التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الوَثَائِق (عَنْ تَحْقِيْقَاتِ كَانَ)


الوَثَائِق (عَنْ تَحْقِيْقَاتِ كَانَ) مأمون التلب

الصَّرْخَة

الْمَهَاوِي..

مَسَاكِنُ الكِلاَبِ فِي بَطْنِهَا الْمَبْقُورة،

الشَوَائِبُ بأمْزِجَةٍ مُتَأَمِّلَةٍ تَتَنَهَّدُ عَلَى سُطُوحِ الأَنْهَارِ الَّتِي تَعْبُرُ، نَحِيْفَةً جَائِعَة.

الْمَهَاوِي..

فَمُ الرَّائِي،

رِئَةُ الْمَسْجُونِ،

شَيْبُ الْمُنْتَحِرَة.

اصْرُخْ

أيُّهَا الوَرَقُ الْمَطَّاطِيُّ الأَصْفَر، عَاشِقُ الأَشْجَارِ الْمَتْرُوكِ،

أيُّهَا اللَّوْنُ الوَرْدِيُّ عَلَى خَدِّ القُنْبُلَة،

أيُّهَا السَّائِحُ، الْمُتَنَكِّرُ بِوَجْهِ الْمُهَرِّج.

اصْرُخْ فِي الْمَهَاوِي..

لَنْ تَتَرَدَّدَ الصَّرْخَة،

يَتَوَقَّفُ نَبْضُهَا بَعْدَ رَكْضِهَا الطَّوِيْلِ عَلَى ظَهْرِ الهَوَاءِ الْمُتَعَرِّجِ

وتَبْدَأُ فِي السَّيْرِ الهَادِئ وَهِيَ مَيِّتةٌ

بَعْدَهَا سَتَنْدَمُ عَلَى الارْتِجَافَةِ الَّتِي تَرَكَتْهَا فَوْقَ الشِّفَاهِ _نَارُهَا الأُم_

الجَّزَعِ الْمَحْرُوقِ بِثِيَابِ ذِكْرَيَاتِهَا دَاخِلَ الجَّسَدِ البَشَرِيِّ الأَخْرَسْ،

السَّمَاوَاتِ الدَّامِيَةِ فِي العُيُونِ الْمُنْتَظِرَة.

تَبْدَأُ السَّيْرَ الهَادِئ وَهِيَ مَيِّتةٌ فِي الحَيَاة،

مُخَلِّفةً وَجْهَ الْمَهَاوِي مَشْقُوقَاً إلى قَتَلَةٍ وسُمَّارٍ لَيْلِيِّينَ يَكْرُهونَ إغْمَاضَةِ الجِّفْنِ عَلَى الظَّلاَم،

تَظَلُّ حَاضِرَةً بلا شُكُوكٍ

عَارِفَةً مِقْدَارَ الصَّمْتِ فِي العَالَمِ بِيَدَيْهَا الْمُلتَهِبَتَيْنِ مِن قَسْوَةِ الإدْرَاك

عَارِفَةً شُحْنَةَ البَشَرِ السَّائِلَةِ فِي نُطْقِ الحَرْفِ وَهُوَ غَافِلٌ عَنْ مَعْنَاهُ.

(هَلْ طَعْمُ العَالَمِ صَامِتٌ؟

لهُ طَعْمُ الرِّيَاحِ العَاجِزَة،

مَنْ تُلاَمِسُ أَبَدَاً جَسَدَ الهَاوِي فِي الْمَهَاوِي دُونَ الإمْسَاكِ بِجَمَالِهِ؟).

أيَّتُهَا الصَّرْخَةُ

اصْرُخِي لِتَعْذِيْبِ سُلاَلاَتِ رُوحِكِ البَارِحَة.



الْمُقْبِل

أَبْوَابٌ تَحْمِلُ عَلَى ظَهْرِهَا آثَارَ الطَّرْقِ والرِّيْبَةِ الْمَتْرُوكَةِ عَلَيْهَا

وتَهْرُبُ

_بإذْنِ مَنَافِذِ العَالَمِ،

بِكَوْنِهَا لُغَةَ الْمَجْهُولِ ورَائِحَةَ الْمُغَامَرَة_

خَارِجَ الْمَكَانِ بِزَمَانِهَا اللَّيْلِي.

