لماذا لا تتحول لجان المقاومة
لحركة سياسيّة؟
مأمون التلب
هنالك وهمان، يُطلقان على
عواهنهما، للجم لجان المقاومة من التحوّل لحركة سياسيّة، رغم تحوّلها أصلاً،
بميثاقها الثوري لحركة. أول الأوهام: لا توجد ديموقراطيَّة بلا أحزاب، وهي قولة حقٍّ
أريد بها باطل، والباطل هو تحول اللجان لحركة سياسيّة واعية ومدركة لمآلات بلادها
الذاهبة إلى التحطّم.
والوهم الثاني: أن تحوّلها
لحركة سياسيَّة قد "يبوظّها" كما باظت بقيّة الأحزاب، بما فيهم الحزب
الشيوعي السوداني "النقي"، طيّب السؤال: إنت تبوظ براك ليه؟ ما عايز
الناس يبوظوا معاك ليه؟ لأن جميع الحركات السياسيّة تحتّم، وترتجي من لجان المقاومة
أن تكون فقط مُرَاقِبَة، مجرّد أفراد في "مجلس تشريعي ثوري" يراقب أداء
الأحزاب. وبصراحة، لقد زهجنا من هذه الأوهام، وعلى اللجان أن تتقدَّم وتُعلن عن
نفسها كحركة سياسيَّة في الانتخابات القادمة، لأننا جميعاً نعلم أن حميدتي سيرشّح
نفسه كرئيس للبلاد، وبالديموقراطيَّة قد يفوز، وهو يسعى -كما تسعى أحزاب الاتحادي
والأمة- لترسيخ الديموقراطيَّة لأنها ستأتي بهم كحكّام.
جميعنا يعرف كم يكنّ حزب
الأمة حبّاً ضخماً للديموقراطيّة، والاتحادي الديموقراطي، لا لشيء سوى أن هذه
الديموقراطيّة الحزينة دائماً ما تأتي بهم على رأس السلطة.
لماذا لا تتحوّل لجان
المقاومة لأعظم حركة سياسيّة ملهمة في تاريخ البشريّة أجمعها؟ لماذا لا تمتد
تجربتها لتشمل العالم؟ لماذا هذا التحديد، والتقييد، والإغلاق المُبرّ بمآلاتها؟ الحزب الشيوعي هو من يفعل ذلك، وبإصرارٍ غريب،
وبأنانيَّةٍ مُطلقة. إذ إن
تحوّلت لحركةٍ سياسيّة، ماذا تبقَّى لهذا الحزب غير قيادة متكلّسة، غير مواكبة،
تقليديّة ودينيَّة في فهمها لثورات الشباب حول العالم.
بدايةً، وقبل التتبؤ بمآلات
الثورة المستمرّة منذ ديسمبر 2018م داخل "حدودنا"، علينا أن نضعها في
مكانها الصحيح كامتداد لثورات الفقراء والمُكبَّلين، المعزولين والمقصيين،
المُستعبدين والمُستَبعَدين، ثورة "الآخرين" الذين لم يكن لهم صوتٌ في لوحة
الجنون الخلابة لعالم الأمس الذي يبدو أن لا أمَل في إصلاحه؛ فلا هي ثورة
سودانيَّة، ولم يُنجزها ما يُمكن أن يُسمَّى "شعب السودان"، أنجزها الإنسان في هذه الرقعة المُميزة من الأرض
بنيليها، ولها، بالطبع،
خصائصها، وما يميّزها في خارطة الصراع الثوري العالميّ، منذ
سلميّتها وصولاً إلا الاختلاف الخلاَّق لمُنجزيها على أرض الواقع.
الصراع الثوري في العالم بلغَ
مداه العُنفِيّ وجاوزَ حدوده، "غضبُ الملعونين" حَمَل السلاح وشكَّل
المليشيّات ولم ينجح، لكنّ الثورات الشعبيّة اجتاحت العالم، وبدأت تُلهم بعضها
البعض وتتنامى. إلا أن تفرّقها ظلّ دائماً ما يَهزِمُها، إذ تنفردُ بها وحوش السوق
العالمي، وتحالفاتها ذات الرؤوس المُتعدّدة؛ بلا أية ملامح آيديولوجيَّة هذا
الحين، بل الوقاحة الصارخة لإبراز القوَّة فقط، ولا هدف سوى إثبات القوّة الساحقة.
