التخطي إلى المحتوى الرئيسي

نقوش على تخوم الأحداث - بقلم: عادل الباز


نقوش على تخوم الأحداث
بقلم: عادل الباز
رئيس تحرير صحيفة الأحداث
الأربعاء /مايو 2012 

من أية تخومٍ ثقافيةٍ طَلَع هؤلاء الرائعون؟ كانت الحيرة قد امتدت بي منذ أن شرعنا في إصدار صحيفة الأحداث في أغسطس من العام 2007م، وكنت أرغب في وضع بصمةٍ مميزةٍ في صحافتنا الثقافية، نتجاوز بها تجربة (سنابل) التي قام بإصدارها بيت الثقافة في منتصف التسعينيات، والتي تشرفت برئاسة تحريرها، وقام عليها ثلة من المبدعين (الشيخ يوسف- اليسع حسن أحمد- محمد ربيع- أبوإدريس-أمير صديق-إلهام مصطفى وغيرهم).
حين وصل إلى مكتبي، بشَعْرِهِ المنكوش وحقيبته العجيبة، قلت: (المجنون الجابو كمال الجزولي ده شنو؟). وبالفعل، كان مأمون التلب مجنوناً من نوعٍ آخر. لم يمض وقت طويل حتى صعد مأمون التلب بتخومه على قمة ذرى الملاحق الثقافية، ولا أعرف كيف فعل مأمون ذلك؛ لا زلت محتاراً في كيفية أن تصبح علامة مميزة في صحافتنا الثقافية (تخوم) بتلك السرعة؟. طريقة إدارة الملف نفسها كانت قصة من الإبداع؛ إذ لم يتجاوز القسم الثقافي في الأحداث صحفيين إثنين كانا قادرين دوماً على صنع مادةٍ ثقافيةٍ على درجة عالية من الجودة. ليس ذلك فحسب، بل كنت أُدهَشُ لمقدرتهما العجيبة في استقطاب كتاب رائعين كُثُر لأول مرة يتعرفهم الوسط الثقافي. هذا ملحق ثقافي محظوظ، إن غاب مؤسّسه التلب جاء النشادر، وإذا مضى جاء محفوظ بشرى، ثم جاء من بعدهم أنس عبد الرحمن، وكلهم كانوا منتجين للإبداع وذوي معرفة عميقة بالإنتاج الإبداعي. لقد أسهم ملف تخوم بفضل كبير في إضافات ثقافية نوعية لذاكرتي الإبداعية، استمعت فيه للغة جديدة، وتعرفت فيه على كتاب جدد وطرائق كتابة جديدة. تعلمت كثيراً من تخوم، واستمتعت بقراءته على مدى أربعة أعوام. بلا شك لدى تخوم ومبدعيها الكثير، ولا يزال هناك ما يستحق ومن يستحق أن يُكتَشَف ويُقرَأ بحبٍّ وعمق. شكراً للرائعين الذين أسسوا الملف، والذين أثروه بإبداعاتهم على تربة تخوم ستنمو وتزدهر فكرة أن تكون مختلفاً ومبدعاً وعميقاً.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مَن يَلحَمُ أبعادي - ملف الشاعر محمد المهدي المجذوب

مَن يَلحَمُ أبعادي ملف الشاعر محمد المهدي المجذوب مقدّمة طينيَّة: يُعيدني هذا الملف لأيامٍ عَوَالٍ. تضافرت جهود مجموعة من الشعراء والكتاب لأجل هذا الملف الفريد، بقدر فرادة الشاعر الذي نواجهه من خلاله. أُنجز إبّان عملنا بالقسم الثقافي بصحيفة (الأحداث)  ـ (تخوم) ـ في العام 2008م. كان القسم وقتها بضم شخصين، الشاعر أحمد النشادر وشخصي، وقد واتتنا الجرأة والخيال لإنجازِ مغامرةٍ بسيطة عن روحٍ شعريّة وفكريّة وحياتيّة هائلة، عاشت، مجذوبةً، في أرضِ السودان ذات يوم؛ كانت روحاً فريدة، زاهدة، وغنيّة بكلّ شيء. في هذه المقدّمة لا غرض لي أبداً ففي الأسفل يتضح كلّ شيء. هذا الملف في حاجة إلى قراءة وإعادة قراءة، في حاجةٍ إلى روحٍ تستطيع الاستمتاع بملذاته، يحتاج إلى روحٍ ذات أبعاد. اسم الملف، الذي يُنشر به هنا في (طينيا)، مستوحى من اسم المختارات الذي اختاره الكاتب محمد الصادق الحاج (من يَلحمُ أبعادي)، ثمّ ألحقه بمقالته المُخترقة للحُجب: (أتكتَّمْتُم على (هذا المجذوب)، أم لم تكونوا جديرين به؟). أفتتح الملف بما كتبناه كمقدّمة، وعادةً كنا نضع مقدّمات ملف تخوم تحت عنوان (تربة). ثم تأتي...

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا...

The Beauty of the Silly - نجلاء عثمان التوم

 The Beauty of the Silly  نجلاء عثمان التوم إلى عثمان حامد سليمان   هل يمكن تشريح الأصالة؟ هل يمكن الكشف عن شعوبها الداخلية دون مجزرة؟ أنا مدفوعة هنا بالحجب الأصيلة التي يغزلها الغناء السوداني حول نفسه فيبدو لنا أحياناً شيئاً محيراً، لامع الحيرة . عندما نتجرد من العصاب الذي نسميه الفهم، وننطلق في رحلة متحللة من كل غاية، ونستمع إلى الأغاني السودانية بأرجلنا ومصاريننا، نشعر أن الطاقة التي تتهدج في الجو هي، ولا شيء خلافها، الهوية. لكن تظل أصالة هذا الغناء شيئاً غامضاً جداً وعصياً على التعيين. ثمة إستراتيجيات، أعتقد، أيّدت هذه الجذوة التحتية. أولاً تحتجب الأصالة، في معظم الأحيان، في تمويهات هزلية تنتجها قوالب شبه ثابتة محكومة بشهوة الرجز، والطلاقة الشعبية، والنبرة العادية في الكلام. فالغناء في الأساس هو مكان التغزل في اليومي والعادي في أقرب نسخه إلى الواقع. وكلما تشبثت الأغنية بسوقيتها المعروقة، كلما تصير إلى درجة من أصالتها الصحيحة. لكن الفن هو دائماً تدخل معقَّد، فلا نجاة من سطوته، لكن التحايل عليه ممكن. فعندما تبدأ أغنية ابتهالية، فيها تسجيل لمغامرة البلا...