التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول

سيَّارة الثورة:
مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو -
الكاتب مجهول


مقدّمة طينيّة: سيَّارة الثورة التكنولوجيّة
(1)
كم من الوقت انتظرت لأكتب عن هذا النص العجيب، والذي لم يُعرَف كاتبه إلى الآن، وربما يتعلَّق الأمر بالظروف والملابسات التي نُشر فيها هذا النص الطريف جداً والتراجيدي بهاويةٍ سوداويَّةٍ مُضحكة.
أفهم، كما كتبت كثيراً من قبل، والكثيرون من قبلي، أن اتصال الإنسان مع أخيه الإنسان اندلع مع ثورة التكنولوجيا. ولكن لننظر إلى الثورة التكنولوجيّة الرابطة لأجزاء العالم بطريقةٍ أخرى، فبينما كان الرابط في الماضي عن طريق الحروب والاستعمار، رست السفن قبلهما، وأطلّ القطار مؤخراً، ثمَّ طارت الطائرة. لننظر لانطلاقة الثورة من بدايات القرن العشرين كـ(غِيْر) السيارة، وهو ما سأصل به لما ميَّز جيل مواليد الثمانينات. على الأقل في السودان. تنطلق السيارة في الغير رقم 4 بلا كابح وبسلاسة لانهائيّة، وهي المرحلة التي دخلت فيها الثورة التكنولوجيّة سوق التنافس الرأسمالي العابر للقارات. ففي العصر الذي يسمع به الناس بالتلفاز ويصلهم بعد مُختَرِعيه بعشرات السنوات، ولفئةٍ محددة جداً من البشر. اليوم أصبح يَصل في اليوم ذاته، وكذلك في متناول الجميع تقريباً. فإن لم يمتلكه الناس الفقراء –أغلبيّة العالم- اليوم؟ فإنهم، بعد سنوات، سيحصلون عليه مُصنَّعاً خصيصاً لهم، وبالسعر الذي يُناسبهم.
(2)
خلاصة القول، أن جيلنا قد شهد المرحلة التي انمحى فيها الزمان والمكان تماماً، وشهد ما يتاولد بعد تلك اللحظة من عالمٍ غامضٍ مُستحيل التنبؤ. لقد شهدنا القفزة الهائلة التي شلَّت ذهولنا ووضعته في الثلاجة إلى الأبد.
ولشرح ما أعنيه بالـ(غِير) الرابع أتذكر هذه القصة التي حدثت لصديقنا المولود في سبعينات القرن الماضي وهو يتحدث لابنه: (أبوي، إنتو الموبايلات كانت في زمنكم غالية كده؟) فقال: (والله نحن زمنّا ما كان فيهو موبايلات)! فذُهلَ الابن، وقال بكل براءة، بينما يُحرِّك يديه وكأنه يمتطي حصاناً: (وكان عندكم شنو؟ خالد ابن الوليد؟).
(3)
نُشر هذا النص إبّان حدوث هذه القفزة المهولة، بلا اسم، إذ كانت الشبكة مُخيفة، والحديث عن كلّ شيء وبحريّةٍ مطلقة –كما يحدث الآن- لم يكُن مُفكَّراً فيه لأن سلاسل الواقع كانت لا تزال مربوطةً بالأرض والناس والأشجار والبحار و، الأرعب، أجهزة الأمن الواقعيّة، إلى اللحظة التي انقطعت سلسلة الكون.
نشرت هذا النص في السابق عبر وسائطٍ كثيرة منها موقع سودان للجميع وفيسبوك في أيامه الأولى، أعيد نشره في مدونة طينيا نسبةً لطرافته وسرده لأحداث ربما تبدو غير معقولة بالنسبة للأجيال الجديدة الأذكى والأعمق تَثوِيراً وحريّةً وانطلاقاً مُبهجاً.
يتحدّث النص عن التجربة التي مررنا بها –مواليد الثمانينات- والتي هي: أن تفتح عينيك على الدنيا ولا تجد سوى حكم الجبهة الإسلاميّة، فقط، ولا شيء سواه. لا زمانَ قبله –سوى ذكريات غائمة- ولا بَعده سوى هوَ وما تلته من وقائع تزيدُ في تصعيب الأمور وتعقيدها. في ذلك الوقت لم تكن الجبهة كما هي الآن، دولة أمنية، وإنما كانت دولة غسيل أمخاخ وتركيز على (إعادة صياغة الإنسان السوداني)، وهو ما يفتح النص على احتمالاتٍ أخرى تمرّ بها شعوب بدأت ترزح تحت أنظمةٍ مشابهةٍ لنظام الجبهة الإسلامية في بدايات التسعينات.
الملفت في كاتب النص أنه لا يُبدي انتماءً سياسيَّاً في كتابته هذه، ولا هو من الصفوة المُعتَرف بها، إنه صوت المواطن الشاب الطبيعي، يسعى إلى الحياة والمتعة، وهو الجميل في صوته الذي كتبه بالدارجية السودانية الفُصحى.
أتمنى لكم مسامرة ممتعة، كما أتمنى أن يكشفَ كاتب النصّ عن اسمه في يومٍ ما.