ملمحٌ وحيدٌ نراه في خلفيّتها: تجاعيد أوراق النقدِ في يد الفقراء المُتَعَرِّقة.
تصاعد الثورة في أرضنا وصل
حدّاً غالياً في مقارعة رؤوس تحالفات الوحوش العالميّة، المُتخصّصة في وأد غضب
الناس وإسكاتهم ورشوتهم -وهو ما نجح مرات عدّة- حدّاً ارتُكِبَت لقتله مجازر
متتالية لم تتوقّف أبداً، في العاصمة اليوم نرى الحرب تُراقبنا في النوافذ،
احتلَّت الثائرات والثوار الشوارع والحكومة، وبارتباكٍ تتبعثر مركبات الجيوش
المتعدّدة وتتراكض بيأس، والعالم يُراقب هذا الشباب وهو يُركِّع أعتى التحالفات
العالميّة. لقد كان الانقلاب الأخير في 25 أكتوبر 2021م، وتوقيع الدكتور عبد الله
حمدوك، لاحقاً، اتفاقاً مع الانقلابيين؛ كان هو التحوّل في المواجهة ما بين
الثوّار والانقلابيين، إلى مواجهة -لا زالت تحبس أنفاس العالم- ما بين الثوّار
وجميع شياطين السوق العالميّة؛ فجأة، بدا أن أملاً في وجود إرادةٍ للشعوب يتكشَّف،
وذلك أمرٌ لو تعلمون مُخيف.
(2)
عليها -الثورة- أن تُدرك أن
مآلها الأساسي في الاستمرار، ليس في تحرير شعوب نهري
النيل وما جاورها فقط، بل في إلهامها وتأثيرها على شعوب العالم أجمع، كما فعلت ذلك
ثورات سابقات وآنيَّات إن كان من مُتابع.
يقول ميللر، مرةً أخرى:
"إن المحلل النفساني، أينما كان، يخوض قتالاً
يائساً؛ فمقابل كل فردٍ يُعيدهُ إلى مجرى الحياة، أو "يكيّفه"، كما
يُقال، ثمة درزينة من اللامتكيّفين. ولن يكون هنالك أبداً ما يكفي من المحللين
بالمهمّة، مهما أسرعنا في تحضيرهم. تكفي حربٌ قصيرةٌ واحدة لتحطّم عمل قرون،
وطبعاً ستحقِّق الجراحة تقدّماً جديداً، مع أنه من الصعب التنبؤ بمبلغ فائدة هذا
التقدّم. يجب تغيير طريقة حياتنا كلّها. لا نريد تطبيقات جراحيّة أفضل، نريد حياةً
أفضل. لو أن كل الجراحين، كل المحللين، كل الأطباء ينسحبون عن نشاطهم ويجتمعون
مرةً معاً لفترةٍ قصيرة ليستريحوا على مدرَّج أبيدوروس، لو أمكنهم أن يُناقشوا
بهدوءٍ وسكينةٍ الحاجة الملحّة، المتطرفة للإنسانيّة بمجملها، لانبثق الجواب
بسرعة، ولكان إجماعيّاً: ثورة، ثورة تشمل أطراف العالم من أعلاه إلى أدناه، في كل
بلد، في كل طبقةٍ اجتماعيّة، في كلّ مجالٍ للوعي. الصراع ليس ضدّ المرض: المرض
نتيجة ثانويّة. وعدو الإنسان ليس الجراثيم، بل الإنسان نفسه، غروره، تحاملاته،
غباؤه، غطرسته. لا طبقة اجتماعية منيعة، لا نظاماً يحوي الدواء العام. على كلّ
فردٍ وحده أن يثور ضدّ طريقة الحياة التي ليست له. ولكي تكون الثورة فعّالة يجب أن
تكون مستمرّة ولا تعرف الرحمة. ولا يكفي الإطاحة بالحكومات، والسادة والطغاة: على
المرء أن يُطيح بأفكاره المتوارثة حول الخطأ والصواب، حول الخير والشر، والعدل
والظلم. علينا أن نتخلّى عن خنادق القتال الضاري التي غرزنا أنفسنا فيها ونخرج إلى
الهواء الطلق، نسلّم أسلحتنا وممتلكاتنا، وحقوقنا كأفراد، وطبقاتنا الاجتماعية،
ودولنا وشعوبنا. ولا يمكن لبليون إنسان يفتشّون عن السلام أن يُستَعبدوا. لقد
استعبدنا أنفسنا بنظرتنا الحقيرة المحددة للحياة. جليلٌ أن نُقدّم حياتنا من أجل
هدف، أما الموتى فلا ينجزون أي شيء. الحياة تتطلب منا أن نقدّم المزيد ـ الروح،
النفس، الذكاء والنيّة الطيبة. الطبيعة دائماً على استعدادٍ لترميم الثغرة التي
سبّبها الموت، لكن الطبيعة لا يمكنها أن تزوّدنا بالذكاء، والإرادة، وقوّة الخيال
لنقهر قوى الموت. الطبيعة تُخزّن وترمم، لا أكثر.
