التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في جدوى المانفستو - أحمد النشادر



في جدوى المانفستو*
أحمد النشادر
 2006م

صرحٌ فارهٌ من الهواء، دسيسةٌ طفلةٌ شبقةٌ على ثُخْنِ الهواء، مثل عين بالونية مطاطة تتقوس كأعداء تحت مجهرٍ عَجُول، تتقوّس كبطن العود الظَّهرية وعليها الخطوط الرضيعة؛ حيراتٌ متجشَّأة من مدفأةٍ تحت السر السطحي الأخرس الذي يحرص الجميع على أن لا يتعفن بالروغان منه. إننا على مقربة من كلمة مختلَقَة تماماً كأفواهنا مثلها مثل باقي الكلمات، لنقل (نعم!) متبجِّحين تحت ضحكات تجرف البيئة الداخلية للخارج؛ البيئة التي لم نتوقف عن مطاردتها بنظراتنا متشبِّثين بالروغان والتجرد الأكثر نقاءاً من بقائه تجرداً؛ التجرد من التأثُّرات المحكَمة بالبيئة والجسد والنفس والخيال والهرمونات الزانية الراقصة اللطيفة المحمية بغفلتنا عنها أوبإنشغالنا بها؛ آه، يا أحبائي، إننا ظعينة التلف المبعوث من ياقات تفتيت اللحم.
(!)
التجرد من كل شيء، الإستماتة في التجرد من كل شيء: (الاسم، الدم، الجسد، الروح، البيئة، الفناء في إنتظار السرعة المناسبة للتجرد، السياسة، الإجتماع، الهضم، البراز، السايكلوجيا، الإحساس الذي يخطئ إيقاع التجرد، الإنبتات الخادع، التلوّثات التي تحدثها تصاهراتٌ في الغالب غير موفَّّقة بين هذه العناصر، التفكير...إلخ) قد لا يتم إلا عبر الإنحدار بأقصي جنون إلى أقاصي كل كلمة داخل القوس لتَفَْرَغَ من ذاتها لتجد نفسها في مواجهة هذا التجرد فارغةً إلا من الوقوع في أحضان هذا الهيكل العظمي للماء الذي قد ينتج عن لهاث البشر الحق الواصل إلى فراغٍ مقتنعٍ بذاته لكونه هو حقاً نهايةَ اللهاث المبرأة منه كلياً، والتي تلقائياً تدخل في هيكل الماء إياه.
ولكن ولكن ولكن يا ناس، ولماذا لكن؟، أيّ من هذه الكلمات قد تستغرقنا مجراتها اللهاثية والتي تجعلنا لساناً خالصاً لعَّاقاً لهذا الفناء الرطب؛ فنجد أن بعضَنا قد إنهمك غير آبهٍ بالكلِّيَّات المفترضة يمتزُّ من جفاف خوفه على هذا اللهاث كلَّ شذرة متطايرة عن هذا الفضاء الشهواني لما أرتضاه غير واعٍ وربما واعٍ بإنتصارٍ خبيثٍ مسكينٍ في خبثه ذاك، إذ يكون تضخيمُ هاجسِهِ الأصيلِ حينَها الرحمةَ ذاتَها؛ الرحمة الصدقة الوحيدة التي يقدمها ضلالٌ من النوع المنهَمَك فيه، كائنٌ كلُّه لسانٌ وعينُهُ سِلِيسْيُون تجعل طعمَ كونِهِ لساناً مستساغاً، نوع من إتحاد تام بالوهم المعطي معنىً للوجود، قُبْلَةٌ كاملة من الجسدِ اللسانِ لنفسه، هي الأبد.
ربما ذلك التجرد الذي يقتل الطرقَ المؤديةَ إليه ليضفرها هيكلاً له؛ ربما يكون هو الوهم الذي يجعل الكثيرين شعراءَ في اللغةِ وفي غيرها من الطرق التي تُقْتَل في سبيل سر واحد يكون من الجهر بحيث لا يراه؛ لأنه لحظةَ يراه إنما هو صائر إلي جماد أو إله على الأقل.
ولكن لماذا الشعر؟، أليس الشعر كلمة مثله مثل: خراء، برلمان، إنسان، مكوك، عمو، عمر، فحم، حبيبتي.
ما الفائدة من إثارة مثل هذه الأسئلة التي تقتل مللاً أهمَّ منها.
الفائدة؟!.
تواضَعْنَا ووُضِعْنَا "على" و"في" اللغة، لن يضير وقد يضير(وماذا لو) تواضُعُنا على أن نكون كياناً من إرتجافنا منه وثقتنا التي مثل الحُمَّى، كم يثق المحموم في أنه يرتعش، يا لهذا الجسد المحموم!، إنه حقاً نفحةُ إلْهَاءٍ متجاوِزةٍ لأي شيء غير لذتها وهي ترقص رعباً جميلاً.
نتواضع على أن هناك قيوداً قد تكون هي نحن أو كل ماسبق ذكره، وللطزاجة مرة أخرى الوجود، الجسد، البيئات كلها، وهذه اللحظة التي أكتب فيها؛ ولأن الإضطرارات المباشرة الآنية مثل وضعنا هنا تعيقنا عن مواجهة الإضطرارات الأكبر بما فيها الإختلاف مع ما هو مكتوب هنا، وللتبجح الإضطرارات الصغيرة مثل الظروف التي يمر بها واقعنا الثقافي لنزيح الوحش الذي تآسَنَ في لحمها نحو مجالِ إدراكٍ وبصرٍ أوسع أوسع.
كل خطوة تجاه ما سنفعله هوَّة على مستوى ما نريده منها حقاً؛ ولكنها على مستوى واقعنا السياسي الإجتماعي الإقتصادي الثقافي إلخ، تكون تنقية مبدئية لتنقيات أكثر تقوى نحو الوحش ذاته والذي قد يكون وردةً هي قبر الموت الأخير؛ الموت الذي لا يمل.
(؟؟)
جدوى المانفستو ربما ليست إلا المخاض الذي تم لمناقشة جدواه مما جعل الأسئلة تفقس عن بيضة دائمة.
ماذا نريد أن نقول؟ ولماذا؟ ومن نحن لنقول؟.
