صنَّةُ إفلاس الأمل مأمون التلب غيابُ أعوامٍ طويلةٍ يُمكّنك من التعرّف على جميع عوامل الزمن في وجه صديقٍ أو أم، والد جارة أو زميل مهنة. غياب أعوامٍ قليلةٍ جدّاً بعيداً عن السودان، في حاله اليوم، يجعلك خبيراً في التعرّف على الأخاديد التي جدّت على الملامح، الأسى والأفراح الصغيرة المقتنصة في ظلّ [الذل والإهانات المُستمرّة]، في مواجهة جسد الحياة المُنتَهك. ولكن أن يستطيع غياب شهرين أن يكشف سُحق الهاوية التي هوينا إليها، والحياة التي في قاعها تنفد المؤن، ويُقتَل الناس؛ أن تستطيع هذه الأيام المعدودات أن تُحدِثَ فَرقاً في حياة الناس إلى هذا الحد، فذلك ما نسميه عادةً بـ(ما يفوق الخيال)، وهي جملة من شدّة ما سُهِكَت أصبحت، مثلها مثل بقيّة الكلمات المقدّسة في عالم اليوم، بلا مَعنى. هكذا تسبح معنا الكلمات في نهر الجثث نافقةً كما ينفق الأمل بين أضلعنا يوماً بعد يوم. كنت أظنّ أن الذي جدّ على رؤيتي البصريّة كان لوناً باهتاً يطبع حركة الحياة في العاصمة، كنت أظنّه فتور الإيقاع واليأس، ولكنّه أصبح أشدَّ من ذلك خطراً؛ كنت أتنفّس رائحة التوهان، وفي نظرات ركّاب المواصلات العامّة نظرةٌ حز...