ـ مَنْ شَاهَدَهَا؟

ـ شَعْرَةٌ سَقَطَتْ مِن جَرَّاءِ عِنَاقٍ دَاخِلَ غَابَةٍ تُحْتَضَر

عِنَاقٌ لَيْسَ سِرَّاً

عَلَى مَرْأَى مِن الأَجِنَّةِ فِي الغَيْب

_الوُشَاة السُّوقِيُّون_.

أبْوَابٌ تُهَرِّبُ العِنَاقَ

وتُضَحِّي بِوُجُودِهَا _دُونَ سِتْرٍ_

فِي لَهِيْبِ الْمَكَانِ الْمُتَصَاعِدِ

بإيقَاعِ ذُنُوبٍ

بِشَهْوَةِ فَرَاغٍ يَكْمُنُ خَلْفَهَا فَرِيْسَةً لا تَخَاف.



الْمُجَمَّد

الحَدِيْدُ دُمُوعُ الأرضِ الجَّافَّة

صَنَعَتْ بِهِ يَدُ الإنْسَانِ _عَيْنُ الأرْضِ السَّافِرَة_

الأسْلِحَةَ

سُورَ الحَدِيْقَة.

ولَيْسَ غَرِيْبَاً أن تَرَى

طِفْلاً يُمْسِكُ السُّورَ ويَبْتَسِم

طَائِرَاً يَحُطُّ عَلَى السِّلاَحِ ويَجْرَحُ الخَرَابَ بِغِنَائِهِ...

الغَرِيْبُ

أن تَتَسَلَّمَ الأرْضُ قِيَادَ الجُّيُوشِ البَشَرِيَّةِ _هَلْ رَأَيْتَ هَذَا؟_ وتَزْحَفَ باتِّجَاهِ الْمَنْثُورِ فِي أرْجَائِهَا؛ سَطْحِهَا، الْمَخْدُوشِ بِصَيْحَاتِ الأطْفَالِ الْمُمْسِكِيْنَ بالأسْوَارِ، الْمُسَطَّحِ لأجلِ تَشْذِيْبِ الحَوَاسِّ وتَجْرِيْحِ حُدُودِهَا بالْمُسْتَحِيْل.

الغَرِيْبُ

أنْ تُخلعَ السَّمَاءُ مِن عَرْشِهَا الْمُزَيَّنِ بالتَّكَهُّنَات والأعْمِدَةِ الحَدِيْدَية _سُلاَلةِ دُمُوعِ الأرضِ الملكيَّة_ الَّتِي تَسْنِدُهَا بِخُبْثٍ خَفِيٍّ!.

تَعَلَّقْ بالحَدِيْدِ الطَّائِر شَرَائِحَاً فِي الهَوَاءِ الصَّلْب،

دَعْهُ يَحْمِلْكَ فِي رِيْشِه الخَافِقِ بالصَّرَامَةِ واللَّمَعَانِ البَاهِتِ

دَعْهُ يُكْمِلْ دَوْرَةَ حَيَاتِهِ؛ مُنْذُ السُّورِ، اللُّعبَةِ، أدَوَاتِ الطَّبْخِ الألِيْفَةِ، هَيَاكِلِ الْمَصَانِعِ الْمَنْخُورَةِ بالبُطُولاتِ والدُّخَانِ الحَزِيْن، النظَّارَاتِ الجافَّةِ بالدُّمُوعِ الحَكِيْمَةِ، سَنَابِكِ الْخُيُولِ الأَنِيْنَةِ والعَرَبَةِ الَّتِي تَجُرُّهَا بِغَفْلَةِ رَاكِبِهَا.

دَعْهُ يُكْمِل دَوْرَتَهُ فِي صَلِيْلِ قُلُوبِكَ الْمُتَضَارِبَةِ فِي فَرَاغِ النَّبْض،

وليَكُن انْصَاتُكَ لَهَا خَافِتَاً عَلَى أَلَمِ صَدْرِكَ الْمُشِعِّ بِحُريَّتِهِ المُتَنَفَّسَةِ بالشَّرَر.

