التخطي إلى المحتوى الرئيسي

خُضرواتُ النموِّ لخلق "لَن" - نص جديد




خُضرواتُ النموِّ لخلق "لَن"
مأمون التلب
1 أكتوبر 2017م
لوحة (فان جوخ)

(1)
بين ثنايا قُلوب الخضروات المفتوحةِ على شِقَّي سماءٍ غامضةٍ
تَبرُقُ روحُ الأرض:
في المِنجل المُستعد لاقتلاعها،
في خيال المآتةِ الحامي لحياتها،
في الإنسان الميّتِ سماداً لها،
في السماء المُمطرةِ جُباتَها،
في الحيِّز الصغير الذي يخلقُ الدمعةَ في العين،
في السمك الذي يهبطُ من السماء إذ يشفُطُه الطوفان،
وسيّان ما تَبلغُه أسنّةُ الجِنان من حيّز النبات.
.....
لن يَمنع ذلك غَرَق اليابسة في يد الخالق الوارد نبعَ خطاياه؛
هناك،
حيثُ يُولد نبعُ الأشجار،
وتفتقدُ البذرةُ شمساً تضربُ أوراقها.

(2)
تُقشَّرُ الخضروات،
أعصاب البشر تُقشَّرُ في الشاشات،
النايُ، مُبتَلَعاً، يُغرِّدُ في قفصٍ خَنَقَتهُ راياتٌ لم نفهمها،
ولن.

الآيات تُتلَى على ألسنةٍ تذوَّقنَا ظَمَأها للحياة،
وفَهمنَاها،
وهي لن.

الميقات الأبديُّ الذي انتظرناه هَا يهوي،
يَطرقُ مَعدَنه،
لكنّه لا يَفهم لهيبَهُ،
وسرابَ جُثَثِه،
ولن.

(3)
يَنبتُ النباتُ  -في مِزرَعة الإنسان- مُبتَهجاً بُحريَّةٍ
ظانَّاً أنَّه خالقَهَا،
دائماً تَكذِبُ البذرةُ على خَلقِ مِعْمَارها،
دائماً تنسى البذرةُ من رَميَ نردَ حُرَّاسها.


(4)
لكنَّ الغابة لا تزال هناك،
حيثُ تَنهَشُ الحيواناتُ بعضَها القَلْبَ
حيث تُجتثُّ دائماً جذورٌ من رحمٍ غيرَ مُتخيَّلٍ،
مُختَلٍّ،
قاتلٍ لكلِّ ذي ظنٍّ حَسنٍ بأحقيّة وجود عالم اليوم.
دائماً....
دائماً كانت غابةُ كلّ فردٍ غابةً سيئةً لا سواها،
تستعدُّ للانقضاض في كلّ لحظةٍ،
تستحيلُ ظمأً لمن رواها بدمه،
وستقضم ما تستحقُّه منه،
في نهاية الحلم.

وهو، في حديقته، يَتبرَّجُ بتنسيق الحدائق،
ولن يُدركَ خُطَّتَها ذاتَ اللسانِ الزاهدِ،
ولن.

(5)
والغزوُ لن ينجُ من ظلِّك
الشدوُ لن يتجنَّى على أحدٍ سوى خيانتك المستمرّة لنا،
نحنُ الممسكون بمِقبَضِ الجبل،
وجنونِ الصخرِ
والأمطارِ -يا لروحها الطاهرة- تتقمَّصُ وجوهك العديدة؛
تُضلُّ من تشاءُ
وتَهدي من تشاء.
ولَن؟.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا...

مَن يَلحَمُ أبعادي - ملف الشاعر محمد المهدي المجذوب

مَن يَلحَمُ أبعادي ملف الشاعر محمد المهدي المجذوب مقدّمة طينيَّة: يُعيدني هذا الملف لأيامٍ عَوَالٍ. تضافرت جهود مجموعة من الشعراء والكتاب لأجل هذا الملف الفريد، بقدر فرادة الشاعر الذي نواجهه من خلاله. أُنجز إبّان عملنا بالقسم الثقافي بصحيفة (الأحداث)  ـ (تخوم) ـ في العام 2008م. كان القسم وقتها بضم شخصين، الشاعر أحمد النشادر وشخصي، وقد واتتنا الجرأة والخيال لإنجازِ مغامرةٍ بسيطة عن روحٍ شعريّة وفكريّة وحياتيّة هائلة، عاشت، مجذوبةً، في أرضِ السودان ذات يوم؛ كانت روحاً فريدة، زاهدة، وغنيّة بكلّ شيء. في هذه المقدّمة لا غرض لي أبداً ففي الأسفل يتضح كلّ شيء. هذا الملف في حاجة إلى قراءة وإعادة قراءة، في حاجةٍ إلى روحٍ تستطيع الاستمتاع بملذاته، يحتاج إلى روحٍ ذات أبعاد. اسم الملف، الذي يُنشر به هنا في (طينيا)، مستوحى من اسم المختارات الذي اختاره الكاتب محمد الصادق الحاج (من يَلحمُ أبعادي)، ثمّ ألحقه بمقالته المُخترقة للحُجب: (أتكتَّمْتُم على (هذا المجذوب)، أم لم تكونوا جديرين به؟). أفتتح الملف بما كتبناه كمقدّمة، وعادةً كنا نضع مقدّمات ملف تخوم تحت عنوان (تربة). ثم تأتي...

إجلالٌ ونفورٌ أمام كلام الربّ: حول الثورة و"قطار الليل إلى لشبونة"

تنقيبات طينيّة (13) خطاب أَ ماديو : " إجلا لٌ ونف ورٌ أمام كلام الربّ " حول الثورة و"قطار الليل إلى لشبونة" لباسكال مرسييه مأمون التلب مُقدِّمة طينيَّة: (1) أ عود مرةً أخرى إلى باب (تنقيبات الطينيّة) لقراء مد وّ نتنا ، حيث أزور كُ تُ باً وكُتّاباً آخرين ، وفي الحقيقة فإن الدَّاعي لدخول الباب عادةً يأتي من نصوصٍ وكتاباتٍ أثَّرت فيَّ حدّ الألم والمعاناة والفرح واللذة الهائلة، وغيَّرت فيَّ بعمق، وصراحةً لم يحدث ذلك من ذ مدّة؛ صحيح أنني استم ت عت بمئاتٍ من الكتب الجيّدة خلال سنوات ال ا نقطاع عن العودة هنا، تعلَّمتُ الكثير وانتقلتُ إلى عوالمٍ وبلادٍ وأناسٍ آخرين، إلا أنني فوّتُّ "قطار الليل إلى لشبونة" إلى هذه اللحظة، والتي يتكاملُ فيها عالم القطار مع عالمي الخاص وحياتي الراهنة؛ حيث العجز لا اليأس، والمراقبة لا المُشاركة، أي التقدّم في العمر محسوساً بقوّة، وبالضبط عند مشاهدة الاستبسال الخارق لأجيال اليوم وحلمهم ببناء عالمٍ جديد! إنه لمن المُدهش، بعد أكاليل الهزائم التي تطوّق أعناقنا بأشواكها، أن ترى الحياة تتجدَّد رغم أنف عدميّة وانغلاق آمال عالم ا...