التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هرمس الثالث يُغرِّد بطريقة برايل!

تنقيب الظلام
هرمس الثالث يُغرِّد بطريقة برايل!

مأمون التلب
eltlib@gmail.com
 (1)
في السنوات الأولى لبدايات القرن الحالي عثرنا على الانترنت! وفي لحظةٍ ملهمةٍ لقدَري عُيّنت، إبَّان دراستي بالجامعة، مُشرفاً على أحد مقاهي الانترنت التي بدأت تنتشر في العاصمة كما الرعشات التي تنفشُّ على ظهر النيل، فانتباتني خُلعةٌ أقلّ ما يُمكن أن يقال عنها أنها كابوسيَّة؛ فلكأنَّ لأحلام الليل قدرةً على التمثّل في الواقع إن كان من الممكن للواقع أن يُحطَّم بهذه الصورة، لإن كان للحواجز أن تتلاشى بسرعةٍ مخلّفةً كمَّاً هائلاً من الهُويَّات الزائفة، والحدود الدوليَّة "الكَاشْفَة" بهَزَلها في ساحة جَلْدها، وألوان الجلود التي تتخذُ وضعيَّة الماء، بل وبكل هذه السهولة والليونة والسيولة. انخَلَعتُ وظللت أجوس وألوص بحثاً عن مواقع الحوار الأدبيَّة والمجلات الالكترونيَّة المُتَخَصّصة بعد أن استُنزِفَت طاقتي في القراءة، بنهمٍ عجيبٍ يُنسيني تعاقب الليل والنهار، لكلّ ما يُمكن أن يَفُوت عليك من قصص وأشعار وروايات كتابك المفضّلين. كنّا شباباً صغاراً في ذلك الوقت، والقلب كان يُخَضُّ بطريقةٍ مختلفةٍ تماماً عن ما يُرجَفُ به اليوم، ويستَنِدُ عليه في سيره.
(2)
لا أتذكّر بالضبط ما الذي حدَثَ مع الشاعرة سولارا الصباح، ولكنها قدّمت، بعد خروجها من أحد المواقع الحواريَّة، مبادرتها المذهلة بإنشاء مجلة (فضاءات) المتخصّصة في الأدب. هناك، ويا للغرابة، عرفتني سولارا على صديقي الشاعر نصّار الحاج، بعد أن نَشَرت لي عدة نصوص أدبيَّة، بعدها، وعبر الرسائل الخطيرة المتبادلة بينهما، تحدث نصار لأخاه محمد الصادق الحاج عني قبل عودته من مصر بعد سنواتٍ قضاها الأخير هناك. يعني أن سولارا، هذه الشاعرة ذات الأصول الكينيَّة، والمقيمة منذ عقودٍ في كندا، قد عرّفتني بأقرب الناس إليَّ، ولم أتشرّف بعد برؤيتها إلى الآن رغم مرور أكثر من 13 عاماً من تعارفنا وصداقتنا المستمرَّة.
(3)
رأيت في المنام، بالأمس، بيتاً مبنيَّاً بأسلوب بيوت الساحل الكيني العربيَّة، كان أزرقاً مائيَّاً برسومات وزخرفات حمراء تلتقيك وأنت تجوب المبنى الواسع، غير المتشابه أبداً، لدرجةِ تضيع كلّما دخلته. رأيت هذه المباني في زيارتي لجزر (لامو) أقصى شمال الساحل الكيني، وهي محميَّة طبيعيَّة الآن تحت إشراف اليونسكو، حُرِّمت فيها السيارات إلى الآن، ولا يستخدم أهلها العرب المسلمون سوى حمير نظيفة وجميلة جداً تجدها في طريقك، أحياناً، تسير كعوائل كاملة: الأم والحمير الصغار يسيرون خلف بعضهم بهدوء في الشوارع الحجريَّة الضيّقة للمدينة، بجدران قصورها المرتفعة. لها مثالٌ في السودان: سواكن، ولكنّه، للأسف، مثالٌ مهدّمٌ مثله مثل ما هُدّم في هذا البلد الحزين. في تلك الجزر، وضمن معروضات غاليري بحري على الشاطئ، عُرِضَ كتاب (سواكن)، ضخم، بصور عظيمة وتخطيطات هندسيّة للمدينة برسوم ساحرة، وبمقدمة بقلم الدكتور منصور خالد. سألت عن سعر الكتاب فردّت فتاةٌ بابتسامةٍ بأنه ليس للبيع، فهي النسخة الأخيرة، وهم لا يدرون إن تبقّت منه نسخ في يومنا هذا. لن يُفرّطوا في الكنز!.
رأيت حفلة لكتاب كُثر عزمتهم سولارا الصباح إلى مائدتها نهار يومٍ غائم في ذلك البيت، وكنت بينهم، وكان هرمس، الشاعر المصري الصديق، هناك، وقد أخذ يقرأ من كتابه الشعري (التغريد بطريقة برايل) الصادر حديثاً. لم نعرف من هو صاحب الوليمة إلا في نهاية الحفل/الحلم؛ عندما ظَهَرت سولارا الصباح بثوبٍ طويلٍ وقد عَقَفت شعرها الطويل الأسطوري في قبضةٍ سميكةٍ أعلى رأسها، وكانت تبتسم.