الحَدِيْدُ شُجُونُ الأرْضِ الْمُتَشَجِّرَةِ فِي الأشْكَالِ الجَّامِدَة،

الْمَصْبُوبَةِ بَرْدَاً وسَلاَمَاً عَلَى الدَّمِ الْمُرَاقِ،

أنِيْسَتُهُ فِي القَّبْرِ الغَارِب،

جَلِيْسَتُهُ وَهِيَ تَرْقُصُ ذَائِبَةً بِنِيْرَانِ الجَّحِيْم،

رَسُولَتُهُ دَاخِلَ إيْقَاعِ كَلِمَاتِ الله.



النُّكْرَان

(1)

يَا لَكَوْنِكِ.

خَالِقَةٌ تَتَلَعْثَمُ فِي نُطْقِ أسْمَاءِ مَخْلُوقَاتِهَا الرَّاعِبَةِ

لِيَخْرُجُوا هَكَذَا:

يَتَمَسَّحُونَ بالجُدْرَانِ زُلْفَى، وهي هَارِبَةٌ مِن حِصَارِهِم،

تَتَشَقَّقُ فِي صَيْحَاتِهِم رَقَصَاتٌ مَفْتُونَةٌ بِضَمِيْرِ الشَّلَلْ،

تَكْسُو أَصَابِعُهُم الرَّقِيْقَةُ جَفَافَ الرِّيْحِ

بأسْمَالٍ بَاحُوا بِهَا

أَمَامَ جَلاَلِكِ الْمُنْتَهَكِ

ولَمْ تُبْصِرِي سَلاَمَهَا الأَعْمَى.

الرِّيحُ

(تِلْكَ الْمُتَمَدِّدَةُ فِي الفَرَاغَاتِ بَيْنَ خَلاَيَا التُّرَابِ

كَثُعْبَانٍ زِئْبَقِيٍّ يَنْكَمِشُ إثرَ حَالِ نَظَرَاتِ العَابِرِيْن).

(2)

يَا لكَوْنِكِ

مُنْذُ البَرْقِ مَقْهُورَاً يَتَدَرَّبُ عَلَى خَطْفِ سُلاَلاتِكِ البَاهِتَةِ

فِي اللُّغةِ، وجُرْحِ الإنْسَان،

مُنْذُ أن نَهَرَكِ الطِّفْلُ الْمَولُودُ

لِيَكْشِفَ لَكِ هَوْلَ النَّبْضِ الَّذِي سَاكَنَهُ فِي جَسَدِك،

مُنْذُ أن لَفَظَتْكِ الْحُرُوبُ البَعِيْدَةُ عَن أُذُنَيْكِ

قطةً ضَامِرَةَ الْخَوْفِ هُنَاك:

ونَحْنُ

نُشِيْرُ إلى ألفَاظِ الكُنُوزِ البَذِيْئَةِ، حِيْن عَشِقَتْهَا أقدَامُكِ الشَّاكِيَاتُ من رِحْلاَتٍ فَانِيَاتٍ،

نُشِيْرُ إلى آخِرِ رَمَقٍ مَعْقُوفٍ؛ خَاطِفِ اللَّوْعَةِ مِن نِدَاءِ بَحْرٍ هَجَرْتِهِ لأنَّ الشَّمْسَ أزعَجَتْ رُوْحَ اليَابِسَةِ فِي اسْتِجْدَائِك.

نُشِيْرُ إلى قَبْرٍ مُنْتَصِبٍ يَتَفَحَّصُ جُثَّةً مُخْتَارَةً لأجْلِهِ، مُؤَكِّدَاً أَنَّهُ يَمْلُكُ أيْضَاً:

لَحْمَاً

وعِظَامَاً

وعَوَاصِفَ قَلْبِيَّةً...

لكِنَّهَا

خَالِدَة.