ـــــــــــــــــــــــــــ
ملحوظة:
نشرت بعض الصور مرفقةً بهذا النص، ولكنني لم أتحصّل عليها ولا على ترتيبها.

النص:
مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو
الكاتب: مجهول
يومداك كنتَ قَاعِد بَحضَر في فيلم ثقافي (الفيلم المصري، . موش فيلم "ثقافي")، واللي هو في تقديري واحد من أنجح الأفلام المصرية على الإطلاق، لأنو اتناول، بشكل مباشر، تفاصيل مشكلة واجهت كل الشباب -أو على الأقل معظم الشباب البعرفهم- في محاولتهم المستميتة لجمع عناصر الـ"تثقّف" الصعبة. وأثناء ما أنا قاعد أحضر في الفيلم، لاحظت إنو معظم الشباب مواليد التسعينات ما قدرين يشعروا بسهولة الحاجات الفي متناولهم، وما قادرين يستوعبوا صعوبة الحياة الكنا نحن عايشينها في زمنَّا، أو بالأحرى من 1990 لغاية 2000. الحقبة الزمنية دي كانت فترة صعبة عاشوا فيها مواليد التمانينات طفولة ومراهقة تعيسة لظروف تقنية وسياسية، والبيزيد من التعاسة بتاعتها منظر المراهقين بتاعين الأيام دي اللاقينها باردة (مشكلة الشباب الفي "فيلم ثقافي" ما بتلاقي شباب اليومين دي، لأنو الموبايلات بقت شريط وفيديو وتلفزيون ووصلة). حأحاول أشرح لشباب التسعينات نحن عشنا مراهقتنا كيف؛ لمن قمنا ما كان في أطباق فضائية وما كان في قنوات خاصة، يعني التلفزيون القومي كان التلفزيون الوحيد، وما كان عندك أي خيار في الحاجة البتحضرها. ما كان في حاجة لريموت كونترول، لو عايز توطِّي الصوت كنت بتقوم على حيلك وتوطِّيهو وترجع حتتك.
التلفزيون من الصباح كان بيقول "إششششششش"، والساعة أربعة بيبدا بنشيد العلم وتلاوة القرآن الكريم، بعدو فيلمين كارتون وكل الناس بتحضرهم بغض النظر عن موضوعها، يعني تلقى الحبوبة بتحضر في كابتن ماجد (السودان كلو كان بيشجع فريق المجد) والبت عمر عشرين كانت بتحضر سُنبل (بالمناسبة البوظة طلع معناها آيسكريم) والراجل الكبير بيحضر ليدي ليدي. بعدها كان بيكون في مسلسل ديني، وبعدها برامج متعددة وغالباً كانت بتكون برامج موجّهة. الزمن داك الإنقاذ كانت في مرحلة ثورة (يعني يا دوب كانوا بدوا ينقذوا فينا) وكانت بتحاول تعلمنا الأدب والتديّن، والبرامج كان طابعها ديني على شاكلة (قطوف) و(العلم والإيمان) وكده. المسلسل المصري بتاع الساعة 8 كان أهم حاجة بتجمع ناس البيت، وكان بيقطِّعوه! لاحظوا: "المسلسل المصري"، اللي هو أصلاً ناشف، كان بيقطِّعوه! ولو في مشهد مهم فيو بت لابسة حاجة كاشفة نسبياً وماف طريقة يقطعوه كانوا بيغطوا الشاشة عشان تسمع بس وما تشوف (كتر خيرهم طبعاً/ تعبانين عشانَّا).
