التخطي إلى المحتوى الرئيسي

يَومَ لاَ ظِل - كتاب، مأمون التلب












يَومَ لاَ ظِل
مأمون التّلب
2007-2011م







الكتاب بالصوت موجود على الروابط أدناه
مَن ظَلَّلتنا بظِلّها، أمي رَشيدَة.
























فهرس:


·       تَحقيقات كانَ
1-     المُستمِرُّ مُسْتَمرَّاً.
2-     (كُنْ) المَعْرِكَة.
3-      مُعاصرةُ الخُلُودِ بِضَرْبَة
·       آلاء الهَيكَل























تَحْقِيقَات كَانَ
أبريل – أكتوبر 2007م




المُستمِرُّ مُسْتَمرَّاً
(إشْرَاقَةُ الحَيْوَانِ حَيْوَانَه)




(1)


سَلَخْتُ جَسَدي
في ميدانٍ يَتَلألأُ في صُرَاخِ المَاضِي
فَكَانَ بُرْكانٌ يَلْعَبُ كالطِّفلِ حول فَمِهِ المحطَّم،
أَسْنَانُ جَسَدِي تَرْتَصُّ صَفَّاً متفحِّماً تَسْتَعدُّ لغزوِ الرَّغبات
هل نُمْتِ في النَّار؟
حَتَّى أصْبَحَ اللَّونُ الأحمرُ إلهاً ليُسَمِّي المَاء ماءاً؟

نَامَتْ فِي تَرْوِيْح النَّار عَنْ نَفْسِهَا
واسْتَسْلَمَت لإشَارَةِ التَّارِيْخ المَمْسُوخَةِ قُبْلَةً تَتَرَقْرَقُ مِن شَفَتَيَّ.
آهٍ
يُورثُ الكَمَانُ أطفَالَهُ أوتَاراً
ويُغلقُ عليْهِم غُرْفَةً مَنْسِيَّةً في تَمْتَمَةٍ أشْرَقَت أمَامَ وَجْهَكِ
وكنتُ سَاحِلاً يُخفي بَحْرَهُ في رائِحَتِه
وكُنتُ حَيَاةً مُسْتَحِيْلةً تَنْشَقُّ إثرَ انقباضِ كَفِّي على كَفِّكِ الصَّارخ.












(2)


ألْمَسُ
وأحْكِي
كأنَّنَي بَشَرٌ
وتَغُوصُ بِجِلْدِي أفْرَاحٌ تَرْتَدُّ عَلَى أنْهَارٍ تَتَلصَّص.
شَرَاراتٌ سَهِرَ عَلَيْهَا بَيْضُ الطَّير ليخْلِقَ نَظْرَتِي
أوعِيَةٌ نَجْميَّةٌ نَاوشَتْها _في حَرْبٍ مَا_ ثَعَالِبَ طِفْلةً لتُومضَ أعضائي
قتيلٌ شبعانٌ في قبره القاني ينحني عليَّ ليلاً ليذكِّرني أنني لستُ بشراً،
ويلوِّحُ بجثثِ أحلامٍ أمام أجفاني المُغمضة!
الكوابيس تترادفُ المعاني، وتقوِّمُ شللها علَّني أستيقظُ لأدافع،
لكنني كنتُ مُخلصاً للكواليس؛ حيثُ كنتِ تضفرين شعريَ الذي لن ينمو بأصابع فانية،
شعرٌ دمويٌّ ببصماتِ إلهٍ لم يخلق شيئاً،
ولَنْ.















(3)



تَقَاعَسْتُ عَن دَوْرِي في حِمَايَةِ الأَسْرَابِ المُهَاجِرَة في اللَّيل
بل وَشَيتُ بتثاؤبٍ
وأخْبَرتُ الجِنَّ
وقبَّلت التُّراب لِكَي تَتَفَجَّرَ جاذبيَّته مُحرِجَةً أجْنِحَةَ السِّرْب!
لمَاذَا؟
لَسْتُ أَعْرِفُ وَجْهي
لَمْ تَكُن الأجنِحَةُ جُزءاً مِنْه.



















(4)



تَتَعفَّفُ البُيُوتُ فَتَنْفَتِحُ عَلَى الجَّرَائِم والفَضَائِح
قُطْعَانٌ ثَرْثَارةٌ تَخْتَرقُ جُدْرَانها يا حَبِيْبِي
بَيْنَمَا نَتَقَاسَمُ برتقالةً نَبَتَت في نَايِ الرَّاعي
لنْ نَكْتَرِثَ أليسَ كذلك؟
حتَّى وإن هَجَم الذِّئب
حتَّى وإن هَجَمَ أهلُ القريةِ عَلَى الذِّئب!.






















(5)



أتَسَلَّقُ ودياناً
بَيْنَمَا يَنْدَفعُ الدَّمُ فيهَا رَاوِيَاً عَطَش رُؤياهَا
نَعَم
أخْبرَتْني بأحلامها _الوديانُ_ يَوْماً وراءَ يَوم،
أفشَتْ أسْمَاء الصيَّاديَّن،
وسَمَّمت بَنَادِقَهُم بِنَظَرَاتِ الطَّرَائِد الأخِيْرة
أَعْرِف،
كُنَّا نَتَمَرَّغ فِي صَدْرِ الوُدْيَان، بَيْنَ الأعشَاب
ولَم تَنطُقِي باسْمِي لئلا تُوْقِظِي النُموَّ المُتَمَلْمِل في البُذُور
لئلا تَتَنزَّل وُجُوه الأنبياء وتَدْعُو الدَّم الجَّارِي للتَّوبة.
ولكنَّنِي أُحِبّك!.

















(6)


نُطَفٌ مُلحَّنةٌ تَتَسَابقُ فِي عُرُوقِكِ
بَيْنَمَا تَنْسفينَ لَوْحةً بأكْمَلِهَا بامْتِصَاصِكِ إيَّاها بحَوَافِرٍ أشْهَرَها قَلبُكِ:
تَنْهَبِيْنَ بِهَا أنْقَاضَ العَالَم
تَنفُّسَ القُبُورِ
وأزْهَارَ الصَّلَوَات.
تَحْرُثِيْن بِهَا تَنَفُّسَ اللَّيْل، لتَنْبُتَ أغْوَارُه بِحَوَلٍ جَمِيل.
لَوْحَةٌ بَصَقَ في وَجْهِهَا الإنْسَانُ ليُخْفِي صُوْرَتَهُ؛
ويَحْتَضِنُ يَنْبُوعَهَا المُشَوَّش.







(كُنْ) المَعْرِكَة
 (الكائن الحي الوحيد هو الموت)



مَكَاتِيْبُ الرُّسُل
حَوْلَ تَفَوُّهَاتِ الزَّمَان:


رَأَيتُ مَا أَصَابَ وَجْهَ الحَمَامَة
والْمَاءَ الَّذي شَرِبَتْهُ صَبَاحاً
بَيْنمَا يمرُّ وَلَدٌ بنَظْرةٍ خَافِضَةٍ أَبْرَزَهَا تَأنِيْبٌ أُمُوميٌّ
وكَانَتِ الرِّيحُ تُدْرِكُ أنَّ لها أَطرَافاً وحَوَاسّ، بعدَ أن وَسَّعَتْها أَطْرَافُ الكَّائِنَات.

رَأَيْتُ مَا أَصَابَ كُمُونَ الْمَطَرِ اللَّيْليِّ فِي عَيْنِ القِطِّ مُمْتَلئ
وأُنثَاهُ _بِسَهَرٍ عَلَى لِسَانِهَا_ تُسَرِّحُ شَعْرَهُ،
بَيْنَمَا جَرَسٌ فِي ضَفِيْرَةِ البِنْتِ يَنْمُو عَلَى مَهْلِ أَصْدَائِهِ،
وكَانَ الأَبُ يَفْحَصُ رُجُولَتَهُ بالنَّظَرِ إلى بَابِ البَيْتِ الْمَفْتُوحِ طَوَالَ اللَّيْلِ لأَشْبَاهِ الظِّلاَل.

بَيْنَ هَذَا وذَاك:
كَانَ كَمَانٌ يَعْزِفُ وَحْدَه؛
مَشْلُولَ التَّجْوِيْفِ وعِظَامِ الإيْقَاع،
شَرَرٌ يَنْبُعُ مِن فَمٍ يَتَذَوَّقُ آخَرَاً فِي الزُّقَاقِ الخَلْفِيِّ للبَيْت،
أبْطَالُ الأَفْلاَمِ الكَرْتُونِيَّةِ يَتَسلَّلُونَ مِن أَحْلاَمِ الكِبَارِ مُلُوكَاً لا كَابِحَ لحَقِيْقَتِهِم
وشوَاءُ الجِّيْرَانِ يَبْلُغُ أُذُناً نَاضِجَةً تَبْدَأُ أَذَانَ الفَجْر.






يَالَهَوْلِي،
وأنَا عَاشِقٌ،
يَمُرُّ كُلَّ هَذا اللَّيْل دُونَ أنْ أَعُدَّ أصَابِعَهُ الْمُجْرِمَة!
هَلْ مِن سَبِيْلٍ لإخْرَاجِ الحَمَامَةِ مِن جَفَافِ حَلْقِي
والْمَطَرِ مِن سُرَّتِي الوَلِيْدَةِ للتَوِّ
والْمَشْهَدِ الوَسَطِيِّ مِن يَدِي الَّتِي سَتَقْتُل؟.



البَيْتُ
جَسَدٌ
يُوْرِقُ
أَسلِحَةً
وسَاحَاتِ حَرْبٍ
تَتَفَرَّسُ وَجْهَ الكَوْن.















مَا شَابَ مَعْرِكَةً:

إنْ كَانَ لِهَذَا اسْمٌ
فَليَنْطق بِهِ أَحَدٌ
لتَنْبُتَ عَلَى شَفَتَيْهِ الجُثَثُ أَنْهَاراً مِدرَارَةً بالأُمُومَةِ والحُبّ.

إنْ كَانَ لِهَذا تَارِيْخٌ
فليُؤَشِّر لِعَيْنِهِ أَحَدٌ
لتَسْتَرِيْحَ القِيَامَةُ مِن عِبْئِهَا الطَّويْل؛
أَيَّامٌ تَحْسِبُ أَعْمَالَ الأَحْيَاء والجَّمَادَات،
وتَجْوِيْعُ النَّار لأَجَلٍ مُجَلَّلٍ بالنَّوَايَا والظُّنُون.

