التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حواف - صباح سنهوري

حواف
صباح سنهوري



تمشي وحدك، بشارعٍ مصفرّ اللون، الوقت ليلاً؛ كلبٌ هنا، كلبان هناك، (بلد لا يقطنها سوى الكلاب)، قلت، وحدك تمشي، ليلاً، تتساءل: أهكذا هي الحياة، حياة، فقط؟!، بشر يروحون، يجيئون، يأكلون، يتغوطون، يجتمعون، ينامون، يشتمون، يدّعون صفات بشرية - قميئة هي الأخرى – لا يملكونها، ثم يكررون كل تلك الصفات، مجدداً، يروحون يجيئون، يأكلون ،يتغوطون، يجتمعون، ينامون، يشتمون، الخ،؟!!؟.

لا فرق بين نهاره وليله سوى العري، تتعرّى ليلاً والليل، تمارسان الجنس جهاراً فضاءً، أمام عيون الإله!، لماذا صرت تشعر بأن بينك والجنون شعرة، أو، نصفها، لست تدري!!، تنام على الأرض أينما وُجِدَتْ، على رصيف، مجاري، ميدان، أينما وَجّدْتْ، تستلقي على الأرض، تلامس ترابها بحنكة، تتذكر تلك الليلة التي ضاجعت فيها علبة معجون الطماطم! تبتسم، ثم تضحك، ضحكة مجلجلة، كأفعى صمّاء، تتذكر كيف أن من يأسك وبأسك جعلت العلبة تصل إلى النشوة قبلك!!، (أنت مقرف!)، تماماً، كما قالت لك تلك الفتاة التي افترضتها ذات يوم!.

تتذكر كم كنت تخاف من أن تتغوّط!!، تخاف إلى أبعد حد يمكن تصوره، وتعتقد أن التغوّط أمر غير طبيعي البتّة!!، وكم كنت بعده تشعر بالبرد، وترتجف، تشعر بأنك مريض، وأن ليس هناك من شفاء قريب،!!، وتفقد قدرتك على التبوّل إلى صباح اليوم التالي!، (كم تتغير أحوالك!!) تفكّر ،!، صرت بعد ذلك تتغوّط منتشياً، وتستمتع بذلك الخدر اللذيذ الذي يُسببه لك، وتتألم بلذّة كفتاة عذراء عندما يلجك الغائط إلى الخارج، وما بين الولوج والحك ؛ تتعرّق بطريقة سريالية، تتأمل جسدك المغطّى باللولؤ، وتتخيل نفسك فتاة صغيرة جميلة تكتشف جسدها للتو!، كم تستمتع بذلك!، فصرت تمارس التغوّط ليلاً – كلما تسنّى لك ذلك – أما عند الصباح فهو أمرٌ لا بد منه، إذ أنك صباحاً دائماً ما تكون في قمة الإستثارة والرغبة، وتكون هادئ وذا مزاج رائق، أتذكر ذلك اليوم؟!، يوم أن وضعت مساحيق التجميل مثل الفتيات، وتعطّرت بعطرٍ نسائي غريب وذهبت لغرفة الـ آآآ، أقصد ذهبت للحمّام، وصرت تتأوه كعاهرة تدّعي النشوة، وبعدها ولجك الغائط للخارج؟!، كانت تلك آخر مرة تمارس الغواط، أو، التغوّط، لست تذكر ما الذي حدث وجعلك تتوب عن فعلتك تلك؟!؟!، المهم، أنت الآن مرتاح البال، تتذكر صديقك الشاعر – الذي أحببته سراً – عندما قال لك: "إذ تنتهي مطراً؛ تلثمك الأرض للهفة شوقها وشوقك، إذ تنتهي مطراً ولا تلثمك الأرض؛ يزهر طيفها موتك، في الحالين: شهيد القُبلة الأولى!!"، لم تستطع أن تقول شيئاً، ولكن لربما الآن عزائك الوحيد هو أن السماء بمكبّرات الصوت التي خلقتها بها، والتي لم تخلقها على عجلٍ بل بتريثٍ وحنكةٍ كبيرين، إذ جعلت السماء مليئة بمكبّرات صوت قوية لأقصى درجة يمكن لكائن تصورها، وأنها من قوّتها تتقافز لأسفل، حتى أنك تشعر بأنها سترتطم برأسك ذات يوم!. ولكن، الشيء الجيد أنها لا تزال تطربك بكل تلك الأغنيات التي تحبها، أو بالأحرى التي يحتاجها مزاجك عند الصباح، "ترانيم سماوية" عندما تشعر بالخواء، موسيقى "الجاز" تُشعرك بالغبطة، "الريقي" يدفعك للبكاء، صوت الفتيات السماويات يُشعرك بأنك لا زلت على قيد الحياة، وأن الحياة جيدة، وأنك مليء بالحب الذي ربما لن يعرفه أحد سوى علبة معجون الطماطم.



