التخطي إلى المحتوى الرئيسي

رأيتُ الوردة

(1)

رأيتُ الوردة،

تُدخِلُ المواد إلى العالم برحابة عنقٍ،

وتستلُّ من أوقات تفتُّحها الليليّة إظلامَ عيون الناس

تقلّبه على أوجهِه كلها حتى تلمَح لمعان الأسلحة

متفتّحاً كبرقٍ نوَّمهُ طفلٌ تكاثَرت العواصف بين أصابعه.

رأيتُ الجذع مبتوراً؛

من دوائرهِ تبصقُ الأرضُ بَصْمَتَها،

وتُغلق ثغورَ السماءِ بها،

فلا السحب تفتحُ أسرارها تحت رحمة الشمس،

والأنهارُ لن تمتصّ نظرات الغرقى الأخيرة؛

إنها هَجمَةُ الصغير على بذخ الشاسع المتخفِّي

فأين ستُسرِّب كوابيسك التي نِلتها باستحقاقٍ كَفِلَتْهُ أمومتك الخائنة؟

أيُّ حجابٍ سيكفي لإزاحة آلام الروائح المستحدثة يوميّاً

والملامسات؟!.

جيشُ الألوان، مُتَّحداً مع صمت الأحياء السائل، يُورِدُ الهلاك مسامع الدنيا

ذلك عندما تُخبِّئ الوردةُ تدرّج أرواحها في الليل

لتجدها، فاحشةً بكلّ الظلام، مُتفتِّحةً أمام وجهك؛ تباغته

مُلطّخاً بتحوّلاتِ الحياة.

(2)

تتعلَّمُ منها الوقوف منحنياً أمام كائنٍ فَقَدَ وجهَاً

وعدَّة لحظاتِ صمتٍ بين نبضات القلب

وبيّنةً على رَدعٍ ألَمَّ به

وجرائمَ ليّنة؛

تقف مُنحنياً لتُدَحرِجَ السنوات المنطبعة على ظهركَ الراقد

ليُقابلَ القلبُ شسوعه

وتنفرط الكلمات من عُقَدِ العيون المحترقة.

(3)

تتعلَّمُ أنّها

وجهَ الجذورِ النهائيّ مُقاوماً امّحاء ملامح البذرة.

(4)

إنكِ تفكِّرين داخلَ الوردة

وينهَوِسُ بصَرُكِ بالاختلاس؛

ولكنّكِ داخلَ كائنٍ مُنتَهكٍ ومستهلكٍ تُفكِّرين

لا الحَرب، ولا المحبَّة،بقادران على إعادة قيمةٍ لرقصتها الفتّاكة.

ولكن، أنظري إليها

مثلما تنظرين إلى خيالٍ يَنبُضُ لحمه في زاويا

وحيدة ومخزية

كَاثَرَتْهَا حياتُكِ:

بعدها؛

أرجوكِ، لا تخبريني بأن جِلدَكِ لا يزالُ على حاله،

وأن أحلامَكِ لم تَرِث خيالات كثيرٍ من موتى لم تشاهديهم

ويَعرفهم جوعُ قلبكِ.

لا تخبريني.

(5)

ولأننا فقدناها بسهولةٍ هكذا؛

أصبح علينا أن نتقبّل، برحابة عنقٍ، مقاصل عطريّة

تتعملَقُ من خَلفِها العيون الزجاجيّة المحترقة

عاكسةً صورَ متألّمين يَحشرون أجسادهم تحت رَحمةِ العواصف الصلبة.

ولأننا فقدناها بسهولةٍ

أُمِرنا بأن "نَقتُلَ أنفُسَنا".

تعليقات

  1. مامون التّلب:

    "فأين ستُسرِّب كوابيسك التي نِلتها باستحقاقٍ كَفِلَتْهُ أمومتك الخائنة؟

    أيُّ حجابٍ سيكفي لإزاحة آلام الروائح المستحدثة يوميّاً " (؟)

    سؤال بحجم الحياة كلّها...

    والملامسات؟!.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مَن يَلحَمُ أبعادي - ملف الشاعر محمد المهدي المجذوب

مَن يَلحَمُ أبعادي ملف الشاعر محمد المهدي المجذوب مقدّمة طينيَّة: يُعيدني هذا الملف لأيامٍ عَوَالٍ. تضافرت جهود مجموعة من الشعراء والكتاب لأجل هذا الملف الفريد، بقدر فرادة الشاعر الذي نواجهه من خلاله. أُنجز إبّان عملنا بالقسم الثقافي بصحيفة (الأحداث)  ـ (تخوم) ـ في العام 2008م. كان القسم وقتها بضم شخصين، الشاعر أحمد النشادر وشخصي، وقد واتتنا الجرأة والخيال لإنجازِ مغامرةٍ بسيطة عن روحٍ شعريّة وفكريّة وحياتيّة هائلة، عاشت، مجذوبةً، في أرضِ السودان ذات يوم؛ كانت روحاً فريدة، زاهدة، وغنيّة بكلّ شيء. في هذه المقدّمة لا غرض لي أبداً ففي الأسفل يتضح كلّ شيء. هذا الملف في حاجة إلى قراءة وإعادة قراءة، في حاجةٍ إلى روحٍ تستطيع الاستمتاع بملذاته، يحتاج إلى روحٍ ذات أبعاد. اسم الملف، الذي يُنشر به هنا في (طينيا)، مستوحى من اسم المختارات الذي اختاره الكاتب محمد الصادق الحاج (من يَلحمُ أبعادي)، ثمّ ألحقه بمقالته المُخترقة للحُجب: (أتكتَّمْتُم على (هذا المجذوب)، أم لم تكونوا جديرين به؟). أفتتح الملف بما كتبناه كمقدّمة، وعادةً كنا نضع مقدّمات ملف تخوم تحت عنوان (تربة). ثم تأتي...

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا...

The Beauty of the Silly - نجلاء عثمان التوم

 The Beauty of the Silly  نجلاء عثمان التوم إلى عثمان حامد سليمان   هل يمكن تشريح الأصالة؟ هل يمكن الكشف عن شعوبها الداخلية دون مجزرة؟ أنا مدفوعة هنا بالحجب الأصيلة التي يغزلها الغناء السوداني حول نفسه فيبدو لنا أحياناً شيئاً محيراً، لامع الحيرة . عندما نتجرد من العصاب الذي نسميه الفهم، وننطلق في رحلة متحللة من كل غاية، ونستمع إلى الأغاني السودانية بأرجلنا ومصاريننا، نشعر أن الطاقة التي تتهدج في الجو هي، ولا شيء خلافها، الهوية. لكن تظل أصالة هذا الغناء شيئاً غامضاً جداً وعصياً على التعيين. ثمة إستراتيجيات، أعتقد، أيّدت هذه الجذوة التحتية. أولاً تحتجب الأصالة، في معظم الأحيان، في تمويهات هزلية تنتجها قوالب شبه ثابتة محكومة بشهوة الرجز، والطلاقة الشعبية، والنبرة العادية في الكلام. فالغناء في الأساس هو مكان التغزل في اليومي والعادي في أقرب نسخه إلى الواقع. وكلما تشبثت الأغنية بسوقيتها المعروقة، كلما تصير إلى درجة من أصالتها الصحيحة. لكن الفن هو دائماً تدخل معقَّد، فلا نجاة من سطوته، لكن التحايل عليه ممكن. فعندما تبدأ أغنية ابتهالية، فيها تسجيل لمغامرة البلا...