كُنتُ فِيمَا يُشْبِهُ سَمَاءً تَزْحَفُ عَلَى بَطْنِهَا،
ظَهْرُهَا لا مَكَانَ فِيْهِ لجُذُورٍ،
فِي الأَعْلَى تَسْطعُ النُّسُور بأجْنِحَةٍ مُظْلِمَة،
فِي الأَسْفَل كَانَتْ الطَّوَابِيْرُ الهَالِكَةُ تَنْتَزِعُ عُيُونَهَا،
تَعْصِرُهَا
لتَخْرُجَ مِنْهَا الحَيَاةُ وتَعْتَرِفُ:
لِمَاذَا يَبْدُو خَيَارُ الوِلاَدَةِ كَأَنَّهُ مِن أَوَامِرِ الْمَوْلُود؟
إذْ يَطْلُبُ الْمَوْلُودُ مُلكَاً ويقوِّضُ صِرَاعَهُ
يَتَجَرَّعُ الجَّهْلَ ويَعْرَقُ يَأسَاً عَيْنِيَِّاً
كَانَ ومَا زَالَ جَسَدهُ سَاحَةَ مَعْرَكَةٍ يَسْكُنُهَا العَرَّافُونَ بِثِيَابٍ خَفِيَّةٍ
ولا تَزَالُ يَدُ خَالِقِهِ مُبْهَمَةَ الْمَعْنَى فِي الأَحْلاَم؛
مَكْسُورَةَ الشَّكلِ خَلْفَ دُمُوعِ كَوَابِيْسِهِ،
فَقَطْ؛
مَخَالبُ اليَدِ بيِّنةٌ
مَا عَدَا ذَلِكَ بِوَجْهَيْنِ يَحْيَا،
بِتَبَادُلٍ لا يَنْفَدُ للقَتْلِ يُسَمِّي نَفْسَهُ.
مَا عَدَا ذَلك؛
سِيْرةُ الخَيَالِ، بِقُبْحِهِ وعَجْزِهِ، يَتَمَلمَلُ بأنْفَاسِهِ الأَخِيْرةِ تَحْتَ قَبْضةِ الزَّمان.

مَا كَانَ زَمَاناً تَسْبحُ دَاخِلَهُ:
قُبَلٌ لم تَكْتَمل،
أشْبَاحُ أبْنَاءٍ يَرضَعُونَ _لا زالوا_ مِن أثْدَاءِ أُمَّهاتِهِم
تَمْزِيْقٌ مُسْتَمرٌّ لصُورَةِ الأَبِ مُبْتَسمَاً خَلْفَ سِيَاجٍ يَحْمِلُ جَسَدَ ابْنِهِ الدَّامِي.

فِي الثَّانِيَةِ الأُخْرَى
بَيْنَمَا يَحْمِلُ طِفْلٌ قَطَرْةَ مَاءٍ حَيَّةٍ رَاكِضَاً _بِقُوَّةِ فَنَائِهِ_ نَحْوَ جَدَّته ليُبْهِجَهَا بِلَمَعَانِ القَطْرَةِ،
هِيَ تَتَحَسَّسَ ظَمَأ حَكَايَاتِهَا القَدِيْمَةِ،
تَعْرِفُ الوُجُوهَ الْمُكْفَهِرَّةَ الذَّائِبَةَ عَلَى سَطْحِ بُوَيْضَاتِهَا الشَّبَحِيَّةِ.

فِي الثَّانِيَةِ الأُخْرَى
بَيْنَمَا تَقْفِزُ الشَّامَةُ مِن نَهْدِ الفَتَاةِ لتَبْحَثَ عَنْ كَوْنٍ لتُصْبِحَ ثُقْبَهُ الغَائِر،
بَيْنَمَا يَتَحَسَّسُ الوَلَدُ كَيَانَ شَيْبِهِ مُحْتَشِمَاًَ؛
شيبٌ يَرمُقُ نُطَفَهُ مَطْعُونَةَ الظَّهرِ
يا لَهَا مِن نِهَايَة!.

فِي الثَّانِيَةِ الأُخْرَى
تَعْبُرُ نُبُوءَاتُ الْمَجَرَّةِ كَامِلَةً شَوَارِعَ أَلِفَتْهَا،
تَخْتَالُ بِثَوْبِهَا الرَّمَادِيِّ؛
تَنْقَشِعَ اللُّغَاتُ مِن خَلْفِهَا
كَاشِفَةً جَسَدَ الحَرْبِ البَشَرِيَّةِ تُرَفْرِفُ دَاخِلَ جَمَالِهَا.
يَا جُمْجُمَةَ الوَادِي:
قَرْيَةٌ تَنَامُ دَاخِلَكِ،
مَدِيْنَةٌ تَهُشُّ الكَوَابِيْسَ بَيْنَكُمَا.

يَا جَمْرَةَ الآتِي مِن لَحَظَاتِ ولاداتٍ مُتَتَالِيَة.

الثَّانِيَةُ الأُخْرَى لَيْسَتْ تَالِيَة،
أصلاً بِجَانِبِ (التَّالية) تَحْيَا، وتَفُورُ بِمُقْتَنَيَاتِهَا الأَلَمِيَّة
خَطْفٌ مُسْتَمِرٌّ لآيَاتِ الأَنْبِيَاءِ نَحْوَ غَابَةِ أَحْدَاثٍ تُبْصِرُهَا العَيْنُ الْمَدْفُونَةُ مِن خَلاَلِ دُوْدِهَا.

الثَّانِيَةُ الأُخرَى مَا يُجَاوِرُ القَتْلَ فِي سَرِيْرٍ طَافِحٍ عَلَى نَهْرِ الأَبَدِيَّةِ
حَيْثُ تَتَلَفَّتُ الغُزْلانُ بِجُرْأَةِ مَاءٍ أَزَلِيٍّ يَنْتَفِضُ مَفْتُونَاً مِن شَعْرِهَا الصَّحْرَاوِيِّ
حَيْثُ الْمَشَانِقَ تُطَارِدُ حِبَالَهَا بِمَا فَاضَ مِن رَسَائِلِهَا لارتِجَافَات أَعْنَاقٍ جَاسَدَتْهَا.

أيُّهَا الزَّمَان؛

لَدَيْكَ تُرَابُ القَبْرِ مَحْمُولاً عَلَى يَدِ اليَتِيْمِ،
يَتَسَرَّبُ مِن أَصَابِعِهِ حَامِلاً مَعَهُ بَصَمَاتٍ ولَيَالٍ أَلْف،
لَدَيْكَ الوَهْب،
وكِبْرِيَاءُ النَّارِ تَتَجَذَّرُ فِي نَسَبِهَا الشَّيْطَانيّ.

وهَلْ لَكَ منَّا عَهْدٌ؟
لتُسَابِقَ رُمُوشَنَا للبُكَاء
لتَلْتَقِطَ القُبْلَةَ من عَاشِقَيْن
وتَقْذِفُهَا فِي حُلْمِ صَبِيٍّ يَعِيشُ فِي القَرْنِ الأَخِيْرِ مِن القِيَامَة؟
وهَلِ الحُب،
_وما شَابَهَ أَنْحَاءَ أَسْلِحَتِهِ وقَتْلِهِ_
يَتَجَلَّلُ تَحْتَ يَدِكَ الْمُتَفَانِيَةِ فِي الإفْنَاءِ والْمَحْو؟
أُنْظُر للطَّرِيْقِ إذاً،
وَتَغَيَّر لِمَرَّةٍ إذْ لا يَمْشِي عَلَيْهِ أَحَدْ،
ولا تُحْدِث (فِعْلاً) يَشِي بِوُجُودِكَ لِمَرَّةٍ وَاحِدَة،
سَتَرَى حِيْنَهَا:
هَامَاتٍ تَتَسَامَقُ لأسْفَلِ سَافِلِيْن،
حَيْثُ تَكَالَبَتْ أَجْنِحَةُ الْمَلاَئِكَةِ عَلَى دَمِ الحُرُوبِ الْمُتَكَلِّسِ،
وحَاوَرَتْ لُزُوجَةَ الرَّائِحَةِ هُنَاك،
وأَشْبَاهَ الأَصَابِعِ وَهِيَ تُعَلِّمُ أَسْمَاءَ الاتِّجَاهَاتِ بالتَّهْدِيْد
(والجِّهَاتُ _تَعْلَمُ_ مَحْكُومَةٌ بدَوَرَانِ الأَرْض، وأسْمَاؤهَا شَهْوَةٌ للمَرْكَز)
هُيَامَ الفَتَيَاتِ الْمُرَاقِبَاتِ مَا يَحْدَثُ فِي الأَسْفَلِ يَسْطَعُ؛
أقْمَارَاً هُلاَمِيَّةَ الجَّدْوَى واختِيَارَاتُهَا نَافِقَةٌ بِحَسْرَة.
لِمَرَّةٍ قَاوِمْ مَرَارَةَ أَصَابِعِهِنَّ،
ومَرِّر لِسَانَكَ وارْفَعْ بَصَرَكَ إليهِنَّ وقُلْ:
هَلْ للتَّقْوَى مَكَانٌ؛
والإيِمَان؟.

في الثَّانِيَةُ الأُخْرَى؛
إنْ شَاءَ الْمَوْلُودُ،
يَرَى الحُضُورَ القَوِيَّ لِمَلاَئِكَةٍ تُوْلَدُ مِنْ صُلْبِهِ
وتَبْحَثُ قَلِقَةً عَنْ أَقْدَارٍ صَنَعَهَا بِيَدَيْه
تَقْتَنِصُ الأَرْوَاحَ وَهِيَ تَحْيَا جَمَالاً لَمْ تُدْرِكْهُ فِي حِيْنِهَا،
إذْ يَسِيْرُ الجَّمَالُ أَمَامَ الرُّوْح،
ولا تُدْرِكُهُ إلا بَعْدَ خُرُوجِ الحُروبِ مِن عَيْنيْهِ الغَائِرَتَينِ فِي الأَبَدْ
تَنَامُ ميِّتةً _بَعْدَ أنْ حَدَثَت_ تَحْتَ حِمَايةِ ظلِّهَا
ودُمُوعٌ تَتَدَحْرَجُ فِي لحَظَاتِ الغَضَب.

وإنْ شَاءَ الْمَوْلُود؛
تَقِفُ حَيَاتُهُ عَلَى صَدرِ الذَّبح،
حَافِرةً جِلْدَهُ بأظَافِرِهَا؛ مُحَطِّمةً ضُلُوعَهُ بأنْيَابِ خَوْفِهَا،
نِهَايَةً بَسَطْحِ القَلْبِ؛ ذِي الإيقَاعِ المُهَاجِمِ الْمَهْجُور،
تَنْحَنِي عَلَيْه كَأنَّهُ الإله؛
سَاجِدَةً بتأمُّلاتِهَا الْمَبْثُوثَةِ فِي تَوَهَانِ العَالَم
_إنَّهُ يَنْبُوعُ الرَّغبَةِ؛ حَارِسُ الرُّعب!_
وبَيْنَمَا تَلْمعُ دِمَاءُ القَلْبِ فِي عُيُونِ حَيَاتِهِ الخَشِنَةِ،
بَيْنَمَا يَتَلاعبُ أَطْفَالٌ _وُلِدُوا فِي ذَاكَ الْمَكَان_ بِحَيَاتِهِم المُتخيَّلة،
وبَيْنَمَا تَلْتَفُّ الشَّرَايِيْنُ ببَعْضِهَا مُكَوِّنةً مَا يُشبِهُ الوَرْدَة،
وبَيْنَمَا يَتَكَالَبُ الصُّراخُ الْمَحْبُوسُ بالدَّاخِلِ مُنْذُ آلافِ القِيَامَات،
يُسْمَحُ لأرضٍ مُنْتَفِخَةٍ بِجُثَثٍ وذِكْرَيَات
أنْ تَنْطُقَ باسْمِ الإنْسَان.

