتُم على (هذا المجذوب)، أم لم تكونوا جديرين به؟). أفتتح الملف بما كتبناه كمقدّمة، وعادةً كنا نضع مقدّمات ملف تخوم تحت عنوان (تربة). ثم تأتي...

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا...

The Beauty of the Silly - نجلاء عثمان التوم

 The Beauty of the Silly  نجلاء عثمان التوم إلى عثمان حامد سليمان   هل يمكن تشريح الأصالة؟ هل يمكن الكشف عن شعوبها الداخلية دون مجزرة؟ أنا مدفوعة هنا بالحجب الأصيلة التي يغزلها الغناء السوداني حول نفسه فيبدو لنا أحياناً شيئاً محيراً، لامع الحيرة . عندما نتجرد من العصاب الذي نسميه الفهم، وننطلق في رحلة متحللة من كل غاية، ونستمع إلى الأغاني السودانية بأرجلنا ومصاريننا، نشعر أن الطاقة التي تتهدج في الجو هي، ولا شيء خلافها، الهوية. لكن تظل أصالة هذا الغناء شيئاً غامضاً جداً وعصياً على التعيين. ثمة إستراتيجيات، أعتقد، أيّدت هذه الجذوة التحتية. أولاً تحتجب الأصالة، في معظم الأحيان، في تمويهات هزلية تنتجها قوالب شبه ثابتة محكومة بشهوة الرجز، والطلاقة الشعبية، والنبرة العادية في الكلام. فالغناء في الأساس هو مكان التغزل في اليومي والعادي في أقرب نسخه إلى الواقع. وكلما تشبثت الأغنية بسوقيتها المعروقة، كلما تصير إلى درجة من أصالتها الصحيحة. لكن الفن هو دائماً تدخل معقَّد، فلا نجاة من سطوته، لكن التحايل عليه ممكن. فعندما تبدأ أغنية ابتهالية، فيها تسجيل لمغامرة البلا...