نشرة الأخبار كانت بتبدأ من تسعة، وكان معظمها: ذهب الرئيس وتفقد الوزير وافتتح الوالي وكلام بالشكل ده، والمذيعين كانوا ناس الزبير نائل وعمر الجُزلي وناس دشنين جداً (الزمن داك تسابيح ونجوان وإسراء عادل كانوا لسة في المدرسة)، وكان في مذيع ما قادر أتذكر إسمو، سِنِّو القِدَّام كانت مكسورة. المهم؛ السهرة ما كان فيها حاجة تُذكر ما عدا (تيليسينما) (إعداد محمد علي بابكر وإخراج عبادي محجوب)، اللي هي بيكون فيها عرض لفيلم أمريكي من أفلام الدرجة تانية، آكشن، وبيعرضوه في تلتِ ساعة، والفيلم بيكون -بقدرة قادر- بطولة رجالية مطلقة، بعدو بيكون في عرض لفيلم هندي أطول شوية بآكشن أكتر وأغاني حشمة كده.
التلفزيون كان "تلفزيون حربي"، وكان في برنامج إسمو "في ساحات الفداء" متخصص في نقل الحرب من جنوب السودان، وكان مليان تعبوية مفترض تجذب الشباب للجهاد. جيلنا اتشبَّع بالكلمات والقصائد التعبوية من البرنامج ده. أديكم مِثال لمقطع من قصيدة كانت بتتعرض في البرنامج ده مع صور للـ"مجاهدين" وهم بيمشوا بخطىً ثابتة في أدغال الجنوب: (أُمَّاه لا تَرُدِّ عزيمتي، إن أَتُوكِ وخبَّرُوكِ بمقتلي، ما مُتُّ لكن في الجنان معاشي). البرنامج قَسَّم شباب جيلنا لقسمين: قِسم أُمُّو رَدَّت عزيمتو، وقسم أُمُّو ما رَدَّت عزيمتو، عمركم، يا مواليد التسعينات، ما اتختِّيتوا في خيار زي ده (الله يطول عمرك يا أمي).
الخيارات المادية في زمنَّا كانت شوية. ياخي نحن كنَّا عيشين قحط! كُنَّا (بناكل مما نزرع)، بمعنى كنا بناكل أكل شحيح والحمد لله على نِعَمُو؛ الأفران الآلية ما كانت انتشرت والعيش كان بيتخزن وبيتسخن ويتَّاكل على كذا يوم، أحسن حاجة كان ممكن تجيبها من الدكان كانت مربى سعيد، وكانت بتتباع في علبة (زي الصلصة)، والطحنية بتاعة الصفائح، ولو محظوظ بتلقى جبنة بيضا من الدويم. نحن بعد الغدا كنا بنخت سكر في باقي الرز عشان نحلِّي بيهو، ياخي صحن العشا بتاع العرس كان بيكون فيو بيضة مسلوقة بقشرتها، برضو الحمد لله.
اللبس كان صعب برضو، نحن (كأولاد) كنا بنشتري الهدوم من السوق الشعبي الخرطوم والخيارات كانت محدودة. كلنا كنا بنلبس زي بعض؛ قمصان هزاز، بناطلين قماش (توكيو وبوكت)، وجزم قماش تمبرجاك (تمبرجاك ما تمبرلاند عشان ما تلخبطوا ساي، جزم قماش زي بتاعة بروس لي)، أما البنات فمشكلتهم كانت خفيفة؛ البلد كانت محكومة شريعة (كانوا فايرين في الموضوع) فكانوا بيلبسوا الواسع والطويل تجنباً للمشاكل. بالمناسبة الزمن داك، إنك تلقى ليك بنطلون جينز كان أصعب من أنك تلقى ليك قطعة استثمارية هسي، لو عندك مغترب جاب ليك جينز من شدة فرحتك ما كنت بتقدر تلبسو. حياتنا يا شباب كانت مملة، يمكن المتنفس الوحيد كان القراية: أي كتاب كان بيقع في يدنا كنا بنقراهوا: كتاب إسلامي، علمي، تاريخي، ثقافي، "ثقافي"، مدرسي، المهم البتلقاو بتقراو، لأنو ببساطة البديل كان: أنك تتفرج على السماء أو التلفزيون القومي (والتفرج على السماء كان أمتَع بالمناسبة)، الحاجة الأساسية كانت اللألغاز والمجلات، معظم الشباب كان بيشتركوا في مكتبات ويأجروها (لاحظوا، اللألغاز والمجلات ما كانت متوفرة لدرجة إنو ما كان في حل غير أنك تأجّرها)، الحاجة الأساسية كانت رجل المستحيل (من أجل مصر) والمغامرون الخمسة (تختخ والشاويش فرقع) والشياطين ال13 (كان فيها شخصية اسمها عثمان من السودان ما كان بيشارك في الغامرات نهائياً، شكلو المؤلف كان قاصدو). المجلات كانت ماجد وسمير وميكي، بالإضافة للمجلات السودانية صباح والصبيان واللي هي للأسف وقفت بدري رغم إنو كان فيها خصوصية سودانية وشخصيات رائعة (عمك تنقو وفنجاط).