هِيَ أَرْضٌ، تَتَذَكَّرُهَا
فَتَظْهَرُ للوُجُودِ؛ مِنَ النَّفَسِ والسَّاعِد،
مِنَ الإغْمَاضَةِ،
أَشْجَارُهَا تَخْرُجُ شَرِسَةً مِن بُطُونِ الغِزْلاَنِ الْمَيِّتةِ هُنَاك؛ فِي السَّمَاءِ الذَابِحَة،
أَظَافِرُ بِحَارِهَا تَنْشُبُ فِي أُمُومَةِ النِّسَاءِ فَتَشْهَقُ حُقُولٌ لا نِهَائِيَّةٌ بأثدَائِهِنَّ،
والطَّمْثُ يَهْتَاجُ بِحُبِّهِ للحَيَاة.

هِيَ أَرْضٌ؛
كُسُوفُ قَمَرٍ يَخْرِقُ خُسُوفَ شَمْسٍ بأَعْضَاءِ الضُّوْء
هِيَ مَا يَضِلُّ
ويَسْرِقُ شَهْقَةً أَخِيْرَةً مِن شِفَاهٍ تُحْتَضَرُ ليَسُدَّ رَمَقَ وَحْشَتِهِ،
هِيَ مَا يَرَاهُ الطِّفْلُ فِي نَوْمِهِ طوفَانَاً؛
ويَرَاهُ العَدَمُ فِي دَمْعَةِ الخِيَانَةِ طِفْلاً.

أَرْضُ الْمَعْرِكَةِ أَيُّهَا الزَّمان،
لِمُدَّةِ ثَانِيَةٍ أُخْرَى،
ثَانِيَةٌ تُنبِتُكَ شَيْبَاً حَيْوَانِيَّاً حَتَّى تَلِدَ أَبَاكَ الْمُحَارِبَ أَمَامَ عَيْنَيْكَ
أبوكَ بِجَمَالِهِ الْمَيِّتِ يَسُوقُ الْمَعَانِي للذَّبْح،
ليُحَدِّثَ أَعْنَاقَهَا الْمَبْتُورَةَ بَأَنْقَاضٍ وُلِدَتْ فِي حُلمِهِ
حُلمٌ يَسْطُعُ فِيْهِ البَيْتُ الْمَسْكُونُ بِشَبَحِهِ الْمَرْعُوبِ؛
إذْ يَرَى ذِكْرَيَاتِهِ تَتَقَلَّبُ مَشْلُولَةَ الافْتِرَاس فِي ذَاكِرَةِ زَوْجَتِهِ.

أَرْضُ الْمَعْرِكَةِ وَأَحْوَالُهَا،
مَعْرِكَةُ الأَرْضِ وأَبْنَاؤهَا،
والعَرْشُ يَهْوِي فَجْأةً،
مُحطِّماً مَا دَارَ مِن زَمَنْ.


عَرَاقَةُ القَلبِ تَدُلُّ عَلى وُجُودِ سَوَادٍ مُجَاورٍ دَائِم
واحْمِرَارِ أشْجَارٍ تُغرَسُ على تُخُومِهِ؛ يَلِي الإشَارةَ إليهِ،
سيِّدُ حياةٍ وماضٍ؛
الشَّاهدُ عَلَى بَتْرِ رَأسِ صَاحِبهِ.
هِيَ ذات الأنْهَارِ الْمُتَوَالِيَةِ تَهْبطُ مِن عَيْنَيهِ
مَا دَامَ يَخْفُقُ فَرِحَاً بإيقَاعِه
اللَّمسَةُ السَّاطِعَةُ مِن تَلَفُّتِهِ فِي الرُّعْب تُطيِّرُ الحَمَامَ مِن السَّاحةِ؛
تُشِيْحُ بِمُشَرَّدِيْهَا عَنِ القِيَامَةِ وأهْوَالِهَا...
أُنظُرُوا:
(ذَرَّاتُ العَنَاصِرِ،
والتَّفَوُّهِ بالرَّغَبَات؛
يَرْكُضُونَ خَلْفَ ألْعَابِهِ وشَغَبِهِ المُكتَّف،
ومَنْ يَتَدَثَّرُونَ بَأَقْمِشَةِ النَّوْمِ والحَنَانِ يَغْرَقُونَ بِغُبَار الرَّكْضِ والتَّعب).

مَا شَاءَ القَدِيمُ
_مَا يُسَمِّيهِ بإِشَارَةٍ آمِنَةٍ كَانَتْ لأوَّلِ مَرَّةٍ فِي يَدِ آدَم_
يَمْنَحُ القَلْبَ حُدُودَهُ،
وَأَنوَاءَ حِقْدِهِ وسَلاَمَةَ بَصَرِهِ مِن الدُّودِ القَبْرِيِّ،
(مَا شَاءَ القَدِيْمُ) يَغرقُ ضَاحِكَاً فِي بَحْرِ الأَبَدِيَّةِ لأنَّ مُنْقِذِيهِ يَتَكَاثَرُونَ بِنُطَفِ الخَوْف، لأنَّ مَن يَتَوَارُونَ بَيْنَ أَقْدَامِهِ فِي اللَّيَالِي اللاَّهِبَة بأشْبَاحِ أَجْسَادٍ تَتَدَاخَلُ فِي سَمَاءِ العَالَم، لا تَلْمَسُهُم أَمْطَارُ العَرَق؛ خَفَافِيْشُ اللذَّةِ تَمْرُقُ مِن أَظَافِرِهِم بِصِيَاحٍ يَخْرِقُ العَمَى مُشَوِّشَاً هُدُوءَ خيالهِ.

وَهُوَ كَذلِك،
قَافِلَةُ التَّرْمِيْلِ تَشُقُّ الأَرْضَ بِحَوَافِرٍ ميِّتةٍ نَحْوَ الْمَمَالِكِ القَدِيْمَة
حَيْثُ الحُورُ مَنْقُوشَاتٌ عَلَى الأَسَاوِر البَاكِيَةِ
كُتُبُ الشَّيَاطِيْنِ مُتْرَعَةٌ بأفْوَاهٍ جَائِعَةٍ يُطْعِمُهَا بَيْضُ الطَّاعَةِ الْمُجَنَّح،
السَّلاَمُ المُلقَى عَلَى كَاهِلِ فُرسَانِهَا مِيزَانٌَ مُتَوَرِّمُ النَّوَايَا؛
وشُحُوبُهُ يَتَحَدَّثُ مُكرَهَاً بالْمَعْرِكَةِ القَادِمَة.

قَافِلَةٌ:
نَجْمَةٌ مُخَرَّبةٌ بِنَبَضَاتِ سَيِّدِهَا الفَضَاء،
حَرْبَةٌ تُسْهِمُ الفَرَائِسُ فِي صِيَاغَةِ قَبْضَتِهَا.

تَتَلاَحَقُ أَنْفَاسُ الأَنْقَاض:
الَّذِي زَالَ؛ يُرَى شَبَحَاً سَكْرَانَاً؛ طَيْفَاً مُغَازَلاً مِن جنَّاتٍ تُبْنَى فِي يَدِ القَتَلَةِ،
الَّذِي جَارَ عَلَى وُقُوفِهِ الغَارِقِ الخَلاَّق، يُنَكِّس أَكْوَابَاً بِتَلاَمُسِهَا تُطلِقُ ألْحَانَ قُضْبَانٍ رَاقِصَة.

تَتَلاَحَقُ أَنْفَاسُ الأَنْقَاض:
وتُرَى أَجْسَادٌ مَقْضُومَةُ الأَطْرَافِ والجِّلْدِ،
تَرْفَعُ الجُدْرَانَ الرَّابِضَةَ بِتَهَشُّمِهَا فِي مُوَاجَهَةِ الزُّهُورِ مِن تَحْتِهَا
تُطِلُّ مِنْ بَيْنِ الكَرَاسِي المُعْدَمَةِ بِخُيُوطِ عَنَاكِبٍ وُلِدَت مِن جُلُوسٍ غَابِرٍ
تَهرُشُ الأَجْسَادُ صُوَرَاً لَهَا فِي الْمَاضِي، تَتَكَوَّنُ عَلَى الغُبَارِ الْمُلَثَّمِ بِدُمُوعِهِ؛ الحَائِمِ كَمُنْتَقِمٍ،
تُقَشِّرُهَا مُبْرِزَةً أصْنَافَ أَنْبِيَاءٍ، وحَدَائِقَ تَزْحَفُ باتِّجَاهِ عُيُونِ خُضرَتِهَا الْمُلْتَهِبَة.
سماءٌ بصدرٍ شهيٍّ تَقْتَرِبُ مِن الأَجْسَادِ وَهِيَ مَشْغُولَةً بِمُرَاقَبَةِ صُوَرهَا
طَالِبَةً لَهَا الْمَغْفِرَة،
تَقْتَرِبُ مِنْهَا كَامِيْرَاتُ تَصْفِيْقٍ مِن الجِّهَاتِ الأَرْبَعِ، تَحْمِلُهَا الرِّيحُ،
تَتَقرَّحُ مِن تَحْتِهِمْ بِمَلَلٍ أَنْيَابٌ تَنْتَظِرُ اللَّيْل.
أيُّ عَالَمٍ يُشبِهُ هَذَا اللَّيْلَ القَادِم؟
أيُّ لَيْلٍ يَقْتَادُ عَالَماً إلى مَضَارِبِ أُمُومَتِهِ النَّائِحَة؟.

تَتَلاَحَقُ أَنْفَاسُ الأَنْقَاض:
أَجْسَادٌ مُمَزَّقةٌ تَرْكُضُ فِي الرِّيْح
اتِّجَاهَاتُ الأَرْضِ تُحدِّدُ اسْمَهَا مِن اتِّجَاهِ الدَّمِ الْمُتَطَايِرِ مِنْهَا،
والنُّسُورُ
تَتْرُكُ مَنَاقِيْرَهَا _بَيْنَ الحَيَاةِ والْمَوْتِ_ عَلَى رُؤُوسِ الأَجْسَاد،
جِبَالٌ تُشِيرُ إلى الغُبَارِ الْمُثارِ مِن سُقُوطِ الأَصَابِعِ الذَّاهِلَةِ،
أنهَارٌ تَرَى قيْعَانَهَا تَتَلألأ عَبْرَ الظُهُورِ الْمَثْقُوبَةِ بالقَذَائِف.