هامش:

انتهى المخرج برهان سعاده من تصوير الفلم السينمائي الروائي (العزلة) للكاتبة السودانية صباح سنهوري، ومن بطولة الفنان الكبير حسن الشاعر. القصة باختصار تحكي قصة مواطن يصحو فيجد نفسه وحيدا في قرية طينية متهالكة ولا يجد فيها من يؤنس وحدنه وهنا تبدأ معاناة المواطن العربي المهزوم المسحوق وما يدور حوله من احداث وتطورات متسارعة شلت عقله وقدرته على التركيز في الأمور، وسيصار الى عرضه في حفل عام بعد الانتهاء من اعمال المونتاج والمؤثرات البصرية الخاصة التي ستلعب دورا هاما واساسياً في سير احداث الفلم.
 


 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول مقدّمة طينيّة: سيَّارة الثورة التكنولوجيّة (1) كم من الوقت انتظرت لأكتب عن هذا النص العجيب، والذي لم يُعرَف كاتبه إلى الآن، وربما يتعلَّق الأمر بالظروف والملابسات التي نُشر فيها هذا النص الطريف جداً والتراجيدي بهاويةٍ سوداويَّةٍ مُضحكة. أفهم، كما كتبت كثيراً من قبل، والكثيرون من قبلي، أن اتصال الإنسان مع أخيه الإنسان اندلع مع ثورة التكنولوجيا. ولكن لننظر إلى الثورة التكنولوجيّة الرابطة لأجزاء العالم بطريقةٍ أخرى، فبينما كان الرابط في الماضي عن طريق الحروب والاستعمار، رست السفن قبلهما، وأطلّ القطار مؤخراً، ثمَّ طارت الطائرة. لننظر لانطلاقة الثورة من بدايات القرن العشرين كـ(غِيْر) السيارة، وهو ما سأصل به لما ميَّز جيل مواليد الثمانينات. على الأقل في السودان. تنطلق السيارة في الغير رقم 4 بلا كابح وبسلاسة لانهائيّة، وهي المرحلة التي دخلت فيها الثورة التكنولوجيّة سوق التنافس الرأسمالي العابر للقارات. ففي العصر الذي يسمع به الناس بالتلفاز ويصلهم بعد مُختَرِعيه بعشرات السنوات، ولفئةٍ محددة جداً من البشر.

Life weapon’s dictatorship - By: Mamoun ElTilib

Life weapon’s dictatorship By: Mamoun ElTilib Translated By: Ibrahim Jaffar Introductions: ( Tayfara was a military slave of the Cavalry Divisions (the Divisions of Knights) which was relegated to the Sheiks-ministers of Hamaj .   He presumably has been enslaved during one of the sieges of Rajab to the Nuba Mountains within the course of his campaign against Kordofan, for he reached the age of reason in the era of Nasser wad Idris .   Imaginatively, we would correlate Tayfara’s memories of childhood with those of Dogalo Doguendan Ari ; a Nuba boy of the next generation who, like Tayfara, has been, as a young boy, enslaved and taken from his native land.   Dogalo , as a young man in his far-off exile, has vividly lived the memory of his homeland that has been sustained within his soul as a minute world of landscapes, distant and diminutive shapes; young kings wearing jewels and straddling horsebacks; steppes of azure color of bubbly plant under the pur