وأكتر حاجة بيستمتعوا بيها الشباب بسهولة الأيام دي هي سماع المزيكة. هسي الواحد فيكم بيسمع طرف غنية في فيلم، بتعجبو، بيكتب الكلمات المتذكرها في قوقل وبجيو اسم الفنان، بيجيب عنو معلومات من ويكيبيديا، بيمشي ينزل كل أغانيهو بالتورنت يسمعها من جهاز الmp3 بتاعو وفي خلال أسبوع بيعمل ليهو قروب معجبين بالفنان في فيسبوك!! نحن كنا شغالين كاسيت، وبننسخ الشرايط من بعض، ونسجل أغاني من راديو مونتي كارلو، والمعلم الزول الكان بيكون عندو مسجل بشريطين! ياخي نحن بعد نسمع الغنية كنا بنطلع الشريط ونعيدو بقلم "البيك" عشان ما نتقِّل "الهيد" بتاع المسجل. والشريط كنت بتسمعو بغض النظر عن الغنا عاجبك أو لأ، لأنو مافي حاجة غيرها تسمعها. ولو عندك زول جاب ليك شريط ماستر من برة بيكون أكرمك. نحن جيل ما كان عندنا خيارات، وعدم الخيارات علمنا إنو نكيِّف ذوقنا للحاجة المتوفرة. حاولو استمتعوا بالحاجة العندكم يا شباب (مواليد التسعينات)، النعيم التقني الإنتوا فيهوا ده ممكن يوم نحسدكم عليهو، والناس تقلع منكم الإنترنت!
مخرج أخير:
إنتوا صحي كان في فيلم بتاع سلمى حايك حايم ولا ده كلام ساي؟!!







تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا

Life weapon’s dictatorship - By: Mamoun ElTilib

Life weapon’s dictatorship By: Mamoun ElTilib Translated By: Ibrahim Jaffar Introductions: ( Tayfara was a military slave of the Cavalry Divisions (the Divisions of Knights) which was relegated to the Sheiks-ministers of Hamaj .   He presumably has been enslaved during one of the sieges of Rajab to the Nuba Mountains within the course of his campaign against Kordofan, for he reached the age of reason in the era of Nasser wad Idris .   Imaginatively, we would correlate Tayfara’s memories of childhood with those of Dogalo Doguendan Ari ; a Nuba boy of the next generation who, like Tayfara, has been, as a young boy, enslaved and taken from his native land.   Dogalo , as a young man in his far-off exile, has vividly lived the memory of his homeland that has been sustained within his soul as a minute world of landscapes, distant and diminutive shapes; young kings wearing jewels and straddling horsebacks; steppes of azure color of bubbly plant under the pur