ومهمّة الإنسان أن يستأصل الغيرزة المُميتة،
اللامحدودة في تشعّبها ومظاهرها. لا فائدة من مناشدة الله، كما أنه من العقم
مقابلة قوّة بقوّة. كل معركةٍ هي زواج مُسربل بالدم والألم، كل حربٍ هي هزيمة لروح
الإنسانيّة. ما الحرب إلا استعراض هائل على النمط الدرامي للصراعات الصوريّة،
الجوفاء، المثيرة للسخريّة التي تحدث يوميّاً في كل مكانٍ وحتى أثناء ما يُسمَّى
بأوقات السلم. كل إنسانٍ يُساهم في استمرارٍ في هذه المجزرة، حتى أولئك الذين
يبدون منعزلين. كلنا متورّطون، كلنا مشاركون طوعاً أو كرهاً. الأرض هي خَلقنا ويجب
أن نقبل بثمار خلقِنَا. وما دمنا نرفض التفكير بلغة خير العالم وخيرات العالم،
بنظام العالم، بسلام العالم، فسنظلّ نُخدع ونقتل بعضنا بعضاً. ويمكن أن يستمرّ هذا
حتى يوم القيامة، إذا أردنا له. لا شيء يمكن أن يُوجِدَ عالماً جديداً وأفضل إلا
رغبتنا فيه. الإنسان يقتل خوفاً – الخوف أفعوان متعدد الرؤوس. وما إن نبدأ بالذبح
فلن نكفّ عنه. ولن تكفي الأبديّة لإبادة الشياطين الذين يعذبوننا. مَنْ وَضَع
الشياطين هناك؟ هذا سؤال على كلٍّ منا أن يطرحه على نفسه. ليفتّش كل إنسانٍ في
قلبه. لا الله ولا الشيطان هو المسؤول، وطبعاً ليس أيّاً من الوحوش السقيمة كهتلر،
وموسليني، وستالين، ولا بعابع مثل الكاثوليكيّة، والرأسمالية، والشيوعيّة؛ منْ
وَضَع الشياطين في قلوبنا لتعذّبنا؟) انتهى.
إن انعدام الأمل الكامل في
الإصلاح والتحرير هو ما يدفع الناس إلى التضحية في كلّ مكان، بأنفسهم وكلّ شيء. قبل أكثر من خمسين عاماً قال هنري ميللر،
في حَرفيَّةٍ أحسده عليها: (إن الوحش طليق، يطوف
العالم. لقد أَفلَتَ من المختبر. وهو في خدمةِ كلّ من يجد الشجاعة على استخدامه.