لم أرَ سولارا من قبل، ربما مرةً واحدة في صورة لا تبين، وكانت هي في الحلم مختلفةً عن صورتها، ولكنها، كما يحدث في الأحلام طبعاً، كانت سولارا ما في ذلك شك. شيءُ يُخبِرُكَ في الأحلام بأن (هذا فلان، وهذا علان) دون أن تكون قد رأيتهم في حياتك من قبل!. ذلك الحلم أَغَام في رأسي مجموعة عجيبة من الذكريات عندما فتحت عيني هذا الصباح، وقلت أكتب عن هذه الصداقات العابرة لكل شيءٍ، تماماً، واللاحمة بكل اختلافٍ وجديدٍ وحارّ الدماء.
(4)
منذ أن عُدت طفلاً في بدايات التسعينات في السودان لم يتَجَرَّأ خيالي بالخوض في أمر السَفَر، أي اتخاذ قرارٍ فرديٍّ بالذهاب إلى أي مكانٍ خارج رقعة السودان الجغرافيَّة الآمنة. إلى أن تأتي اللحظةُ التي تَشعرُ فيها أن روحك تُريدُ أن تَنطلق، وأن ذلك ممكن، وأنه سيكون جميلاً ومحزناً ومؤلماً ولكن، أيضاً، مُكتَشِفاً ومُكتَشَفاً.
سنتخطّى الرحلة التي قطعتها برَّاً باتجاه مصر، (مِلْحاً) على ظهور اللواري السفنجة، وبكاسي الخضار، برفقةٍ مُفيدةٍ وممتعةٍ مع أميليا تشارلس؛ ونتخطَّى الأيام التي قضيتها مع الشاعر والكاتب حبيبنا ميرغني ديشاب في حلفا القديمة، إلى أن نَصِل أسوان! هناك تبدأ عمليَّات للاتصال بالسيستم، نسبةً لعبورك من حدودٍ إلى أخرى؛ على السيستم أن يكون مُختلفاً تماماً كما على الشعوب أن تستمر في اعتقادها منفصلةً، مستقلّةً، وطنيةً بالأحرى. على كلّ حال اتصّلت بشبكة الانترنت، بعد أن اتصلت، طبعاً، بشبكة الموبايل، لأبعث برقمي لأصدقائي في القاهرة، الذين تَبَاعدنا عنهم وتباعدوا عنّا لأسبابٍ من الصعب أن لا تكون معلومةً للجميع، فأرسلتُ عبر الفيسبوك لناس سفيان نابري، أصدقاء القاهرة الكتاااار، ومن ضمنهم وضعتُ اسماً مصريَّاً واحداً: هرمس.
جننتني كتابة هذا الهرمس الكلب من سنواتٍ كثيرةٍ، وعبر سولارا الصباح بالتأكيد، على صفحات مجلَّة فضاءات الإلكترونيَّة بالتحديد، ومن ثمَّ على الفيسبوك. اسمه في الدوسيهات محمد مجدي، ولكن الاسم لا يُذكرُ أبداً؛ اسمُ الشاعر كان هِرمس، ولا زال هرمس، وسيظل زِفِّت! هنالك معلومة مهمّة يجب أن تُذكر أيضاً: لا يضع هذا الشاعر، الذي عرفته في مرحلة ما قبل الفيسبوك، أية صورةٍ على بروفايله، ولم ينشر نصَّاً في المجلات الأدبيّة مصحوباً بصورة، مُطلقاً.
عندما وصلنا القاهرة اجتمعنا في وسط البلد. و يَلاَّ، على تعبير أميليا، السودانيين ياخ؛ لمن يجيهم زول لمَّاتهم بتكبر وتكبر زي السفنجة البتشرب ليها مويَّة لحدي ما تتحوَّل لي: السودانيين ياخ!. في وسط هذه الهيصة ظَهَرَ ولد يتحدّث المصريَّة، وسيم، ذوقه رفيعٌ لا شكَّ، بعيون تُشعّ محبّةً ومعرفة. سلَّم بتهذيب وهدوءٍ شديد، وقال: أنا محمد مجدي. قلت في سرّي: محمد مجدي منو؟، بينما أردّ التحيَّة بتحيَّة مُضادَّة، وبذات المعرفة التي تعرفُ بها أخاك في السلاح!. جَلَس وظلّ يستمع للثرثرة والقهقهات المريعة عندما كنت أسرد أخبار الأصحاب في السودان، كلٌّ يسأل عن شخصٍ فأحكي عن ما شَخَبطَ القدرُ في حياته؛ المآلات الحزينة، والأخرى كوميديَّة سوداء! بعضها مُبهج، وبعضها يُثير التعجّب والانخلاع. ما علينا.
قلت أحادث صديقنا اللطيف على جَنب: يا شاب، إنت بتعرف هرمس صاح؟ ابتسم وقال: أيوا أعرفو. قلت: والزول ده يلقوهو وين؟ فردَّ بتآمر: يا شيخ هرمس ده واحد مغرور خلينا منّو. فقلت، باستغراب: مغرور؟ قال: أيوة، انساك منّو. وضحكنا.

