تنقيب الظلام هَدرُ الأرض(1)! مأمون التِّلب (1) إنَّ عالمَ اليوم لا يبدو غريباً فقط، بل إنَّ غرابَته تُلْمَس؛ إنّها قابلةٌ للتنفّس والتفحّص الدقيق، وربما مَثَّل ذلك الحسنة الوحيدة التي غَنمناها من هذا الجنون المُزركَش. فكم هو ساحرٌ أن يكون كلّ هذا التغيير والاقتلاع الدموي لجذور القيم؛ كلّ هذا التدمير الخالد لما تُشيرُ إليه اللغة من معانٍ ـ كالعدالة والحريّة والمساواة ..إلخ ـ كم هو ساحرٌ أن يكون (طبيعيَّاً)! بمعنى أن الطبيعة فيه قد تَبَدَّت، وانقَشَعت تلك الغشاوة العظيمة التي لا تزالُ تعبثُ بقاياها المهترئة بمجريات الحلقة النهائيَّة لهذه السلسلة المتّصلة من بناء وهَدم القوانين! بدأت تزول بخشونةٍ أَورَثت العيون النّاظرة إلى الحقائق جراحاً مرعوبة من بديهيَّة تلك الحقائق وطبيعيّتها، ذلك ما أعني: إن عالم اليوم مكشوفٌ بوقاحةٍ لم تَعد تستطيع الحفاظ على الوعود المُلقاة على قارعة الحياة بغرض إقناع البشر (أن هذه الوقاحة تُسمَّى حياةً). ذلك ما تُنادي به الطبيعة وذلك ما تَبحث عنه؛ أن يُدرِكَ البشرُ فداحة القانون الذي إليه ينتمون، ومن إشاراته يُلهَمون؛ قانونٌ قادَهم عبر هذه القرو...