(3)

يا لَكَوْنِكِ

إنَّ النُّجُومَ تَعْرِفُ مَسَارَاتِهَا

فلمَاذَا تُشْفِقِينَ عَلَيْهَا بِخَلْقِنَا؟

إنَّ الأرْضَ _لا مَفَرَّ_

أمٌّ لأبْنَائِهَا الْمَيِّتِيْن؟.

وَشَيْنَا لَكِ بأَمْرِ الغُرَابِ ذِي الصَّوْتِ الجمِيلِ

مَن كان يحرِّقُ الأشْجَارَ بِخطوَاتِهِ،

أخْبَرنَاكِ بِأحْلاَمِهِ عَنِ الصَّوْتِ الشَّاحِبِ فِي الزَّنْزَانَةِ الجنَّة،

عَنِ اللَّمْسَةِ القَاتِلَةِ لأَنِيْنِ الْمُكَوَّمِيْنَ فِي غايَتِكِ.

(4)

يَا لكَوْنِكِ.

مَعْذُورَةٌ؛

إذْ في العَالَمِ:

نَوَافِذُ مَرْئِيَّةٌ،

أَصَابِعُ تَنْهَبُ الأنْفَاسَ القَادِرَةَ عَلَى الصُّرَاخِ

وأشْجَانُ سُكْرٍ تُلَوِّحُ الأمَاكِنَ بِسُمرَةٍ بَيْنَ.. بَيْن.

إذ فِي العَالَمِ:

بَسَماتٌ تَتَكَوَّنُ في خبثٍ هادئٍ مِنَ الْمَاضِي.

وسُمُومٌ عَاشِقَةٌ تَتَنَـزَّهُ بأشهَى الْمَلاَبِسِ دَاخِلَ رَغْبَةِ الْهَجْرِ والنُّكرَان.

إذْ فِي العَالَمِ نحنُ:

كَاشِفٌ مَرْتُوقٌ بالهَذَيَانَاتِ، يَمُتَصُّ مَرَارَةَ الظِّلاَلِ الـمُدَلاَّةِ عَنْ كَاهِلِ الْحُبِّ

ولَهُ السَّلاسِلُ

تَهَدُّجُ التَحدِيقِ في القَتْلِ الْمَبْعُوثِ وعُودَاً

وكُهْرَبَاءُ القِيَامَةِ الْمَضْغُوطَةِ فِي رُوْحِ أَسْلِحَةٍ تَنْتَظِرُ ضَحَكَاتِهِم.

(5)

إذ نَحْنُ فِي العَالَمِ

نُترَكُ

كَذِكْرَى مَوْتٍ مِسْكِيْنٍ لَمْ يَتَحَقَّقُ

لكنَّا نَعُودُ عَلَى ظُهُورِ الظِّلاَلِ

حَتَّى يَتَذَكَّرَ الضُّوءُ مَلاَمِحَ وجْهِهِ

فَيَسْطَعُ فِي كَوْنِكِ

مُشَرَّداً

غَيرَ مَأْسُوفٍ عَلَيْه.




خُلُود لَيْلِيّ

هَذَا الصَّبَاحُ، شَرْخٌ لَمَّاعٌ يَفْصِلُ بَيْنَ الخَطْوَةِ والأُخْرَى، كُرَاتٌ مِن السُّحُبِ تَتَمَشَّى عَلَى حَوَافِّهِ مُحْدِثَةً هَذَا الإيقَاعَ الْمَطَرِيَّ الْمُتَسَلِّلَ مِن أَطْرَافِكِ وأنْتِ تَضْحَكِيْنَ مِن صَمْتٍ يَلُفُّ الْمَكَان.

هَلْ كَانَ صَمْتٌ يَلُفُّ الصَّبَاح؟.
لَمْسَةٌ طَائِشَةٌ تَكْفِي لِيَتَعَرَّفَ الضُّوءُ عَلَى ظِلِّهِ تَكْفي لِيَجْلُسَ الصَّمْتُ بِطُفُولَةٍ شَاهِقَةٍ عِنْدَ الزَّوَايَا، مُطْلِقَاً بَصَرَهُ الْمُتَكَلِّمَ بلُغَاتِ التَّهَدُّجِ والهَمْسِ والرَّعْشِ الْمَدْرُوسِ ورَوَائِحِ البَرِيِّةِ الغَامِضَة، يُطْلِقُ بَصَرَهُ لِيَنْسَابَ عَلَى أَدَوَاتِ الْمَطْبَخِ السَّاهِرَةِ عَلَى خِدْمَةِ الحَوَاسِّ، عَلَى صَوْتِ النَّارِ وَهِيَ تُشِيْرُ إلى جُرْأتها بِصَوْتِهَا العَارِي.