نحن نختلف حقاً حول كل من هذه الكلمات إختلافاً يحتمل أقصى إحتمالاته.
لنقف على هذه الصخرة الصلدة من إختلافنا مع أنفسنا وبعضنا البعض، لنمنح هذه الصخرة بركتنا لسماحها لنا بالوقوف عليها، إنها صنيعةُ أنَّنَا بَشَر.
المخاض بين جدوى المانفستو ولا جداوه الإضطرار الصغير الذي جعلنا نجتمع لنواجه ما لا يستحق أن يكون قضايا مباشرة، هذا الجانب الإجرائي المؤسساتي من واقع العالم، هذه العنة النشوانة بذاتها.
هل على المانفستو أن يكون (نحن) الإفتراضية الأولى القابلة للتململ منها والإنقضاض عليها لحظةَ نحسّ أننا غير مرتاحين في جسم إختلافنا، ربما عليه أن يكون الجانب النظري من هذه الـ(نحن)، هذا الوهم الواقعي المكتوب الأول الذي يؤسس لتغيره عندما يكون ملائماً لمماحكات أناواته ذلك.
(!!)
لأننا مختلفون حول فهمنا لـ ما هو الشعر لـ من هم نحن لـ ماهو العالم وما هو الفهم ومضطرون وفقاً لراهننا أن نفعل هذا الكيان المسمَّى بيت الشعر.
وتبرئةً لإختلافنا من التغاضي عنه وتبرئةً لنا من جعل هذا الكيان مُذْعِنَاً بصمته عن هذا إلاختلاف نكتب هذا المانفستو.
(؟!!)
(ليس هنالك شخص من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين) محمود محمد طه.
ولكن تَوَاطُأَنا لمصلحة حريتنا الفردية على الأقل في هذا البيت تمنحنا سياجاً لصيانة حريتنا في الإختلاف.
(؟!!)
الأطراف الغضة للطفل المدقوق كمسمار على ضفة الكوكب، اللصوص المطريون الشعاعيون،
مراكب الرَّشح حمالة الرئات نحو حتفها الرحيم على شفتي الهواء،
الأناوات الحشرية المنْزَلة في السَّحَّاحَات والماصَّات الخرافية الجافة،
العيون الميتة للنظرة،
التذوق الرديء بالنسبة لـماذا،
الحس في أضمومة الذكاء المتنقِّلة على يفاعة لا تنضب تجعل كل ما تراه يافعاً كماءٍ يتأمل ذاته،
المنسلة من اللسان؛ اللسان الجانب التقني من الحضارة،
الأمهات المبيضَّات كأسنان الأرض الطينية،
جماعة اللمعان،
عشرون رجلاً مصاباً بالإسهال من فرط جمالها،
على سطحٍ مجرد (لا الشفقة ولا الضجر، لا المباغتة ولا التفكير، لا المحبة ولا الحس ولا الذكاء، لا الإنسان ولا عكسه، لا الإتجاهات ولا الجوع ولا ما تحت العظام من رجاحة الناس المسحوقة، لا الأرجل ولا النقيق ولا اللغة بطبيعة الحال، ولا القتل ولا السرقة ولا الرعاف ولا "لا").
على هذا السطح الذي هو بطانةُ بياضِ العينِ التي ليست جماداً ولاغيره؛ على هذا ربما يجدر بكل كلمة أن تثبِتَ أنها جديرة بوجودها، وعلى الشعر _ هذا الإله المريع_ أن يخلق ولو لمرةٍ واحدةٍ مؤجلةٍ بإستمرارٍ بشراً يصلحون لهذا الاسم الشعر مع الإستهزاء الكامل بالكلمة.
(؟!!)
طبيعة المانفستو:
منفستو ممغنط، كالأرضِ دمعة الإله الممغنطة، الأرض المستحيل الحقيقي؛ الشفرةُ المعدنيةُ الحادةُ كُرَوِيَّةُ الشكلِ والتموضعِ في أذهان الحيوانات الناطقة.
طبيعة مجترَّة كحيوان واثق مما أكل، وهذا الكلأ هو الأسباب التي خلقت جدوى هذا المنفستو.
الأمانة المطلقة لكل هذا المخادَعات الداخلية والداخلية بطريقة خارجية.
طبيعته ذرَّات تأكل ذاتها بنهم مخلِص لطبيعتها الأكَّالة مفسحةً المساحةَ لذرَّاتٍ أخرى وهكذا دواليك.
بِلًغَةٍ مفتوحةٍ علي وهمها لأنها عينُ واقعها المزجَّجة بالعبثِ الطَّالِّ من كل فجوة بين مكونات الإدراك البشري.
(؟!!)
نتحلَّى بالعالم لنزني بأنفسنا على مصطبات الكمال،
ياعزلة الإنسان، يا فراشةً تحترق لتحصل عليها؛
ياعزلةَ الإنسان، يتها العذوبة العذبة، يا قاتلةً ملولةً شرهةً، أنتِ يا لا تأبهين بكل ما تأبهين، وأنت الآبهةُ بكل شيءٍ تأكيداً لنفسك، أيتها الغبية، أيتها القدر الجَّمَاعِيّ الجِّمَاعِي، يا رباطة جأش الموسيقى والجنس والدين والشعر، يا مضلَّعة يا مفتولة يا قُحَّة ليست أعنف ولا أهم من كحة، كُلِي بفمِكِ النَّحْنِيِّ؛ كُلِي مبايضَ الرُّعبِ وخُصَى الأمل؛ كُلِي كونَكِ المتخمَ؛ كُلِي كونَكِ وهماً؛ كُلِي كنت تتعلم تجامل لوفؤادك مرة جرَّب؛ كُلِي إنضمامَنا للمأساة لنحصل على أنفسِنا وعَوْدَتِنا إليكِ بِفَمٍ صاغر يلعق برازَك من مجال رؤيته ليؤكِّدَك؛ كُلِي الغِشَّ الجَّهلَ الرَّفَّةَ والجَّهلَ الأكبرَ؛ كُلِي إنني بكِ هازئ.
(القصيدة بالِيْهْ العزلةِ للمساجين بلبساتهم المخططة) رندا محجوب.
العزلة قد لاترضى بقصيدة ولا بِكُوْن.

