التخطي إلى المحتوى الرئيسي

نَهرٌ راءٍ - نص جديد - مأمون التلب



نَهرٌ رَاءٍ
مأمون التلب
(إلى فيليب غلاس)
......



(1)
حيواناتٌ في حبٍّ جائر،
يأتي من زمنٍ ماضٍ،
يَنبُشُ بوَّابةَ حائر 
أَغْلَقَ محَّارةَ جنيٍّ ماتَ،
وكالَ الكَونَ بقلبٍ سَائِر.

في الأعمَاقِ البَاقِيَةِ على الأرضِ تجلَّى؛
رَهْطُ جحيمِ الأرضِ تَحلَّى،
بأَسَوارِ نايٍ معصوبِ العينينِ يُغرِّدُ في أعماق النهرِ،
وفي أعصاب القهرِ يُولولُ مكلومَ القلب.

إذا ما جلَّدكَ النيلُ بنار جمالِهِ،
وحَاصَرَتِ الحيونات مَخَازِنَهَا الشتويّة بالليل؛ 
وأكوانُ نجومٍ لم يُعرَف عن خالِقِها جِسْمٌ،
وسهامُ جلالٍ يَنْطِقُهَا مَا جَلَّ ونَالَ ظِلالاً مِن ظِلِّ كَيَانِ النيل؛
فستحرثُ أكوانُ الأرضِ سَلامَتَها باسمٍ يُنطق،
ولن يَسْلَم حيٌّ إلا ورَمَتْهُ سهامُ الاسم بجيشِ جمالِه،
وتَلَتْهُ تِلالُ الويل.
...
حيواناتٌ في الحبِّ تُراقصُ وَتَر السيل.

(2)
الوترُ على سَطْحِ بِحَارِه،
مالَتِ القافلة العمياء بشهَابِه،
في صحراءٍ لن تَذِرَ واذِرَتُها وِذرَ أخرى.

الكون بآلائه لن يَسكُتَ عن جِنانِه،
والغيبُ، وإن صَعَقَ الناسَ بحبِّ سِهامِه،
وَجَبَ عَلَيهِ الشَدوَ بحلوِ غنائه.

(3)
بجوارِ النيلِ ستسقُط حيوانات الحب،
يحتفلُ الظلّ بكَوْنِ حياةِ الظلِّ،
ويَطلُب إذناً لولوجِ الكون،
من نافذةٍ تُدعى عينُ الإنسان.

ذاك السابح بخلاياه خلال الماءِ
وقد سجَّلَ، بكثافةِ مَوجٍ، بصمةَ عُريٍ من تقييد التعريفِ
وزهرةَ سَلبٍ يخطفها الطيرُ الجارح وهو يعاركُ طيراً أَجْرَح...
....
أجرحَ كي يتنكَّلَ حبُّ الحيوان.

(4)
النّار النَيِّرةُ تُراقب أعقاب خلاياها:
تنتظرُ اللَّحد المشقوقَ القلبِ يعاني من أنحاء الماء الساكنةِ بعُمقَ دموعٍ خانَته؛ وفي أيَّامٍ لم يَعرِف عنها شيئاً، لم يُخلق لجمال سلامتها مِثْلٌ: لم يَجْتَزْ شَارَتَهَا المنقوشةُ في المِعْصَمِ، في العَرَقِ المُمتدَّ على سطحِ الفخْذِ؛ وبالشامةِ نارَت عُريَ الُأذْنِ، وبالكلمة:
(تعالجُ مَشْيَ الناسِ، 
تهاجمُ ألوانَ سلامتها).

النّار النيّرة تُهاجمُ كلَّ مناطقنا الذهنيّةْ،
وتُثيرُ هواجسَ ناسٍ تُخرِجها مرآةٌ تَنتصبُ أمامك.
لتناولها من نفسِكَ شيئاً، 
يوميّاً، 
ومتاحاً ومُباحا،
ها هامات الناسِ تُلامسُ وَتَرَ جمَالِكَ،
فبأيّ الآلام تُسافر، وبأيّ الغَدرِ تُساوم؟
ها السوقُ تبدَّى في كلّ الأسماء:
في السُّهدِ تجنَّى من كلّ سلاحٍ يَخلقهُ يوميّاً في آلاء النّهر.
.....
نَهرُ النيل
نهرٌ راءٍ،
نهرٌ أعمَى.

ـــــــــــــ
سبتمبر 2016م - 4 أبريل 2017م
اللوحة من أعمال: عبد الله محمد الطيب (أبسفّه)

تعليقات

  1. دائماً ما أقول نحن نكتب لاننا ربما نهب الحياة حين نكتب .. وفي هذا النص شئ ابعد من الحياة ربما عدة حيوات .. ..

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول مقدّمة طينيّة: سيَّارة الثورة التكنولوجيّة (1) كم من الوقت انتظرت لأكتب عن هذا النص العجيب، والذي لم يُعرَف كاتبه إلى الآن، وربما يتعلَّق الأمر بالظروف والملابسات التي نُشر فيها هذا النص الطريف جداً والتراجيدي بهاويةٍ سوداويَّةٍ مُضحكة. أفهم، كما كتبت كثيراً من قبل، والكثيرون من قبلي، أن اتصال الإنسان مع أخيه الإنسان اندلع مع ثورة التكنولوجيا. ولكن لننظر إلى الثورة التكنولوجيّة الرابطة لأجزاء العالم بطريقةٍ أخرى، فبينما كان الرابط في الماضي عن طريق الحروب والاستعمار، رست السفن قبلهما، وأطلّ القطار مؤخراً، ثمَّ طارت الطائرة. لننظر لانطلاقة الثورة من بدايات القرن العشرين كـ(غِيْر) السيارة، وهو ما سأصل به لما ميَّز جيل مواليد الثمانينات. على الأقل في السودان. تنطلق السيارة في الغير رقم 4 بلا كابح وبسلاسة لانهائيّة، وهي المرحلة التي دخلت فيها الثورة التكنولوجيّة سوق التنافس الرأسمالي العابر للقارات. ففي العصر الذي يسمع به الناس بالتلفاز ويصلهم بعد مُختَرِعيه بعشرات السنوات، ولفئةٍ محددة جداً من البشر.

Life weapon’s dictatorship - By: Mamoun ElTilib

Life weapon’s dictatorship By: Mamoun ElTilib Translated By: Ibrahim Jaffar Introductions: ( Tayfara was a military slave of the Cavalry Divisions (the Divisions of Knights) which was relegated to the Sheiks-ministers of Hamaj .   He presumably has been enslaved during one of the sieges of Rajab to the Nuba Mountains within the course of his campaign against Kordofan, for he reached the age of reason in the era of Nasser wad Idris .   Imaginatively, we would correlate Tayfara’s memories of childhood with those of Dogalo Doguendan Ari ; a Nuba boy of the next generation who, like Tayfara, has been, as a young boy, enslaved and taken from his native land.   Dogalo , as a young man in his far-off exile, has vividly lived the memory of his homeland that has been sustained within his soul as a minute world of landscapes, distant and diminutive shapes; young kings wearing jewels and straddling horsebacks; steppes of azure color of bubbly plant under the pur