أدرَاجَ الرِّيْاحِ إذاً أيُّهَا العَالَم
والأَبْرَاجُ الْمُتَبَخِّرةُ مِن فَمِكِ الْمَفْتُوحِ باتِّجَاهِ الغَنَائِمِ السَّماويَّةِ
دَعْهَا تُغنِّي بالأَقْمِشَةِ الحَرِيْرِيَّةِ والذَّهَبِ الذَّائِبِ الْمُتَفَشِّيين بأنفَاسِهَا العُليَا.
فَمُكَ البَاحِثُ بلسَانِهِ الْمَشْقُوقِ عَن مَذَاقِ خُلُودٍ خَلْفَ حُجُبِ الْمَوْت،
إرمِهِ بـِحَجَر؛
حَجَرٌ هُوَ بِنْتٌ تُسَاقُ للذَبحِ بضَفِيْرَةِ أمِّهَا
ونَدَىً يُحرَقُ بِخُضْرَةٍ تَنْعَكِسُ عَلَى وَجْهِهِ الْمُتَوَسِّل.

خَالِقٌ بِكُلِّ هَذِهِ الْهَيْبَة؟
أَسْمَاكٌ صَّغِيْرَةٌ تَخرُجُ مِنْ قَدَمِهِ الصَّحْرَاوِيَّةِ ليَتَلَقَّفَهَا طُعمٌ مَائِيّ؟
يسمِّي الموْت؛
يَتَأَرجَحُ عَلَى سَرِيْرِ أَوَامِرِهِ،
لكنَّ والِدَةَ الْمَوْتِ لَمْ تَجِدْ مَنْ يَقْتُلهَا؛
هِيَ الوَحِيْدَة.

أَخْبِرْنِي بِسَلاَمَةِ الجِّدَارِ الَّذِي وَجَّهتَ خلاياه لتَنْطِقَ الغُمُوْض؛
غُمُوضٌ يَلُفُّ نَظْرةَ الأُنثَى فِي لَحْظَةِ سُقُوطِ ظِلٍّ مُرْبِكٍ عَلَى نَهْدِهَا،
يَغْشَى هُيَامَ الأَعْمَى بابْتِسَامَةٍ لا تَلِيْن،
ويُسَمِّرُ نَظْرَةَ القِطِّ فِي الظَّلامِ نَحْوَ القَادِمِ الْمَجْهُول.

الرِّيْحُ الَّتِي أَطْلَقْتَهَا تَمرُّ بشَعْرِ امْرَأةٍ
ويدَ طِفْلٍ مُلَوَّثةٍ بِطِيْنٍ
وسُورَ حَقْلٍ تَتَرَبَّصُ بِهِ الثَّعَالِب.

الرِّيْحُ؛
(ومَا شَاءَ لَهَا أَنْ تَكُون
دَاخِلَ مُبَاغَتَةٍ تَمُوتُ عِنْدَ طَرَفِ الوَرَقَةِ اليَابِسَةِ،
الورقةُ أُمُّ الشَّجَرَةِ ولَكِن لا تَدْرِي).

بالرِّيحِ أُدَاوِي شِفَاهِي،
والَّتِي بِهَا تَذَوَّقْتُ الثَّمَرَةَ،
والشِّفَاهَ الأُخْرَى،
والاسْمَ،
والدَّمَ الْمَوْلُودَ لِتَوِّهِ ليَظْهَرَ الجُّرْح.

أُدَاوِي بِهَا رِئَتِي
وهِيَ البَارزةُ أَمَامَ أَرْضِ الرَّغبةِ الشَّاسِعَةِ
تَحْرِثُهَا بالضُّلوْعِ،
تَرْمُقُهَا بالتَّنفُّسِ الْمُنْتَظِم..
تَنْتَظِر.

إذَاً؛ خُشُوعٌ مُسْتَحَقٌّ أيُّهَا الخَالِق..
مُقْتَنَيَاتُكَ امْتَلَكَهَا العَالَم،
والكَائِنَاتُ مِن بَعْدِهِ سَارَتْ فِي طَرِيْقِ الزَّمَانِ وطَارَتْ لأَجْلِهَا،
سمَّمَتِ الفَضَاءَ بتَحْدِيْقِهَا
نَامَتْ فِي كُمُونِ الذُّنُوبِ بِجُفُونٍ تَجْرَح
وَهَاجَمَت صُوْرَةَ القَتلِ فِي انْشِرَاخِ الوَجْهِ إلى ظُلْمَتِيْن.
صَرَخَ
خَيَالُ
البِذْرةِ،
صَرَخَتْ قَطَرَاتُ البَحْرِ الْمُتَبَخِّرَةِ عَلَى مِشْنَقَةِ الحَرَارَةِ،
وَأَفشَت سِرَّ الطَّيَرَان.

خُشُوعٌ مُسْتَحَقٌّ
ومِن بَيْنِ أَوْصَالِهِ يَنْزِفُ اللَّيْلُ ذِئَابَهُ:
إنْ كَانَ للبَرْقِ رَائِحَةٌ لِخَلَقْنَاهُ بالدَّمْعَةِ
وإنْ كَانَ للنُّجُومِ لُغَةٌ لأشَارَت بالنَّار.

أَدْرَاجَ الرِّياح:
أوْرَاقُ الأَشْجَارِ تَسْقُطُ عَلَى فُسْتَانِ الشُّحُوبِ الْمُتَآكِلِ عَلَى شَكْلِ فَتَاةٍ
والشَّجَرَةُ لَيْسَتْ هُنَاك!
مُوْسِيْقَى _فَقَط_ تَلْتَفُّ تَحْتَ الأَرْضِ جُذُورَاً لِهَبَاءِ الشَّجَرَةِ
أَغْصَانُ نِيْرَانٍ تَتَرَاقَصُ فِي الهَوَاءِ كَأنَّهَا تَمْلُكُ الحَرَكَةَ كُلَّهَا.

مِنْ كُهُولَةٍ في الحُبِّ
يَخْرجُ سَقْفُ البَيْتِ
يَتَحَدَّثُ عَنْ أَبْوَابِهِ الهَارِبَةِ بِبَصَمَاتِ القَتَلَة
يَحْكِي عَن عِنَاقَاتٍ تَنْسَلخُ عَن الجُدْرَانِ لتَحْيَا فِي الظَّلام القَدِيْم؛
قَدِيْمٌ حَدَّ تُرَى نُطَفُ الضُّوْءِ البِدَائِيَّةِ تَتَدَاخَلُ _كَهَلْوَسَةٍ فِي ذِهْنٍ يَتَحنَّطُ_ دَاخِلَ دَمْعَتِهِ
                                      تَخْلِقُ الفَضَاءَ اللامُتَنَاهِي لنَظْرَةِ الفَتَاة.
عَاصِفَةٌ تَتَقَدَّمُ بَيْنَمَا يَتَرَاجَعُ حُطَامُهَا فِي رُؤْيَةِ الآتِي
آلاتٌ طَائِرَةٌ تُعَرِّفُ ذَاتَهَا بأسْمَاءٍ وَهِيَ تَسْجُدُ للفَتَاةِ على بِلاَطٍ لَيْلِيٍّ
قَنَابِلٌ تَرْتَصُّ خَلْفَ بَعْضَهَا نَمْلاً فِي طَرِيْقِهِ للتَّخْزِيْن،
والشِّتَاءُ يَحْيَا بِصَوْتِ الخَطَوَاتِ إذْ هِيَ نَبَضَاتُ قَلْبِهِ.
العَاصِفَةُ؛ وُجُوهٌ قَاسِيَةٌ تَتَكَلَّسُ وتَتَبَدَّلُ فِي جِلْدِ الفَتَاةِ الجَّمِيْل
مِنْ مَسَامِهَا تَنْطَلِقُ أنَّاتٌ مَكْتُومَةٌ وجَفَافٌ يَسْتَفْحِلُ فِي عَدَمِ العَالَمِ الخَفِيِّ
لَمْ تَكُن تَعْرِفُ اسماً للوْنِ نَهْدِهَا؛
ولا السَّائِلِ الجبَّارِ الْمُتَدَفِّقِ عَبْرَ عُرُوقِ صَدْرِهَا خَارِقَاً جَسَدَهَا،
                             نَاقِلاً أشْبَاحَهَا وأسْلاَفَ عُشَّاقِهَا.

لِمْ يَكُن لقَبْرِهَا الْمُفَتَّتِ فِي رَاحَتِهَا شَبَهٌ بالرِّيْح،
لتَتَقَدَّمَ العَاصِفَة.

لَمْ نَصِلْ لِتَسْوِيَةِ الأَمْر
الثَّوْرُ الْمَلَكِيُّ القَادِمُ مِن جَحِيْمِ العُرُوشِ يُغَنِّي بِصَوْتٍ يَنطَحُ الفُحُولَة!
الغَزَالُ الْمُورِقُ بَيْنَ الدُّمُوعِ يَتَشَرَّبُ هُرُوبَهُ ولا يَرْتَوِي!
الشَّحنُ المُثبَتُ الْمُتَدَفِّقُ مِن خِنْجَرٍ عَلَى سُمِّ تِجَارَةٍ خَاسِرَةٍ للظَّهْر!

لَمْ نَصِل لِتَوْرِيَةِ الأَمْر.

العَقَارِبُ؛ أيُّ سُمٍّ، أيُّ فَاكِهَةٍ تُوْرِثُ أَجْيَالَ نُضْجِهَا التِّيْه؟
الذِّئَابُ؛ أيُّ لَيْلٍ، أَيُّ صَحْرَاءٍ تَشْنِقُ الفَرَاشَاتِ النَّائِمَةِ بِسَلاَم؟
أيُّ صحراءٍ؛ سِبَاقٌ مُراقَبٌ بَيْنَ السَّحَابِ والسَّرَاب؟، (مَنْ مِنْهُمَا يَسْتَدِرُّ حَيَاةَ الآخَر؟!)
النَّارُ؛ أيُّ ثَبَاتٍ نَبَوِيٍّ، أيُّ آيَاتٍ تُتَمْتِمُ بِهَا وُشُومٌ مَرْسُومَةٌ عَلَى بُطُونِ الحَوَامِل؟!