وأنَا الجَّبَانُ الْمُتَوَحِّدُ بِنَارِهِ الخَاشِعَة.

هَذَا الصَّبَاحُ يُفْلِتُ

يُنبِتُ الفَزَّاعَاتِ الحَيَّةَ فِي هَوَاءِ الشَّرْخِ البرَّاقِ

يُسَرِّحُ رِيشَ الطُّيُورِ الْمُسْتَكِيْنَةِ عَلَى أَكْتَافِهَا النَّاعِمَة.

هَذَا الصَّبَاح

يَنْتَهِي بِتَلْوِيْحَةٍ مِن نَظْرَتِكِ

ولَنْ يَحْدُثَ مَرَّةً أُخْرَى

سِوَى فِي خَيَالِ دَمْعَتِهَا بِخُلُودٍ لَيْليٍّ رَاهِبْ.



بلا تَرْجَمَة

انْظُرِي لِكَفِّكِ، ارْفَعِيْهَا عَالِيَاً حَيْثُ لا طُيُورَ تُرَى وَهِيَ تَتَهَرَّبُ مِن نَظَرَاتِ الصَّيَادِيْنَ، حَيْثُ الملائِكَةُ لا تُسَبِّحُ بَلْ تَفْنَى فِي بَلاءِ أجْنِحَتِهَا، وجَمَالِ مَهَمَّاتِهَا العَارِفَة.

انْظُرِي لشُمُوخِ الوَرْدَةِ الْمَرْسُومِ عَلَيْهَا بانْكِسَارٍ أسْطُورِيٍّ مَحْسُودٍ ومُبَاح.

بَعْدَ أن تَتَأَكَّدِي مِن مَصَادِرِ الشُّحُوبِ العَدِيْدَةِ فِيْهَا، ادْفَعِي بِهَا الأبْوَابَ الْمُوصَدَةَ أمَامَكِ، ورَاقِبِي حَيَاةَ الأشْبَاحِ مِن خَلْفِهَا وهي تَنْبُضُ بِسَلامٍ مَعَ مُمْتَلَكَاتِهَا الْمُجَفَّفَةِ:

رَاقِبِيْهَا وَهِيَ تَسْقِي النَّوَافِذَ بالنَّظَرَاتِ الْمُتَرَقِّبَة، وَهِيَ تُسَلِّحُ الْمَمَرَّاتِ بالضَّحَكَاتِ الْمَاجِنَةِ، وَهِيَ تَرُشُّ الْخَمْرَ عَلَى رُؤُوسِ أَصَابِعِ الْمُتَسَلِّلِيْنَ مِن سُجُونِهِمْ الجَّمِيْلَة.

ادْفَعِي الأبْوَابَ، وَدَعِي شَعْرَكِ الثَّمِلَ يُطْلِقُ الحَنَانَ لِرَوَائِحِهِ الْمَسْلُوكَةِ بِأقْدَامِ الرِّيَاحِ الْمُشَرَّدَةِ، واتْرُكِي صَوْتَكِ الْمُيبَّسَ بالأخْشَابِ القَدِيْمَةِ؛ صَوْتَكِ الَّذِي حَدَّقَتْ فِيْهِ أشْجَارُ الجنَّةِ الخُرَافِيَّةِ لِبُرْهَةٍ رَؤُوفَةٍ، يَهْرُبُ بِفَرَحِهِ وحُزْنِهِ إلى أعَالِي السُّقُوفِ؛ إلى خَزَائِنِ الأسْرَارِ الإلهيَّةِ الْمُغْلَقَةِ عَلَى كُلِّ مَن عَصَى الشَّيَاطِيْن، والْمَسِي الْمَحَبَّةَ والقُرب.