(5)
ظلّ "محمد مجدي" يُداوم على لمّاتنا في الأيام التالية، وبعد أيام التقينا بمقهى فمدَّ لي كتاب شعر، مبتسماً قال: هديَّة. فتحت الصفحة الأولى فإذا بإهداءٍ شعريٍّ ينزُّ هِرمِسِيَّةً وكتب تحته: Hermis! نَظَرتُ إليه كمن انقلَبَ له صديقه، فجأةً، دراكولا، بعيونٌ جاحظة، فانخلع الولد خلعةً شديدة، ما صَعَقه هو أنني رَميتُ في وجهه الكتاب، ذلك ما لم أستطع كبحه من بقيَّة الصدمة والسعادة والشوق والشعور بالخيانة الذي كنت أشعرُ به. بعد أن زالت الخُلعة من وجهه قال باندهاش: في إيه يا مأمون هوَ أنا عملت حاجة غَلَط؟!. تخيّلوا، حاجة غَلَط؟ هذه لا يُمكن أن تُوصَفَ إلا بـ(فتأمّل)!.
صَمَتَ الجميع للحظة انفجرتُ بعدها بالقهقهة حتَّى كاد بطني يَنشرط، واحتضنته بالطبع، هذا الولد البريء الضاحك هو صديقنا الشاعر هرمس، هو الذي يحمل الوحوش بداخله ويُصارعها فيَصرعها دائماً وينتشي بذلك فيكرِّرُ كوابيسه وأحلامه ويُؤمن بالفضاء والقطط السوداء.
(بالمناسبة يا سيّد هِرمس، كيف السيِّد مِشمِش؟ بلّغه التحايا)!