لَمْ نَصِل لتَنْجِيَةِ الأَمْر،
إذْ فِي الْمَعْرِكَةِ:
الرَّايَةُ تَعْمَلُ وَحْدَهَا
مَجْدٌ غَامِقٌ يَلْهُو بلُعَابِ ذِئبٍ يَتَوَالَدُ فِي تَقَرُّحَاتِهِ،
القَدَمُ مَبْتُورةً تَخْلعُ عَنْ خَطَوَاتِهَا مُكَوِّنَاتِ التُّرَابِ وبدَمِهَا تُجَانِسهُ،
السَّقْطةُ المُكَلِّفةُ الأَكِيْدَةُ لدَمْعَةِ الْمُقَاتِلِ تَتَوَرَّدُ بِخَجَلِ الرَّصَاص،
بالدَّوِيِّ ومُخَلَّفَاتِهِ تَتَعَارَفُ الأَصْوَاتُ بَيْنَ بَيْن،
السَّانِحَةُ _حَيْثُ فَرَّ قمَاشُ المَلِكَات_ تُقلِّمُ ضَمِيْرَهَا أَمَامَ مِشْنَقَةٍ تُضْفَرُ فِي حَالِ رَمَادِهَا.

فِي الْمَعْرِكَة:
(لا أَحَدٌ) يُغلِقُ مَصْرَعَ نُطْقِهِ دَاخِلَ كَهْفٍ مُضَاءٍ بالخَفَافِيْش،
والْمُسَاوَمَاتُ جَارِيةٌ إبَّانَ جِلْدٍ يَتَعَبَّدُ أَمَامَ كُلِّ لَمْسَةٍ نَاوَشَتْهُ بوَحْشَتِهَا.















مَكَاتِيْبُ الزَّمان عَلَى عُيُونِ الرُّسُل:

كأنَّنِي كُنْتُ مِن قَبْل؛
صَوْتاً يَسْتَخِفُّ بوَفَائِهِ للصَّدَى
قِطَّاً يَنَامُ بِجَانبِ سَيِّده الْمَفْقُود
شَعْراً يَحْمِلُ رَائِحَةَ سَيِّدَتِهِ ويُدَاعِبِ الرِّيح.

بيَدَيْنِ مُرْتَجِفَتَيْن سَجَنتُ الْمَكَانَ العَالَمَ داخِل،
تَرَكْتُ بَصَري يَجُولُ بِمِرآةٍ مَكْسُورَةٍ تَتَنَفَّسُ أَمَامِي
رَأَيْتُ الحَيْوَانَاتِ تَنْفَصِلُ عَنِّي
مُخَلِّفةً جِرَاحَاً تَنْدَمِلُ بصُرَاخٍ هَادِئ
رَأَيْتُ السَّمَاءَ كَامِلَةً تَدْخُلُ الْمَسَامَ عَابِثَةً بِجَاذبيَّةِ الدَّمِ والخَلاَيَا.

كَأَنَّنِي كُنْتُ مِنْ قَبْل؛
عَلَّقتُ أَبْوَابَ أَعْضَائِي عَلَى صَلِيْبٍ
عِنْدَمَا مَرَّ شَجَنٌ بِخَدِّي،
_و يَدٌ نَاعِمَةٌ تَجُوسُ بِقَلْبِي_
تَرَكْتُ الأَنْبِيَاءَ للطَّرْقِ الْمُسْتَمِرّ.

هَذَا الكَوْنُ
هُوَ مَن يَسْبَحُ الآنَ فِي العَيْن،
وسَوَادُهَا الْمُستَدِيْرُ نَوَاةُ انْفِجَارِهِ القَادِم.
أَتَأرجَحُ دَاخِلَ سَائِلٍ يُدعَى دَمْعَةُ الأمّ
أَسْقُطُ مُرْتَطِمَاً بزَفَرَاتِ الأَبِ الْمُتَسَارِعَةِ
ومَا بَيْنَهُمَا مِن تجمُّدٍ أُدْخِلهُ _سَالِمَاً_ عِظَامِي
مُكَوِّناً تَمَاثِيْلَ قَاسِيَةً
أتعبَّدُ تَحْتَ ظلاَلَهَا فِي اللَّيْل
أَمْتَصُّ نِيْرَانَ حَرَكَاتِهَا الْمَكْبُوتَةِ
وأَصِيْرُ الإعصَارَ الْمُنْتَهَك
خَالِدَاً فِي الجَّحِيْم.

تَدْخُلُ مَعَ النَّفَسِ آلافُ الطُّيُورِ إلى رِئَتَيَّ
يَدْخُلُ خَلْفَهَا الشِّتَاءُ الَّذِي هَاجَرَتْ مِنْهُ
تُظْلِمُ التَّمَاثِيْلُ فِي الدَّاخِلْ:
كَأنَّنَي صَخْرَةٌ بأرْوَاحٍ قَابِلَةٍ للنِّسْيَان؛ ومِنْ ثَمَّ الحَيَاة..
يَاه...
هَذَا الْمَلَكُ الْمُخْفِقُ فِي مَهَمَّتِهِ يَقْطُرُ مِنَ أَصَابِعِي
واليَدُ فِي تَوَهَانِهَا تَتَخَبَّطُ فِي عَدَمٍ يُوَاجِهُ جَسَدِي...
إنَّنِي الزَّمانُ؛
ولَيْسَ لِقَلْبِي غُرَفٌ لأُسْكِنَ فِيْهَا مَا تَحْمِلُهُ الأَرْضُ عَلَى ظَهْرِهَا مِن أَقْدَار،
وهَذِه العُيُونُ الدَّافِئَةُ، لأيِّ جِهَةٍ مَجْرُوحَةٍ في صُراخِي تَنْتَمِي؟

كُنْتُ أُتَابِعُ الأَبْرَاجَ تَتَصَاعَدُ مِن ظُهُورِ الحَشَرَاتِ،
وكَانَ كَمُّ اللِّذَّاتِ الْمُؤَجَّلةِ يَتَفَتَّتُ مِن طِيْنِ الأَبْرَاجِ الأَعْمَى
وفِي يَدِ لَحْظَةٍ
_كَانَتِ الدُّنيا ومَا يَلِيْهَا مِنْ رُعْب_
تَقَلَّصَت عَضَلاتُ الشَّيْطَانِ والإلَه
وكَانَتِ الدَّمْعَةُ ضَرِيْحَاً لأَحْجَارٍ مَيِّتةٍ
بَعْثَرَتْهَا الصُّدْفَةُ بَيْنَهُمَا
ليُكْمِلا لُعْبَةَ الاتِّهَامَات..

رُغْمَ كُلِّ هَذَا السِّحْرِ الْمُحِيْطِ بِي،
لَمْ أَعْشَق سِوَى كَوْنِي مُسَبِّباً لِحَرَكَتِهِ الدَّائِبَة
سِوَى لَفْظِي لأَنْفَاسِيَ الأَخِيْرَةَ عَلَى عُيُونِ الْمَوْلُودِ الْمَرْعُوبَة...











كَانَ عَلَيَّ أنْ أَكُونَ الْمَكَانَ لِمرَّةٍ وَاحِدَةٍ
وبَعْدَهَا فليَكُن الْمَوْت،
_هَذا الَّذِي يَحْيَا بِخَفَقَاتِ قَلْبِي_
قُبْلةً تَائِهَةً بَيْنَ قُبُورِ قَلْبِيَ الكَثِيْرَة.

كَأَنَّنِي كُنْتُ مِنْ قَبْل.
















مُعاصرةُ الخُلُودِ بِضَرْبَة


نَتَّفِقُ عَلَى حَدٍّ أدْنَى مِنَ المُنَاوَشَة
أنتَ في الطَّرفِ السَّامي من المبارزة
وأنا في أَغْمُصِ التَّعبير عنها..
بيننا صَحراءٌ جَمِيْلةٌ بأذرعٍ كلها أقمارٌ وشَيَاطِين
بيننا سُيُوفٌ تتقارعُ في الهواء بلا محاربين
بيننا بئرٌ يُرمَى فيها بالجثث
بيننا دمُ الشُّجَيْرَات الصغيرة؛ دَمُ السَّراب.

تقاربنا،
واحتوينا جرَّةً وُلِدت إثرَ مُلامَسَتِي لَكَ،
طَفرت امرأةٌ أخيراً، وصَدَحت بماءِ أغوارِهَا المتفجِّرة في كَلِمَاتِنَا لبَعْضِنَا
أيُّنا كانَ يَدَهَا، وأيُّنا كان دُمُوعَهَا؟
هل الطِّفل ذُو الشَّعر النَّاري يَسْتَطِيْعُ المساس بِوَجْهِ القَتْلِ الحَائِمِ بَيْنَنَا كَرَائِحَة؟

إن الجَّوهر كَامِنٌ، وهو أنْت
وهو الحيُّ؛ أنْت
ونحنُ الغَافِلِيْنَ عن تَبَلْوُرِكَ الْمُفَاجِئ
حتَّى أن ملاحظة وجودك تَخْلقُ الْمَخَالِبَ الْمِسْكِيْنَةَ؛ الذَّاوِيَة باتِّجاه الصُّراخ
هل رأيت الغُرْفة التي حبستنا، وأخْرَجَتْ أبوابَهَا _كفِلِذَّاتٍ جَبَانَةٍ_ من جَسَدِهَا الحَيِّ
وكان أنْ حَطَّم الأبوابَ الكَثِيْرُ من الأَطْفَال النَّاريين
واندفعوا يَخْنِقُونَ أطيافاً خَلَقَهَا سَمَرٌ نَزَفْتَهُ من جرَّاء مُعَاصَرَتِكَ المؤلمة للعَالَم؟

قوائمٌ تنهبُ الصُّراخ؛
خيالٌ رِيحيٌّ يمرُّ؛ دوائرٌ من الأطفال تَتَذبْذَبُ من مَرْكَزِهِ،
ويا تُرَى، كم من الماء يَتَجمَّعُ عند ضِفَافِ الأفوَاهِ الصَّارخَة،
ويا ليتَ شَيْبَ الرِّمال المسكوبةِ على الألسنِ يَحْدودبُ قبوراً ومَجَادِيف.

قَوَائِمٌ تَنْهَبُ الصُّراخ؛
السِّيقانُ الجَّمِيلةُ تَبْرُزُ من خلفها مَخْلوفةً فوق بَعْضِهَا البعض،
كَوَاكِبٌ من إشاراتٍ وفُجُورَاتٍ طيِّباتٍ، كواكبٌ تُنْتَهَكُ مساراتها الدقيقة دون أن تصطَدِم
أقْمَارٌ مُشَرَّدةٌ تَتَسَوَّلُ كواكباً في الانهيارات القديمةِ للشفاه الصَّارخة.

منَ الأكْوَانِ الجبَّارة على لَحْمِ سِيَاجِهَا وحُدُودِهَا،
من الدَّمعات البُسْتَانِيَّةِ في شُرُوقِ بَوَّابَاتِ الظَّلام من القَبْضَة،
مِن تَحَوُّرات العَيْن على جَوَاهِرِ التيجان العَاكِسة،
من مُرَاقَبةِ فَيْضِ ألوَانٍ بَخِيْلٍ يَأكُلُ الهَوَاءَ؛
تَنْبُعُ الكَيَانَات الصغيرة مبتلَّةً بالمذابحِ الدَّوارة
تتضاربُ مصالح الأيام عند لقاءٍ سريٍّ لإناثٍ وذكورٍ في الصُّراخ.