سَاقُكِ تُحَدِّثُ الأُخْرَى بِكَلِمَاتِ الأَرْضِ بِلا تَرْجَمَةٍ، والشَّوْكُ الْمَبْهُورُ يُدْمِيْهَا بِشَغَفٍ وصُرَاخ.

رُبَّمَا كَانَتِ الطُّرُقُ وَاضِحَةً لَكِ مِنَ البِدَايَة، ولَكِنَّكِ الآنَ تَعْتَذِرِيْنَ لِجَهْلِكِ البَائِنْ، السَّاطِع.

رُبَّمَا كَانَتِ الطُّرُقُ مُتَلبِّسَةً بالجَّرَائِم مُنذُ النِّهَايَة، ولَكِنَّكِ تَعْتَذِرِيْنَ الآنَ للبَرَاءَةِ الْمَسْكُونَةِ بِهَمَسَاتِكِ الرَّاجِفَة.

تَذْكُرِيْنَ الهَمْس؟،

مسكينٌ، إذْ يَرَى نَفْسَهُ مُهْدَرَاً عَلَى أَمَاكِنَ لا تَسْتَحِقُّ أنْ يُكْشَفَ لأجْلِهَا سِرٌّ.

مِسْكِيْنٌ، إذْ لاَ يَعْرِفُ وَجْهَهُ فِي تَضَارِيْسِ انْفِعَالاَتِ الأشْبَاحِ بِهِ.

سَاقُكِ تُحَدِّثُ جَارَتَهَا بأهْوَالِ التَّقَدُّمِ فِي السنِّ، أقْصُدُ سِنَّ الصُّعُودِ عَلَى دَرَجَاتِ الغَيْبِ السَّاطِعِ بِأكَاذِيْبِهِ الوَاضِحَةِ لِكُلِّ ذِي عَقْلٍ وبَالٍ مَحْرُوقٍ بِنِيْرَانِ الوَاقِعِيَّةِ السَّالِبَة، سَالِبَةُ القُبْلَةِ السَّائِبَةِ (عَلَى حِلِّ شِعْرِها).

قَلِّبِي الكِتَابَ الَّذِي أَتْرُكُ _فِي كُلِّ يَوْمٍ_ حَرْفَاً مِنْهُ يَتَلَوَّى عَلَى أَرْضِ حَيَاتِكِ، تُدْرِكِيْنَ أَيْنَ سَأَضَعُ قَلْبَكِ عِنْدَمَا يَتَحَجَّرُ فِي خَرَائِطِ البَرْدِ والنُّزُوحِ الأعْمَى نَحْوَ وِدْيَانٍ تُشعِلُ حَقَائِقَ الْمِيَاهِ فِي التُّرَابِ الأَجْرَد.

قَلِّبِي الكِتَابَ، وسَتَرِيْنَ عَدَمي يُرَاقِبُ سَيْرَ العَالَمِ البَطِيء مِن حَوْلِنَا، وَكَمْ نَحْنُ فِي حَاجَةٍ إلى رِقَّة يَأسِنَا وعَجْزِنَا، فِي حَاجَةٍ إلى أنْ نَرَاهُمَا يَتَعَانَقَانِ بِلَهَبٍ يَتَطَايَرُ مَشْنُوقَاً بِعَدْلِ شَهَوَاتِهِ مِنَ الجُّلُودِ الْمَهْجُورَة، (وَهُمَا يَفْعَلاَنِ ذَلِكَ سِرَّاً).

قَلِّبِي الكِتَاب.

سَتَضْحَكِيْنَ فِي آخِرِ العُمْرِ، وأنْتِ تَنْسُجِيْنَ مَا رَآهُ عَدَمِي سُتْرَةً لأبْنَاءِ الحَرْبِ، واللُّغَة.

بَيْنَمَا تَنْبُتُ الشَّيَاطِيْنُ الصَّغِيْرَةُ مِن تَحْتِ مَقْعَدِكِ رَافِعَةً بَصَرَهَا البَاسِمِ نَحْوَ تَجَاعِيْدِ فُؤَادِكِ الرَّهِيْبَة.