(؟!!)
أحمد النشادر
قُدِّمت هذه الورقة في ورشة لبيت الشعر السوداني (المنقرض) في: 15 أغسطس 2006م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول مقدّمة طينيّة: سيَّارة الثورة التكنولوجيّة (1) كم من الوقت انتظرت لأكتب عن هذا النص العجيب، والذي لم يُعرَف كاتبه إلى الآن، وربما يتعلَّق الأمر بالظروف والملابسات التي نُشر فيها هذا النص الطريف جداً والتراجيدي بهاويةٍ سوداويَّةٍ مُضحكة. أفهم، كما كتبت كثيراً من قبل، والكثيرون من قبلي، أن اتصال الإنسان مع أخيه الإنسان اندلع مع ثورة التكنولوجيا. ولكن لننظر إلى الثورة التكنولوجيّة الرابطة لأجزاء العالم بطريقةٍ أخرى، فبينما كان الرابط في الماضي عن طريق الحروب والاستعمار، رست السفن قبلهما، وأطلّ القطار مؤخراً، ثمَّ طارت الطائرة. لننظر لانطلاقة الثورة من بدايات القرن العشرين كـ(غِيْر) السيارة، وهو ما سأصل به لما ميَّز جيل مواليد الثمانينات. على الأقل في السودان. تنطلق السيارة في الغير رقم 4 بلا كابح وبسلاسة لانهائيّة، وهي المرحلة التي دخلت فيها الثورة التكنولوجيّة سوق التنافس الرأسمالي العابر للقارات. ففي العصر الذي يسمع به الناس بالتلفاز ويصلهم بعد مُختَرِعيه بعشرات السنوات، ولفئةٍ محددة جداً من البشر.

Life weapon’s dictatorship - By: Mamoun ElTilib

Life weapon’s dictatorship By: Mamoun ElTilib Translated By: Ibrahim Jaffar Introductions: ( Tayfara was a military slave of the Cavalry Divisions (the Divisions of Knights) which was relegated to the Sheiks-ministers of Hamaj .   He presumably has been enslaved during one of the sieges of Rajab to the Nuba Mountains within the course of his campaign against Kordofan, for he reached the age of reason in the era of Nasser wad Idris .   Imaginatively, we would correlate Tayfara’s memories of childhood with those of Dogalo Doguendan Ari ; a Nuba boy of the next generation who, like Tayfara, has been, as a young boy, enslaved and taken from his native land.   Dogalo , as a young man in his far-off exile, has vividly lived the memory of his homeland that has been sustained within his soul as a minute world of landscapes, distant and diminutive shapes; young kings wearing jewels and straddling horsebacks; steppes of azure color of bubbly plant under the pur