قوائمٌ تُكوِّرُ الأرحام للولادة
تُضعِفُ الوَتَرَ ليَنطُق
تجمِّدُ النَّار لتَحْرِق
تحرثُ الفضاء الليليّ بالغيوم
تُرغِمُ الجذر على الرقص فتتفتت تربة الأرض.

قوائمٌ تركُضُ هاربةً من أفعالها أُفقيَّاً
حَافِرَةً في عَوَائِل الهَوَاءِ شَجَرَةً مَحْشُوَّةً بالخُلُود
صَفْصَافٌ مُرْفَقٌ بالبُطُولَةِ وانكِسَارَاتِهَا
شُعُوبُ فؤوسٍ ليس عَلَيْهَا أن تَضْرَبَ الشَّجرة؛
فهيَ تَنَفُّسَهَا؛
وجهَاتٌ تُؤشِّرُ إليهَا حَوَافُّ الأورَاقِ الَّتِي تُشْبِهُ الحَدَّ القَاطِع.

مَسِيْرةُ الآلهة السَّاحِرَة في الضَّباب؛
تَجْرَحُ الأرضَ بقَبْرٍ،
تَتَنَاسَى حجم اللَّحْمِ الْمَدْفُونِ،
تَتَعْامَى عن جَفَافِ العُرُوقِ وانتفَاضَاتِهَا داخل التُّراب
تغارُ من إضاءة الحَفْرِ في السَّاعد المودِّع
الغُمُوضُ الْمُلتاثُ في مَضغِ الرِّياح الْمُستمرّ لفَمِ وجَسَدِ وأضْرَاسِ وعَوِيْلِ الظَّلامِ الْمُتَفَحِّم في عَيْن الجثَّة.

مَسِيْرةُ الآلهةِ عَبْر الزَّمان:
إخْفَاقٌ في تَلمُّسِ الثِّياب الفَضْفَاضَةِ لأنوارِهَا،
تَورُّدٌ مُتَبَاكٍ على اليَدِ الضَّارِعَةِ أمام تَجَاعِيْدِ الْمَرَايَا.
الْمَسيرةُ:
يا هُيَامَ الرُّمُوشِ في مضائِقِ التَّجرُبَةِ الْمَرِيْرَةِ للدُّمُوع،
يا بُذوُرَ الخَلاصِ الْمَتَسَالِخَةِ في فَضَاءِ الصُّراخ
والقوائم مُرْتَفِعَةٌ دون جَسَدٍ:
لا الحصَانُ مَبْتُوراً في مواضِعِ الأجنِحَة
لا الثَّور الشيطانيُّ الْمُتَوَاثِبُ عبر الأنفَاسِ المتلاحِقَةِ للخَلْقِ الخَامِد
بل خَلْقٌ متواترٌ للبُثُورِ على وُجُوهٍ لم تُوْلَد
وجُوهٌ ولِدَت تُقهقهُ طُيُوراً تَفُرُّ من بيْنِ أغْصَانِ الشَّجَرَةِ الخَالِدَة،
أذْهَانُ الجَّمْرِ تُورِقُ في البُحَيْرَاتِ الْمَهْوُوسَةِ بالتَّخفِي بِبَطْنِ الأَرْض،
تُورقُ أشْبَاهُ خِيَانَاتٍ وتَقَاطُعاتِ أمَانَاتٍ مُوَرَّثةٍ بالقَهْر،
مِثْل موسيقى لا تُدرِكُهَا الوَسَاوسُ والكوابِيْسُ إلا لتَحْيَا.

كانَتِ القَوَائِمُ تَحْفُرُ الماضِي لتَدْفِنَ بُرازها،
تَحْفِرُ الآتي لتَنْبُشَ كلَّ شَيء،
كل شيءٍ في الأصلِ لَيْسَ بِمَنْبُوشٍ؛
عُذْريٌّ دَاعِرٌ يتلألأُ في نِهَايَةِ الْمِحْوَرِ الْمُتَنَاسِلِ للعُرُوشِ السَّماويَّة،
يَتَدَاخَلُ في الدَّكِّ الْمُسَالِمِ لقُبْلةٍ تَضُمُّ رُفاتَهَا وتَنْتَحِبُ في الطَّريق إليها وحِيْدة.













أيَّتُهَا الجُّذور
أنتِ الشَّجرة:
أوراقُكِ التُّراب،
ولُغَاتُكِ الْمُنْدَثِرَةُ مِيَاهٌ تَتَمنَّعُ عليكِ وتَتَلَوَّى بين ذَرَّات التُّراب الثَّائرة.
ما يَتَصاعدُ مِنْكِ أعلى التُّراب:
حَرِيْقٌ مأجُورٌ بِجُذُوعٍ وأورَاقٍ مُسَمَّاةٍ بِلَغَط،
ما يَتَصَاعدُ مِنْكِ طُيُورٌ سَتَسْكُنُ، وتتعلَّمُ الطَّيرَان اتِّقاءَ طَوَفَانٍ مَوْعُودٍ بشَكْلِكِ الحَفَّار الفُضُوليّ.


















































آلاءُ هَيكل
 2011م






·         

 قَيْدُ قُنبلة.
تجتثُّ نارٌ قليلةُ التّقْوَى أنهَارَ رَغْبَاتِهَا
مِن كَاهِلٍ غَامِضٍ يَعْبرُ نفَسَك وأنتَ تبصمُ بِخَنَاجِرٍ لا نِهَائِيَّةٍ
على ملاكمةِ الزمانِ وجحودِ الإثبات؛
تَبْصُمُ بالقَحْط.

كلُّ ما رأيتُ قبل انفجاره
يقصد يابسةً فقيرةً داخِلَهُ؛
يسوِّرها بالزّرع والتَّبَصُّر؛
ما الفائدة؟ جماله انفجارٌ وجَرَادٌ أبديٌّ وُلِدَا بعينيه منذ بدايته
شيءٌ يبدأ، ما الساحر فيه؟ سوى نبضه الحَامِلِ بالتّفتت؟.

ذات أذىً يحومُ داخلَ جَرَّةٍ تَحمِلُهَا فتاةٌ تلتفُّ ساقاها بثعبانٍ يَتْبَع جيرانَ سمومِهِ الغَامِقَةِ بانتشارها بكلّ الألوان المُلوِّنةِ لِخَدِّ قَتِيْلٍ يجوع في يَدِ قَاتِلِهِ خِنْجَراً ظَلِيْلاً بما تحتوي أجرامَ النّومِ مِن كوابيسٍ تُدَاعِبُ رَمَادَ دُخَانِ المُلُوكِ الخَائِضِيْنَ بلا دموعٍ بأحواضِ الهِبَاتِ المَلائِكِيَّةِ الغَابِرَةِ في جَمْعِ ذنوبٍ وغفراناتٍ تتجزَّأُ بلا سببٍ إلى جرادٍ وانفجاراتٍ تُغَذِّي كلَّ ما يُرَى في الكون.
هنا لحظَةُ السّحر
اللحظة في المكان.

نَفَسٌ أيها الرَّائي يَخْرُجُ مِن فَمِكَ،
من أَرْحَامِكَ القَدِيْمة
ويلتفُّ حول رقبتك؛ يلهو ويسارع من حِدَّتِهِ
يصبحُ حَدَّاً يَفصِلُ بين العدلِ والظلمِ
يُصبِحُ حَيْثاً يُخَرِّق الكَمَالُ عيونَهُ الجاحدةِ فِيْه
ليس بإمكان قوِّةٍ أن تُوْقِفَ هذا المشهد:
إنّه مِن آلاء الهَيْكَل.

أيّتُهَا العظامُ الجليلةُ تَتَخيَّلُ لَحْمَهَا دون أن تَلْمَسَهُ.
دُونَ أن تَتَحَكَّمَ بجمالِه.
أيّتُهَا السّواقِي، حَاسِدَةُ المَاءِ عَلى تَغَيُّرَاتِهِ بَأوعِيَتِهَا الميِّتة.
أيّتُهَا الجُفُونُ العَمْيَاء ودُونَكِ عَالَمُ العين.
أيّتها الأقلام تُشَاهِدِيْنَ الحِبْر يَخرُجُ مِن جَحِيْمِكِ ويُغيِّر المَعَانِي.
أيّتُهَا الأرضُ، أيتها الأراضي، أيّتها الأَرْضِيُّون:
حَوْلَكِ الأمطارُ، والدورانُ، الفُصُول، البشر، المسافات المحدّدَةُ وِفق مَوْقِعِ الذّوات، التنقيب، كُتبٌ محمّلةٌ باسمكِ، جيادٌ تركض لفتحكِ، أسوارٌ تُقام وتُهدم، أرقامٌ تُعدُّ وتَفنى، أشلاءٌ تُدفَنُ وشَجَرٌ يَطِيرُ، أجواءٌ تَتَغَيَّر وسماءٌ تبهت وتشتدّ
أعني الأوعية
إنها قيدُ قنبلةٍ؛ روحها،
وهي الحياةُ تُنسى وتتمزَّق.





















·         

أريد أن يفكِّر كل جندبٍ منكم بضياعه
وسط أعشابٍ تصرخُ بخضرتها
وتحاصرها الشمس بتهديد النموّ.
أريد أن يختصرَ أحدكم صرير ليله بسمّ نجمةٍ تقتنصُ ضعفها
من نظرات صِغار الكائنات لها.
أريد أن أراكم منتحرين في اللحظةِ، وخالدين فيما يلي تسميتها.
أريد أريد
أن تجثم على صدوركم طوفانات حصادٍ،
وتوهمّات أيادٍ تقطفُ الثمر كنهايةٍ أكيدةٍ للتصاعد.



















·         
أسفل العين؛
عند هالات الجفن السَّاهرةِ
سوادٌ يتألَّقُ بدوائره،
يجتاح شواطئ النَّظر بحدودٍ عمياء
ويشتقُّ لنفسه اسماً
كوكباً ذاهباً في الجاذبيَّةِ
يقطفُ زهوراً تتفرَّعُ من عطرها جذورٌ ورموز.






















·         
من القبضةِ تنبتُ غابةٌ محترقة
على أُفقها تُسحلُ رؤوسٌ جديدةٌ،
تقتات أنوارٌ، تُرزَقُ ظلالاً بأبناءٍ ميّتين،
يتجادلون عن اختراق كل شيءٍ لهم.

من القبضة ينطلق نواح الجلد
نساءٌ من عَرَق، يتجمّعن في لحظةٍ واحدةٍ
ويخلطن ثيابهنَّ في قطرة عرقٍ واحدةٍ
فينطلقُ العُنف، مجيداً ممزّقاً كلحظةٍ مجمّدةٍ منسيّة.