الغُرْفَةُ الأُخْرَى



وُحُوشٌ تَضَعُ مَخَالِبَهَا بِرِفْقٍ عَلَى عَيْنَيْك، تُؤلِمُ مَلامِحَك؟

ولكِنَّهَا تُشْعِلُ رَعْشَةَ الرُّعْب!.

رُعْبٌ خَائِضٌ ببحَارٍ مَيِّتَةٍ فِي صَحَرْاءٍ تَتَشَوَّهُ بِتَصْدِيْقِ سَرَابِهَا

والرَّعْشَةُ _للأسَفْ_ مَنْبَعُ النَّدَى فِي سُدَى الجِّلْد،

وفِي عَرَقِ الدَّمِ الرَّاكِضِ فِي العُرُوق.

الرَّعْشَةُ _للأَرَقْ_ قُنبُلَةُ اللَّحْظَةِ التَّائِهَةِ فِي العَمَاء.

أمَامَ الْمِرآة الَّتِي تُوَافِقُكِ الرَّأي، وأجزَاءُ الغُرْفَةِ تَحْلُمُ بِغُبَارٍ قَدِيْمٍ يَصْدُرُ مِن تَحْدِيْقِكِ الثَّابِت:

يَنْبُضُ العَبَثُ الَّذِي أحْدَثْتِِهِ فِي شفاه السَّرِيْر؛ مَنْ قبَّلَتْكِ وأَنْتِ نَائِمَة.

تَتَسَلَّقُ العَنَاكِبُ حِيْرَةً تَفُوحُ مِن جِلْدِكِ العَاشِق، وتَتَسَلَّى بالفَرَائِسِ الطَّافِرَة مِن يَقِيْنِهَا..

يَهْتُفُ بَرِيْقُ عَيْنَيكِ بِوُجُوهِ المَوْتَى والْمَفْقُودِيْن فِي ظَلاَمَاتِ الكَوْنِ الْمُشَرَّدَة فِي الغُرْفَةِ الأُخْرَى،

يَتَلَعْثَمُ تَنَفُّسُكِ بالرَّغْبَة، بِقُبْلَةِ فَرَاشَةٍ تَلْفُظُ أنْفَاسَهَا فِي هَوَاءٍ مُحِبٍّ يَسْبَحُ فِي مَمَرَّاتِ البَيْت.

أَعْرِفُ: سَتُحَطِّمِيْنَ الْمِرآةَ،

عِنْدَمَا تَسْتَيْقِظُ حَيَاةٌ فِي أَلَمِ مَلاَمِحِك.

أَعْرِفُ: سَتَهْرُبُ مِنْكِ الوُحُوشُ خَائِفَةً

عِنْدَمَا يُشْرِقُ العَدَمُ فِي الثِّيَابِ الْمَلَكِيَّةِ، مكلَّلاً بِشَمْسٍ وَاضِحَة.

حِيْنَهَا،

كَيْفَ سَتُسَيْطِرِيْنَ عَلَى صَوْتِ التَّحَطُّم؟؛ صُرَاخَ الوُحُوشِ الجَّازِع؟

كَيْفَ تَحْلُمِيْنَ بِبَقَاءِ الغُرْفَةِ بِلاَ جُدْرَان سَاهِيَةٍ فِي الخَارِج؟

كَيْفَ سَتَحْتَمِلِيْنَ غَثَيَانَ الْمَشْهَدِ العَنْكَبُوتِيِّ الجَّمِيْل؟.

ادْفِنِي العَالَمَ فِي حُطَامِ الْمِرآةَ؛ عَلَّه يَصْرُخ.

كَمِّمِي العَالَمَ بِصُرَاخِ الوُحُوشِ؛ عَلَّه يَتَحَطَّم.