(6)
يحيى هرمس في مدينة حلوان القاهريَّة، والتي هيَ نهاية العالم بالنسبة لخطٍّ من خطوط المترو الطويلة جداً؛ فإليه سَفَر، ومنهُ سَفَر. دَرَس الطب البشري (إنتو الحكاية شنو يا رندا محجوب والنشادر؟)  وعَمِل بعد التخرّج في الجيش لقضاء الخدمة، يَعزف الناي، يحبّ البحر، ويسّاقطُ نجوماً وكواكب.
كنّا رفقاء سَفر واشتركنا في جريمة مباغتت العالم من حيث لا يحتسب؛ أشعنا الفوضى في باصٍّ يقلّ السياح إلى (دَهَب) بسيناء، فاحتفلت المقاعد الخلفيّة من مختلف الجنسيّات. سكنت في بيته أيّام التشرّد وعشنا على البطاطس المهروسة لشهور، وتسكّعنا في مدينة (حلوان) وقابلنا أولاد الحلة والأقرباء. قرأنا الأشعار ونحن وقوفاً متشعبطين في الميترو كلّ بكتابه ونتبادل الاقتباسات. شاركنا الشعراء خالد عبد القادر والسوري باسم دبَّاغ ندوة شعرية مشتركة بمكتبة البلد، مصغّرة، هادئة، وسمحنا بالتدخين فيها رغم صِغَرِ المساحة، وأسميناها (ميترو الأحراش) لكي يتحوّل الاسم، بقدرة هرمس، وبعد أن نُشرت الصور، إلى (أربعة قمصان كاروهات)، فقد تصادف اشتراكنا في هذه النوعية من القمصان. اشتركنا، لاحقاً، مع مازن مصطفى ومحمد الصادق الحاج وسولارا الصباح، في تأسيس صفحة شاعر ألمانيا العظيم راينر ماريا ريلكه باللغة العربيَّة بموقع (فيسبوك)، لنتفاجأ بعد أعوام أنها أصبحت الصفحة الرسمية له، وفي كلّ يومٍ يتزايد عدد المتابيعن. تَرجم هرمس قصائد له، كذلك فعلت سولارا.
(7)
يلحُّ عليَّ الادعاء بأننا، جميعاً، نَشعُرُ بأن زمناً كهذا لهو زمنُ أنبياء ـ يعني بحلّنا شنو غير نبي؟ ـ مثلما حدث في كلّ مكانٍ في العالم كلما اندَلَعت قيامةٌ كبرى؛ الحروب الكبرى والكوارث الكُبرى، ولكنَّ هذا الزمن؟ لقد تمَّ تفصيله، وفي كلِّ حينٍ يحدث تفصيلُهُ، في الكتابات والآداب بأهواله وشظاياه وانحطاط القلوب وقهقهة الشياطين وبكاء النيازك! وأقول ذلك انطلاقاً من انفالاتاتٍ لغويةٍ حاملةٍ بالصراخ من العذاب؛ صورٌ تصرخ، رموزٌ؛ تصرخ الكلمات والوجوه في الشوارع ويخرج ذلك مُسرَّباً عبر كتاباتٍ كثيرةٍ تنتشرُ هنا وهناك، في اللوحات تُرى فداحة هذه الصرخة لمن أتَّى منهم بقلبٍ سليم. على كل حالٍ يقول هرمس: 
[في الزمن الذي سماؤه تكدّست بالرصاص
في الزّمن الذي أرضهُ لا تجاوب أقدام الحفاة
في كوكبٍ ينفجرُ وسط ضحكات الأغبياء
تعثّرتُ في الطبيعة وهي تسقطُ
مِن تحت الأرض لفوق السحاب
ولا بريد ينزل ليطفئ
ولا أجساد تصعد لتولّع بالغضب الأقدس نار الإكليل
وتغرسه في الأرض ويُنادى:
لم ينادِ أحد ولم يقُل أحَد
الطّيرُ تنسخُ الطّريق وتسرده الآن
الحمامُ العابرُ فوقَ الساحات مُفخّخ
والعصافيرُ تغرد بطريقة برايل].

لماذا أفكّر الآن بالعواء المتصاعد المُشتَرَك؟ لماذا أفكّر بسطوح منازلٍ كثيرةٍ يَخرجُ من شبابيكها دُخان عواء، مُتصاعداً من أجسادٍ تجلس متوحّدةٍ ومخنوقةً بالتحرّق والتشوّق والمحبّة. لماذا أفكّر في أفرادٍ كلّ ما يقلقهم إيمانُ البشر بتميّزهم الفَتَّاك؛ تميّزهم عن الطبيعة والحيوان، تميّزهم عن بعضهم البعض. إنّه لأمرٌ مقلقٌ بعض الشيء ويورث اليأس؛ أشدّ ما يغيظ أنّ ما تنصرف عنه من جمالٍ من الممكن أن تناله وحدك، تحتفظُ به بدبمعتك، وتبيها لدمك وجلدك، يدفعك للإنغماس في عواءٍ يتشابك ويتراقص في هواء المدن المُتنفِّسة؛ هل تسمع النجوم؟ من يسمع؟. يأمر هرمس الثالث:
 [أغضبوهم. سدوا عليهم فرج حياتهم البائسة وأغضبوهم. ازرعوا الشَكَّ في قلوبهم وحَوِّلوا النوم بين أعينهم لترابٍ وصديد. لوِّنوا وجوهكم بأزرق الإفاقة من الوهم، كَسِّروا شاشات أحلامهم المريحة، وانزعوا عن قلوبهم الأمل. اصفعوهم بكفوفكم الآن سيصفهم الرصاص، أحيلوا اللبن الفاسد الذي يجري في عروقهم المرهقة لدماء. سَخِّنوا القِدر الذي ينتظرون فيه أن يؤكلوا. ضعوا مقودهم في أيديهم الراجفة وعلموهم الحوادث. إنكم إن لم تفعلوا غَلَبهم الموت الحي، وساحوا في جحيمهم العاطلة يتبادلهم الأسياد بأسبقية الصحو عليهم. عذِّبوا عقول العامة. اخذلوا سهولتهم. تربصوا لهم في راحتهم و أفسدوا عليهم موتهم الرخيص. ]
(8)
لا يرى شعرُ هرمس خرابَ العالمِ في بقعةٍ أو مكانٍ أو جغرافيا، إنّه يراه كما هو: خراب العالم الذي يسير ويأكل الطعام ويمشي بين الناس. فيشتدّ ألماً، كما نتألم، جميعاً، يوميّاً، على النبيّ القادم. إنني أختم هذه المحبَّة الخالصة بختام قصيدة (التغريد بطريقة برايل)، عنوان كتاب هرمس الصادر عن دار (كلمة)، الديوان الأول:

[يا لشفقتي على النّبي الذي تنتظره شرائع العالم
ينزل إلى الشط، يُخطفُ لحوَّامة تأخذه وراء الشمس
يا لعذاب العالمين ودموعه تُراوحُ بينَ الغضب والرحمة
تسقطُ على الميادين والتماثيل والمداخن والقضبان والتواريخ
والأوكار والكهوف، والحقول والمشارف والمظاهرة والمصنع والمجاهرة
والمدافع والهمس والمدافن والمجاهل والقناعة والرضا
والمنافع والمدارس والقصور والخبز والغابات والقباب
وحِجارِ القلوب، والجحور والمآسي والأعراس.
تسقط على كلّ هذا دموعه فيذوب
فينجرف في الدموع.

أشهِدُكَ يا غروبُ أني رأيت الحربَ تصرخُ في الشّبابيك
والموت مكسورًا على عباراته في القلوب
وأني الصاحي لأسأل عن الوقت
الواقف لأبادِلَ موتًا بموت
الماشي لأبقر الصمت
مَن؟ لأنّ الصمت ترتّب في التأويل والليلُ داخل.
مَن؟ لأن الصّفير أخلى مكاني من الأنفاس ووقفتي هُنا طالتْ.
مَن؟ لأن الهمّ صبّرني على السفح ومضى
وامتلأت رئتي بالماء وأوردتي حبال سفينة وأنا السارية والبحر عالٍ].

نُشر بجريدة الرأي العام
3 مارس 2014م.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول مقدّمة طينيّة: سيَّارة الثورة التكنولوجيّة (1) كم من الوقت انتظرت لأكتب عن هذا النص العجيب، والذي لم يُعرَف كاتبه إلى الآن، وربما يتعلَّق الأمر بالظروف والملابسات التي نُشر فيها هذا النص الطريف جداً والتراجيدي بهاويةٍ سوداويَّةٍ مُضحكة. أفهم، كما كتبت كثيراً من قبل، والكثيرون من قبلي، أن اتصال الإنسان مع أخيه الإنسان اندلع مع ثورة التكنولوجيا. ولكن لننظر إلى الثورة التكنولوجيّة الرابطة لأجزاء العالم بطريقةٍ أخرى، فبينما كان الرابط في الماضي عن طريق الحروب والاستعمار، رست السفن قبلهما، وأطلّ القطار مؤخراً، ثمَّ طارت الطائرة. لننظر لانطلاقة الثورة من بدايات القرن العشرين كـ(غِيْر) السيارة، وهو ما سأصل به لما ميَّز جيل مواليد الثمانينات. على الأقل في السودان. تنطلق السيارة في الغير رقم 4 بلا كابح وبسلاسة لانهائيّة، وهي المرحلة التي دخلت فيها الثورة التكنولوجيّة سوق التنافس الرأسمالي العابر للقارات. ففي العصر الذي يسمع به الناس بالتلفاز ويصلهم بعد مُختَرِعيه بعشرات السنوات، ولفئةٍ محددة جداً من البشر.

Life weapon’s dictatorship - By: Mamoun ElTilib

Life weapon’s dictatorship By: Mamoun ElTilib Translated By: Ibrahim Jaffar Introductions: ( Tayfara was a military slave of the Cavalry Divisions (the Divisions of Knights) which was relegated to the Sheiks-ministers of Hamaj .   He presumably has been enslaved during one of the sieges of Rajab to the Nuba Mountains within the course of his campaign against Kordofan, for he reached the age of reason in the era of Nasser wad Idris .   Imaginatively, we would correlate Tayfara’s memories of childhood with those of Dogalo Doguendan Ari ; a Nuba boy of the next generation who, like Tayfara, has been, as a young boy, enslaved and taken from his native land.   Dogalo , as a young man in his far-off exile, has vividly lived the memory of his homeland that has been sustained within his soul as a minute world of landscapes, distant and diminutive shapes; young kings wearing jewels and straddling horsebacks; steppes of azure color of bubbly plant under the pur