العالم أَمسَى، حقيقةً، رقماً! إن أخلاقيّة الوجهين، مثل كلّ ذي وَجهين، قد
انهارت. وهذه الفترة هي فترة التدفّق والخطر المحيق. لقد حلَّ الانجراف الكبير.أما
الحمقى فيتحدثون عن الترميمات، والتدقيقات، عن الانحيازات والائتلافات، عن التجارة
الحرّة والاستقرار الاقتصادي، والإصلاح!. لا أحد يؤمن من الأعماق بأن وضعيّة
العالم يمكن تصحيحها. كل واحد ينتظر الحدث الكبير، الحدث الوحيد الذي يشغل تفكيرنا
ليل نهار: الحرب القادمة. نحن عبثنا بكلّ شيء، فلم يبقَ بيننا من يعرف كيف، ومن أين يصل إلى
التحكّم. المكابح لا تزال موجودة، لكن أتراها ستعمل؟ نحن نعرف أنها لن تَعمل. قد
انطلَقَ المارد. لقد أمسَى عصر الكهرباء متخلّفاً وراءنا، كأنه العصر الحجري.
عصرنا هو عصر القوّة، القوّة الخالصة الصريحة. اليوم... أمامنا: إمّا الجنّة أو
النار، ولا وسط بينهما. وكل الدلائل تُشير إلى أننا سنختار النار).
اختارت ثائرات وثوّار السودان
النار، نار العزلة في عالمٍ لم يعد باستطاعته أن يمد يداً لمن يُؤمن -في عالم
الفقراء- بحلمٍ مُستَحَق كـ"الحريّة والسلام والعدالة"، أو دولةٍ مدنيّة
في مناجم يجب أن تحرسها القوّة العسكريّة لأجل من ظلّوا ينهبونها طوال عقود! أو
كما قال: "أخلاقيّة الوجهين، مثل كلّ ذي
وَجهين، قد انهارت".
اليوم "الدّم هو المقياس"[i]،
وهو اللذي يدعو -بتدفّقه يغمر الأرض- إلى أن يعود بعض
الاحترام الإنساني إلى عالمنا؛ أن
تكون الأخلاق والمُثل
التي يحكم باسمها عالم شركات اليوم حقيقيّة، ليس فقط حقوق الإنسان وديموقراطيّة
رأس المال العبثيّة، ولكن محواً كاملاً لعالم مُنهار مضى، وأجيال اليوم، المتّصلة،
لن تقبل بما رضينا به نحن أبناء "الحدود".
(3)
لم أؤمن يوماً بمفهوم
"الجيل"، ولم يظهر
لي في حياتي الشخصيّة، إذ لم
يكن هنالك حواجز جيليَّة بيننا ككتاب وفنانين مثلاً؛ في هذه الحقول يتجلَّى أن المفهوم سيضمحل يوماً، وقد جاء يوم اضمحلاله في حقبتنا
هذه. الكثير من
الكتابات تُمجّد هذا "الجيل" المُختلف، ولكن فيمَ الاختلاف؟ لقد رأينا ذات الشجاعة والبسالة
والإقدام عند الشابات والشباب عندما كنّا في سنّهم، وفي من ثاروا من قبلنا كذلك،
وفي جميع ثورات العالم منذ اندلاع الثورة الأولى، وهي بزوغ العقل في الحيوان: لقد هُزمت
انتفاضاتنا واحدةً تلوَ الأخرى لأسبابٍ متعدّدة؛ من بينها عدم تهيّؤ اللحظة
الثوريّة المناسبة، وربما انفصال الحركات المُناهضة للنظام (حركة طلابيّة، أحزاب،
صحفيون، حركات مُسلَّحة..إلخ)
عن الشارع المُتواطئ مع
النظام بصورة أو بأخرى (وأعني به أهل "المركز" وما حوله)؛ الشارع الذي
لم يرَ الانهيار الاقتصادي المُوشك على الانفجار في المستقبل غير البعيد.
هذا الحديث يقودنا لمناقشة
وفحص مفهوم حقيقي آخر أُريد به باطل، وهو: "الثورة تراكميَّة"، والتي
كانت سبباً في تراجع ثورة ديسمبر، إذ أَسلَمَت الثورةُ قيادتها لحَمَلَة سِيَر النضال الذاتيَّة، مُرصَّعةً بالاعتقالات
وجلسات التعذيب ومواجهة عنف الدولة المُستمر لأكثر من ثلاثين عاماً، هم ذات
الأشخاص اللذين وقفوا في منصّات اعتصام القيادة العامة، تشبّثوا بالمايكات، وعدوا
الناس وقادوا التفاوض؛ لقد وضع الشباب الثائر ثقته كاملةً في من قالوا لهم إن
"الثورة تراكميّة"، وأن ما أُنجزَ كان امتداداً طبيعيَّاً لنضالات
الأمس، حتّى أن بعضهم أتوا من خارج البلاد يحملون معهم سِيَر "المنفى"
واتخذوا مقعداً في قطار الثورة بكل راحة ضمير.