من القبضةِ تُحيا وُجوهٌ لُكِمت
ونُحتت بالحبّ والجنون،
وجوهٌ توَّاقة لتصرخ موتها، دون أن يلتفت إليها عابر
دون أن تبصر ولادتها من جسدين مجرَّدين من بعضهما
دون أن تنطق، أو تصمت
دون أن تكون.

من القبضةِ ـ يا ناقة السّحاب الجّافة ـ
يذبحونك وينظرون لعينيك، ويتغاضون عن الدّم.

من القبضة قبضةٌ تَرى ما الذي حُبس بداخلها
وحطّم الخارج؛
حطّم داخله بهدوء.






·         
من مصحفٍ عاش بلا حروفٍ، داخلَك
وجدتني أحدّقُ كأنني نهرٌ ينظر لصورته في نهر
ماءٌ يقابلُ ماءاً سابحاً من فوقه
وعليه يَسقطُ غرقى زمانٍ مضى
يقهقهون، ويتقاذفون بالموجات؛
يحطِّمون ماضيهم.

من كهلٍ سائرٍ في عروقك
بعكَّازٍ أَمْضَى من يأس،
عُكّازٌ يتسنَّنُ بك، ويُطعِّنُ صراخك المستمر؛
وجدتني أنحني على دمك
أغرس عينيّ فيه، وأمتصُّ طُفولاتٍ سيّئةٍ
أرفع رأسي بتلذُّذٍ دراكوليٍّ مبصرٍ أعمى
وأنهشُ الأفق بنظرتي، حتى يزول، ويختفي الأبد.

ينفصل رأس النّهر عن جسده
يتدحرج _بتبخُّره_ في الأسواق، يأكل الخراب؛ بشرٌ مثلكم
من يراه سيتجمّد تمثالاً، وتنفصل أعصابه منه ثعابيناً تلهث وراء اللحظة*
ومن غَفِلَ عنه يزداد يقيناً وحبوراً بأنحاء جسده المرئيَّةِ؛ بوجهه الجميل.

الكهل، يقود حرباً خاصَّةً وعلنيَّةً على الرأس المَطلُوقْ
بأسلحةٍ شمسيّةٍ وظلِّيّةٍ نهبها من دَمِك
أيها الخائفُ بعنفك
والمُستلُّ بحروفك الغائبة عن المصحف
لن تُقرأ، حتَّى ان احتميت بتاريخ جنابتك
وأورثت الكَهل طُهراً ذائباً في المسلّمات،
أيُّها الخائف من فيضان النهرين على بعضهما
من عودةِ الطفولةِ لعُكَّاز الكَهل.













ـــــــ
* الصورة عن أسطورة "ميدوزا"
















·         
من وقتٍ تتجاذبه ساعةٌ في ركنٍ متسرِّبٍ للانهايةِ
مع عنكبوتٍ يتجاسر _بأقدامه البشعةِ_ على خفاء السّماء، ويخلقُ جاذبيَّته بخيط،
منهما، يُكسرُ زجاج نافذة الغرفةِ لأسبابٍ مجهولةٍ تماماً
كـ (ك) تخسفُ بالخلق ولا تُبَالي
ويأتي أحدهم، بسذاجةٍ، يجمِّل بشريطٍ لاصقٍ جراح الزّجاج
والوجوه، على الكُسور، تتكرَّرُ بذريعةِ الأمان،
وسقوطٌ ما، كامنٌ في نظرةٍ اقتُلعت من عينٍ اقتلعت من وجهٍ اقتلع من عدمٍ
عدمٌ يتأله ويُبالي بـ                          أسرار مخلوقاته
فيطلق أسماء على البحار، على النملة وهي تحفر على جدار،
على خيانة العماء لصوابٍ كانته المادَّةُ وهي تؤثر بوقاحة حقيقتها
لا، ك، خذلانٌ مستمرٌّ لأنهم صنعوا السَّاعة دائريَّةً
ولا مجال للانقطاع.

















·         
ضربةُ قلبٍ في الهواء،
ستُنبِضه،
وتُدخله مملكة الحسّ والارتجاف.

يسيلُ ماءٌ هو العين ذاتها
البصيرةُ تُفرَزُ وتركضُ مُولولةً لوحدها.

من مكانٍ ما، في الأرض، أطلَقَت اليابسةُ جوعها
ليركض، مُخترقاً كل شيءٍ، ليكون مُكوِّناً حُرَّاً وأكيداً
مبرراً للقضم، وتحطيمُ وجوه المستحيلات، بلكماتٍ خياليَّةٍ
وواهية.
من ذلك المكان
أيضاً
خَرَجَ الماء، منفيَّاً، ناضجاً،
خرج من غَرقهِ
خارقاً آمال الإنسان، مطمئناً لهُ
مُجوِّداً ترابه بالطين.

يغسل البشريُّ جلده، يسيل الماء؛
في الأنابيب الأنينةِ، يخترق الأرض
ينكوي بقذارة البنايات
يلامسه لسانُ كلبٍ،
ويلمحه فأرٌ خائفٌ وهو خارجٌ من اليابسةِ
مُحمَّلاً بذكرياتِ غسله.

الماء مغسولٌ بالحياة
يعود للأنهار، البحار والمحيطات والسحب
مُرتجفاً كنبيٍّ باغته الوحي:
كيف ظلَّت المحيطات نظيفة؟
عرقُ الأجساد الملتحمِ يعود إليها
أن يسيرَ أحدهم بأقدامٍ حافية
أن تُنظَّفَ أسناناً مستيقظةً للتوّ
أن يُغلِقَ طفلٌ يدهُ على حلوى
أن تُحبس أنفاس الريح من العالم
أن يتقلّب جسدٌ في السجن
أن تقتحم الكوابيس نوماً
أن تضع الزوجةُ يدها على صدرِ زوج
أن تُمسكَ أصابعٌ بإناءٍ ساخنٍ
أن يحتضرَ إنسانٌ عجوزٌ ودموع من حوله تتبخَّر
أن يكون الماء موجوداً.
كيف ظلَّت السماء صافيةً
مُحتفظةً بقانون البعيد
وتشرب، كل يومٍ، ماءاً مغسولاً بالحياة
ولا تسقط؟.















·         
ظلال العالم تقتصرُ على عماراتٍ تسقي عيون الكلاب الساهرةِ بالليل
صاحبُ الدُّكانِ الباسم قبل قيام القيامةِ
من يلبسون الزي العسكريّ يحومون خلف أطلال أغلفةِ الشاحنات الميِّتة
أطفالٌ عراةٌ يقذفون سطوح كل هذا بحجارةٍ تترقرقُ بصلابتها
قططٌ تتبعُ الأطفال بهيامٍ يقلُّ عن ضحكاتهم بمقدارِ الشتمة
مَن مِنَ النساء تستطيع أن تستقبل جسدها العاري
وهي تصرخُ خلال ليل العمارات والشاحنات والتجارة؟.
لماذا أحسستَ فجأةً بأن نهراً خَرَق وجهكَ وكوَّم أسماكه بين عينيك،
وطفلاً نَسِيَتهُ أمّه الغارقة بين حشائشٍ، أعلى شفتيكَ، تعانق نوراً طفيفياً
غَرِق لبرهةٍ، وتجمَّد مرعوباً في قاع ذاك النّهر؟
وأن الزواحف بألوان كلّ شيءٍ تتضارب بعنفٍ داخل قبضتك المتشنّجة
وأنت تلوِّح لنهاية العالم؟.

















·         
سأموت بجانبك
_أيها الشيءُ المُسَمَّى_
كلَّ ما أحْسَسْتَهُ يوماً، سيكون مفروشاً على جانبينا
حقولاً ممتدةً لآخر المدى، وتحيا بذهابي بعيداً
تحيا في عيونٍ أخرى أَبكَيتُها؛
جلودٍ حَنَّطتُهَا وخلطتها بكهوفِ لذَّةٍ خالدة أعلى جبالٍ خائفة؛
رَقَبةٍ مَدَدتها بأصابعي أُفقياً لتَكوينِ رقصةٍ لا تُرى.
إنها أشجارٌ تنبت عليك،
أنظر ليديك.

تعال ننظرُ لبعضنا
ونتشجَّع بالكواكب المتصادمة فيما بيننا
الثقوب السوداء الطّافرة من حناننا لبعضنا
لم أعرفك، وأنت فعلت ذات الصواب
في غرفةٍ واحدةٍ، لا نرى بعضنا، ونشتدُّ التحاماً في عينٍ أُخرى.


تدخل علينا العينُ بجوارب السّهرِ والحمّى:
(تُخرِجُ فَيَلَةً ونموراً وصراصيرَ وغزلاناً
يدخلون جميعهم في المرآة، ويصرخون بالدّاخل).
تَفتَحُ الأنوار، ننظر لبعضنا، لنطفأ ظمأ الظلام،
تُغمض العينُ الأخرى ذاتها
نتّجه إليها.

أنت ترتجف من حبِّ رمشٍ يتحرّك
أنا عاشقُ ظلِّه الهامس على الجّفن.
أنت مَفتونٌ بالماء،
وأنا بهِ، بعد ذوبانِ جليدِك.

من دربٍ إلى كلبٍ نتواجد
نشبك أصابعنا حيناً
فتذوب ماءاً وتراباً ونار
تُكوِّنُ درجاً طِيْنِيّاً يرتقيهِ عَمَىً سَبَّحتهُ القرون السّابقة في دمائنا
يسطعُ في السّماء الأرضيَّةِ
فتهطل علينا النّجوم
لأننا لوحدنا
كما نحن الآن، أموت بجانبك، وأنت تحيا.

لأنني الخنجر الذي ينغرسُ في اللحم
فيظنّون أن الدّم المتفجّر ليس دموعي
وأنّ لي روحاً واحدةً تُطرَدُ بكسْرِ المَعدن
إنني الذي أموت مع كلِّ طعنةٍ؛
والآن، أغرس رأسي النائم في عجين كوابيسك
فاُصدرُ هذا الصوت، الذي تُسميه وَجْهَك.

ما العالم الذي تَكَوَّن بجانبنا من كلِّ ما لَمِسْنَاه؟
اسنِد إشارتكَ باشارتي، هل تَرى:
هذا نَحنُ،
_على الصورةِ بالأصْرَمِ والأخْنَق_
إنه يهبطُ إلى أقدَمِ مكانٍ صُرخِ فيه لحظةَ وُلدنا
هل رأيت الجانب الآخر من المرآة
حيث دَخَلت حيواناتٌ وبروقٌ وأجيالٌ من الرّعشات الميِّتة؟.