البَذْل

غَرِيْبٌ أَمْرُ هَذَا النَّجْم

يُقَطِّرُ تأمُّلاتِ السَّاهِرِيْنَ عَلَى الأَرْض:

مِن طَيْرٍ ـ ذَرَّاتٍ تَائِهَةٍ فِي هِجْرَتِهَا العَارِفَة

جِبَالٍ ـ قُيُودٍ تَتَحَدَّثُ بِعُزْلَةِ كُهُوفِهَا

بِحَارٍ ـ مِرْآةِ غُمُوضٍ

إنْسَانٍ ـ إنْسَان.

غَرِيْبٌ مَا قَطَّرَهُ دُونَ إذْنٍ مِن طَبِيْعَتِهِ

(وطَبِيْعَتُهُ في ضوئهِ تضحكُ بأمومةٍ خبيثة).

لَكِن

مَاذَا لَوْ انْسَكَبَ مَا قَطَّرهُ عَلَى الأَرْض؟

مَاذَا لَوْ تَلاَشَى الجُّرْحُ فِي أَلَمِهِ لِيُشْرِقَ الدَّمُ عَلَى حَقِيْقَتِهِ؟

مَا الَّذِي سَيَغْرَق؟.


-----------

اللوحة من أعمال إيقور


تعليقات

  1. ياااااااااه يالمأمون
    لماذا لم تفتح تلك الصفحة منذ زمن لتعطينا حق الإستمتاع هذا
    دمت جميلا

    ردحذف
  2. لكم هو موجع استنكار الحرف-الوجع-وكم هو مخزى قبوله اياه،تعب هواليوم الذى لا يحويه ،مبعزقة جدائله،كمعتدة أعمل فيها الفراق معاولا والحبس أتى على ما تبقى ،سر

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول مقدّمة طينيّة: سيَّارة الثورة التكنولوجيّة (1) كم من الوقت انتظرت لأكتب عن هذا النص العجيب، والذي لم يُعرَف كاتبه إلى الآن، وربما يتعلَّق الأمر بالظروف والملابسات التي نُشر فيها هذا النص الطريف جداً والتراجيدي بهاويةٍ سوداويَّةٍ مُضحكة. أفهم، كما كتبت كثيراً من قبل، والكثيرون من قبلي، أن اتصال الإنسان مع أخيه الإنسان اندلع مع ثورة التكنولوجيا. ولكن لننظر إلى الثورة التكنولوجيّة الرابطة لأجزاء العالم بطريقةٍ أخرى، فبينما كان الرابط في الماضي عن طريق الحروب والاستعمار، رست السفن قبلهما، وأطلّ القطار مؤخراً، ثمَّ طارت الطائرة. لننظر لانطلاقة الثورة من بدايات القرن العشرين كـ(غِيْر) السيارة، وهو ما سأصل به لما ميَّز جيل مواليد الثمانينات. على الأقل في السودان. تنطلق السيارة في الغير رقم 4 بلا كابح وبسلاسة لانهائيّة، وهي المرحلة التي دخلت فيها الثورة التكنولوجيّة سوق التنافس الرأسمالي العابر للقارات. ففي العصر الذي يسمع به الناس بالتلفاز ويصلهم بعد مُختَرِعيه بعشرات السنوات، ولفئةٍ محددة جداً من البشر.

Life weapon’s dictatorship - By: Mamoun ElTilib

Life weapon’s dictatorship By: Mamoun ElTilib Translated By: Ibrahim Jaffar Introductions: ( Tayfara was a military slave of the Cavalry Divisions (the Divisions of Knights) which was relegated to the Sheiks-ministers of Hamaj .   He presumably has been enslaved during one of the sieges of Rajab to the Nuba Mountains within the course of his campaign against Kordofan, for he reached the age of reason in the era of Nasser wad Idris .   Imaginatively, we would correlate Tayfara’s memories of childhood with those of Dogalo Doguendan Ari ; a Nuba boy of the next generation who, like Tayfara, has been, as a young boy, enslaved and taken from his native land.   Dogalo , as a young man in his far-off exile, has vividly lived the memory of his homeland that has been sustained within his soul as a minute world of landscapes, distant and diminutive shapes; young kings wearing jewels and straddling horsebacks; steppes of azure color of bubbly plant under the pur