إنّها طبيعة الكائنات عندما
تُعايشُ طقوساً قاسيَةً، وتنطبق على الإنسان، وهو يواجه عُنف الدولة الأشدُّ
قسوةً، ما ينطبق على التنظيمات الاجتماعيّة البشريّة، كالأحزاب والتنظيمات المدنية
والحركات المسلّحة والحراك الطلابي وغيرها؛ تتحوَّر لتواجه آلات العنف، كلٌّ
بأدواته، وكلما توحَّش العنف وتسلَّح قابلته الأجسام بما هو أشد وأمضى؛ تتبعُ ذلك
حالات مَرضِيَّة وصدمات عميقة وهواجس أمنيَّة، ثمَّ هنالك حبّ القيادة، وغيرها من
الأمور التي يطول شرحها هنا، لكن في النهاية: هكذا يُنجبُ العُنف قادَتَه.
عندما تطاول عندنا عنفُ
الدولة لعقودٍ كنّا نمرّ بتجربةٍ موازية، وهي اختبار هذه القيادات المُعارضة
للنظام الفاشي ومراقبتها، وكان لي حظٌّ عظيمٌ في مقابلتهم واحداً واحداً، يعودُ
الفضل للكتابة وامتهان الصحافة الثقافيَّة والسفر و، بالتأكيد، شلاقة الشَّاعر،
وبالقيادات أعني أهل "النضال الذكوري"[ii] مراجعة
نجلاء التوم.
هنا لن أتحدّث عن من أحببت
منهم، وتعلّمت على يدهم، وخبرتُ محبّتهم لأرض النيلين. أغلبيّتهم لا يظهرون في
الساحة كفاعلين، ولم يتقدّموا لقيادة، لكنّ تهمشيهم وإبعادهم المُتعمَّد تمّ من
جميع المؤسسات ما بعد الثورة، مثلما كانوا يناضلون وحيدين في أزمنةِ الرعب والقسوة
الشديدين.
(4)
"الخطأ -حسب رأيه قبل كل شيء- مُساعدة مُفيدة لنا
لأننا بدونه لا يمكننا تصوّر البحوث العلميَّة. بواسطة مُعادلة الخطأ والصواب
يُمكننا الوصول بالتدريج إلى الحقيقة التي هي، في الوقت ذاته، مؤقَّتة، إلى حين
نُبرهن بالتجارب بطلانها. العلم لا يمكنه التوقف عند مستوىً معيَّن من المعرفة،
العقل البشري، لا يتوقَّف عن طرح الأسئلة الجديدة والبحث عن أجوبة لها، وهكذا
دواليك.
(...) البشريّة في الماضي كانت تظنّ أن الأرض هي
مُجرّد لوح يحمله الحوت على ظهره، وكم بُذلَ من الجهد حتَّى اقتنعنا أن الأرض تدور
حول الشمس، وليس العكس. اليوم أصبحنا في مجال فهم الفضاء أكثر بُعداً، ولكن حتّى
هذه المرحلة ليست نهائيّة.
-
هل
تريد القول إننا حتّى في هذه اللحظة نعيش في الخطأ؟
- تماماً. من وجهة نظر المعرفة المستقبليَّة
بالتأكيد؛ إذ لا توجد في تاريخ الإنسانيّة لحظة واحدة لم تقف فيها البشريّة على
أُسس خاطئة، ولكن هذا لا يعني أنه من الضروري أن يكون الوصول إلى نهايات كارثيّة
أمرٌ طبيعي. لقد عشنا مثل تلك الفترات، ولا زلنا هنا، أليس كذلك؟"(1).
تعليقات
إرسال تعليق