·         
خِرقٌ باليةٌ تنتبه
لن تَخرج الشمسُ لهذا اليوم، لأنها مؤجَّرة لإضاءة حيِّزٍ صغيرٍ من الكون
حيث نَهَضت حشراتٌ وأجوافُ صخورٍ داخل جسدٍ
هو الفقير السَّائر لوجده، وَجِيْدٌ مُرفقٌ بنظرات آنيات البيوت المُهملة
فرقعةُ خيانةٍ تخرج من عينه، تفقأ طيبتها وبرائتها
وتدفعه لسمومٍ آنيَّةٍ، لابتسامةٍ لن تتكرر في الحياةِ، أبداً
يسير.

يمشي الفقير، الفقير يمشي: الطلاء السائل على زجاجٍ ثُبِّت بإهمال. مخلب قطِّةٍ عرجاء كُسرَ. شهُود المحاكم اليائسين؛ محاكم الزواحف. المياه الصغيرة تَجمعُ الأكياس المتوحِّدة. سطو الهاوية على أهل كل شيء. يمشي الفقير، الفقير يمشي.

تسطع صرخة الخيانة داخل كل فقرٍ هائمٍ على وجهه داخل كلِّ شيء.

يمشي الجميع خلفه، بمزماره يجتذب طواعينهم الخامدةِ بأطرافٍ تتفتَّت؛
الشمس تُقرِّب اللقطة،
مبانٍ تختفي، حُفَرٌ تُشرقُ بسيقانهم،
مواسيرٌ صدئةٌ تتدفَّق من شفاههم،
والصحراء تَركض، تَخرق حدود جماجمٍ تركوها تُعبِّر؛
إضرابٌ عامٌّ للفقر: تلويحةٌ لا يهتمّ بها الذَّاهب، قفصٌ مليءٌ بالطيور، شريط كاسيت معلَّقةٌ أحشائه على سلكٍ شائكٍ، الرأس الصارخ المرتعب المُتبقّي من جثَّة كلبٍ مَدهوسٍ، قشور السقف من تسرّبات المياه، أحلام الذَّهب، اكتراث الحديد بمن خَرَقه، الهواء المُتَنَفَّس، الله.
يَهجرُ الفقرُ العالم
والشمس تُسلِّط الضوء.






·         


خُرِّبَ العَدَم
بحذاءٍ يحمل قدماً قُطِعَت
والدم يسيل على وجه طينٍ لوَّثه.
من ألقى بهذه الأدوات القديمة البالية؟
هل أعني الحذاء؟، أم أعني القدم المقطوعة الحيّة؟
أعني العدم.

هذا التخريب لم يكن صدفةً،
لم يكن دخاناً تصاعد من حريقٍ وُلِد في لحظاتٍ ثمينة
لم يكن حتّى طغياناً أخرقاً وحبَّاً في الظهور،
إنه قبضةٌ محتّجةٌ على وضوح القوانين والمنطق
ألا ترون حيرتنا هنا؟،
إنها إشارةٌ للركض خلف غموض طفلٍ يمتطي فيلاً جمريَّاً وضعيف القلب.

الحذاء المُخرِّب يسير بخطىً موؤودة
السماء من تحته تتضرَّع بجِيْعاتٍ حُرَّة
ونوافذٌ تُطلُّ على حقولٍ من الشموع تُراقبه
من مساماته _الحذاء_ تنضح وجوه الأحياء تُراقب أجساداً حملتها عبر مصائرٍ وشكوك
تتفقَّه، مع كل خطوةٍ، دنوَّ جهلها من مادَّة عدمها
إن كان العدم خُرِّب
فهو كامنٌ في أجزاء المُخرِّب،
وطوال الزمان الذي يكفل له الإشراق يوماً
يسلّي نفسه بالتجمّل أمام مرآةٍ هي ضياع أحلامٍ
وانفلاق آلامٍ ذريِّةٍ خَلَطتها الرغبةُ بالحبّ.
لكل وجهٍ حقٌّ في فحص خريطة الحذاء
وإلا، لما عَرِفَت أنها هي الورق الذي رُسمت عليه
يا مُراقب التّرهات
ستديرُ المشاهد بأبعادها الألف
وتنفجر بالبكاء، يوماً، صدِّقني.




























·         
أرفعُ كماناً تفرَّع من أصابعي
لخفافيشٍ تتخبَّط ببعضها في ليلٍ صبحيٍّ
وأنا، بأقدامٍ مقطوعةٍ، أجلسُ على كرسيٍّ متحرِّك.

نَقَشتُ بفزعي قلباً جماعيَّاً، في هواءٍ يطلبه السَّارح على حبل مشنقةٍ
يتأرجح؛
تتأرجحُ قطرات الماء المنظومةِ عقداً على عنق خفاء الكون.
من أيةِ جهةٍ أَقبَلَ المعدن؟، جامعاً وجوهاً رجوليةً ومسمومة بشهادتها؟.
حيث تنبت الشجرةُ تتحاربُ الجذور، ويتهرَّب الماء الذكريّ،
وتتبخَّر سرابات التائهين في صحراءٍ جوفيَّةٍ بأغلال لغاتهم.

سأرفض الأمل
أرفض السلام
أرفض ذات البين
أرفض تقتيم حدود أيّ شيءٍ بهِ
أقتل رفضي في سريرٍ يشاركني فيه نبضُ موسيقى كونيَّة
وأعفو له اغتيابي، كأيِّ سلاحٍ معدنيٍّ تغتابه مذيعةُ الأخبار اليومية
بشفاهٍ مكتظَّةٍ بألوان الشفاه المموَّهةِ، لأجل اجتياح تَعَارِيفِ العالم.
إنني أسقط بين يديك
وليديك الحقُّ في يديَّ.









·         
في ليلة الغبار هذه، لا بدَّ لوجهكَ أن يتذوَّق الخوف، من بابٍ، من أشلاء ذكرياتٍ تخطفُ أنظار كائناتك الكامنة في المعبد.
-         أيُّ معبد؟
-         معبدٌ لا يذوب ولا يُرى سوى بتكاتف الأنجال السريين المارقين عن نظرتك لها، هذه الديانة الغامضة التي تدعو لها أعضاء جسدك لينحلّوا من قيودهم بك، وتُقطعُ رؤوسهم ليرتبطوا بها!. أليس كذلك؟.
نملٌ أحمرٌ بظلالٍ شتويَّةٍ يحفر مجرى أعصابك ودمك ليطلَّ عبر الجلد، بينما تغلِّفُ هواء فمك بقبلتها، سيسير النمل ويحرق أحطاباً وسنوات على سطح جسدك، وخلال ليله تختلط أنوار النيران من إضاءة الدموع، والضحيَّةُ الغارقة هي إشارتك، وأنت تضمها لصدرك، لقمرٍ ممحوٍّ بجوعها.
في ليلة الغبار هذه، لا يستغرق ذبح طفلٍ سوى لمعان ضوء لحامٍ يربطُ بين أسماءٍ وقبورها، لا يختارُ كونٌ ربَّه إلا بمقدار تخفّيه من اللغات، هروبه من عادات وسلوكيات مخلوقاته، لا يكفي أن تطعن الماء لتُخبرك بمكونات الحيوانات الوحشيّة لتخلقها بمركبّاتٍ موشيٍّ بها، لتدرك من منسوخاتك أيُّ معنىً يكتنف اليابسة لتكون سهلة الهضم للعقول والعيون؟.
في ليلة الغبار هذه
تغوَّل بمناجل العدم على حقول الصراخ
واشرِقْ بمقتنيات الجزِّ علوَّ جسدها عالياً هابطاً على ممالكك
حيث طروادةٌ من الأجنحةِ تبحث عن غيمةٍ على شكل حصان
حيث إغماضةٌ تشرح الليل كلَّه، وتنال منه.















·         
الليل متوقفٌّ عند ظفرٍ جاهلٍ،
ومنه تنـزف دماء العذراوات،
مباركةً تخلصهنّ من اسمٍ يتقشَّف في ذهنِ الجنَّة،
الخالدة.
لقد توقفت موسيقاك، لعباتك المجمّلة بالتحطُّم،
حيث كل طفلٍ يحمل ثديَ أمهِ بين أنقاضٍ تتشبَّث بأظافره،
وهو يلعب بالطين الأوَّل،
بالليل الأخير.
وما بينهما طائرٌ جوهريٌّ يفاقم قبوره في الريح لتصبح تمثالاً،
يُمثِّلُ جناحاً يخلق هواءه في الجوف؛
عند مكمن العطش الكائن في الكائن.

لا جحيمَ أغلى من ذلك
لا صراخ أدنى من كُلِّكَ المُفتَّتة في جوع الفضاء لك
أيها الإنسان.









تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول مقدّمة طينيّة: سيَّارة الثورة التكنولوجيّة (1) كم من الوقت انتظرت لأكتب عن هذا النص العجيب، والذي لم يُعرَف كاتبه إلى الآن، وربما يتعلَّق الأمر بالظروف والملابسات التي نُشر فيها هذا النص الطريف جداً والتراجيدي بهاويةٍ سوداويَّةٍ مُضحكة. أفهم، كما كتبت كثيراً من قبل، والكثيرون من قبلي، أن اتصال الإنسان مع أخيه الإنسان اندلع مع ثورة التكنولوجيا. ولكن لننظر إلى الثورة التكنولوجيّة الرابطة لأجزاء العالم بطريقةٍ أخرى، فبينما كان الرابط في الماضي عن طريق الحروب والاستعمار، رست السفن قبلهما، وأطلّ القطار مؤخراً، ثمَّ طارت الطائرة. لننظر لانطلاقة الثورة من بدايات القرن العشرين كـ(غِيْر) السيارة، وهو ما سأصل به لما ميَّز جيل مواليد الثمانينات. على الأقل في السودان. تنطلق السيارة في الغير رقم 4 بلا كابح وبسلاسة لانهائيّة، وهي المرحلة التي دخلت فيها الثورة التكنولوجيّة سوق التنافس الرأسمالي العابر للقارات. ففي العصر الذي يسمع به الناس بالتلفاز ويصلهم بعد مُختَرِعيه بعشرات السنوات، ولفئةٍ محددة جداً من البشر.

Life weapon’s dictatorship - By: Mamoun ElTilib

Life weapon’s dictatorship By: Mamoun ElTilib Translated By: Ibrahim Jaffar Introductions: ( Tayfara was a military slave of the Cavalry Divisions (the Divisions of Knights) which was relegated to the Sheiks-ministers of Hamaj .   He presumably has been enslaved during one of the sieges of Rajab to the Nuba Mountains within the course of his campaign against Kordofan, for he reached the age of reason in the era of Nasser wad Idris .   Imaginatively, we would correlate Tayfara’s memories of childhood with those of Dogalo Doguendan Ari ; a Nuba boy of the next generation who, like Tayfara, has been, as a young boy, enslaved and taken from his native land.   Dogalo , as a young man in his far-off exile, has vividly lived the memory of his homeland that has been sustained within his soul as a minute world of landscapes, distant and diminutive shapes; young kings wearing jewels and straddling horsebacks; steppes of azure color of bubbly plant under the pur