التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كَوَابِيس المَاء

كَوَابِيس المَاء
مأمون التلب


كحيتانٍ منتحرةٍ
انبَطَحت أعضائي على اليابسة.
هاجَمَتها كَرَّاً وفرَّاً،
ودائماً؛
عند انتهاء الأنفاس الشَرِسَةِ،
عند انطفاء أحلام الدم النائم على الساحة،
بعد تجميعِ الظلال لأثوابها الممزقة بالأسلحةِ العَيْنِيَّة،
وبعد انتشاء النبضات من خفوتها التدريجي؛
انزوت، عضواً عضواً، بالأسلحة تبكي عليها في نهاية اليوم.

تكونُ الأسلحة كارثةً تتكرّر مشاهد انفرادها باللحم والذكريات في الكوابيس؛
ذلك النوع الذي تُجبَرُ فيه على التنفّس تحت الماء،
واستلام أوراقٍ ومراسلاتٍ غامضةٍ من أشخاصٍ تعوّدوا الولوج إلى هناك،
ولا يتميّزون عن كوابيس الماء في شيء.


(1)

[كانت الأشجار تلتَفُّ بجذوعها؛
بفروعها المقتولة بسنامات الأزهار،
لتَحتَضِنَ نَفسَها.
يَنهضُ الماءُ بوجوه اليابسة المتعدِّدة؛
حاملاً حصاهُ التّعليميّة
يُثَقِّبُ بها
ـ أمام حَشدٍ من أنواء الأثداء الجافَّةِ ـ
خَريطة اللحمِ مَفتُوكاً بأعصابِهِ]

إنَّني أَنشَرِقُ بأخشابِ هذا المَسرَح؛
أقتاتُ على ظلال مُمَثِّليه،
منذ أن كانت الشَمسُ تُراقبهم
ـ دَمِيْعَهم ـ
مُذ خُدِعُوا بقوَّة الليل في أعصابهم؛
صاهِرَةُ معادن الأقنعةِ والأسلحة لصُنع جمال الطبيعة:
يا لقدرة شفاهٍ تَندَم على شعورها بكمِّ هذه القبلة؛
الساقطةُ سَحِيقَاً في أمعاء صراخٍ بلا سيِّد.

أَلَم يكتَفِ اليقينُ بالتهام جميع الكهوف التي نَحَتَها خَوفُ الصلابة؟
إنني أتَّهم الظنون،
وكوابيس التداخل الفظِّ بين السلامةِ وكلِّ أعضاء ولعنا الملتَهِب.

(2)

كانت الحشود جالسةٌ لأجل التعلّم
تُصَفِّقُ بذكرياتها؛
ومن بين المقاعد ـ يا وَيلي ـ تسرَّبت المياه
شاربةً من أَحذية الجمهور خطواتها،
مُتصاعدةً في الأجساد المنغلقةِ بإحكامٍ على خَلقها.

تسلَّقت صدر المسرَح، مَزَّقت قمصانها، كَشَفَت صدرَها المحتَرِق:
رأت روحها تَتَمزّق داخل الأجساد.



(3)

قِلَّةٌ في القَلب،
تُراقبها قلوبٌ مفطورة الوجوه
بجَذَعٍ يُشبِهُ نظرة صورةٍ معكوسةٍ على بئرٍ
تتقاسمه الملائكة والشياطين بمحبّة؛
يا سماءً تَعبرُ البئر بلا غيومٍ تُجَسِّدُ حركَتها؛
قُل تغوّل الزمان على حركة الحياة المتشَعِّبة:
تَرَاهُ أمَامَك، زَمانك، مُرَصَّعاً بالذنوب الفخورة
الصغيرة، المذابة على ألسنة شهودٍ مقطوعي الرؤوس
يُدلون بأحكامٍ سابقةٍ لولادة المعدن؛
ولاية المعدن ترتَعِش يا ناس،
على مرآةٍ أُحَدِّق فيها الآن،
هنا.
 
ديسمبر، 2011
ـــــــــ
Painting By: Guy Dinning

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول مقدّمة طينيّة: سيَّارة الثورة التكنولوجيّة (1) كم من الوقت انتظرت لأكتب عن هذا النص العجيب، والذي لم يُعرَف كاتبه إلى الآن، وربما يتعلَّق الأمر بالظروف والملابسات التي نُشر فيها هذا النص الطريف جداً والتراجيدي بهاويةٍ سوداويَّةٍ مُضحكة. أفهم، كما كتبت كثيراً من قبل، والكثيرون من قبلي، أن اتصال الإنسان مع أخيه الإنسان اندلع مع ثورة التكنولوجيا. ولكن لننظر إلى الثورة التكنولوجيّة الرابطة لأجزاء العالم بطريقةٍ أخرى، فبينما كان الرابط في الماضي عن طريق الحروب والاستعمار، رست السفن قبلهما، وأطلّ القطار مؤخراً، ثمَّ طارت الطائرة. لننظر لانطلاقة الثورة من بدايات القرن العشرين كـ(غِيْر) السيارة، وهو ما سأصل به لما ميَّز جيل مواليد الثمانينات. على الأقل في السودان. تنطلق السيارة في الغير رقم 4 بلا كابح وبسلاسة لانهائيّة، وهي المرحلة التي دخلت فيها الثورة التكنولوجيّة سوق التنافس الرأسمالي العابر للقارات. ففي العصر الذي يسمع به الناس بالتلفاز ويصلهم بعد مُختَرِعيه بعشرات السنوات، ولفئةٍ محددة جداً من البشر.

Life weapon’s dictatorship - By: Mamoun ElTilib

Life weapon’s dictatorship By: Mamoun ElTilib Translated By: Ibrahim Jaffar Introductions: ( Tayfara was a military slave of the Cavalry Divisions (the Divisions of Knights) which was relegated to the Sheiks-ministers of Hamaj .   He presumably has been enslaved during one of the sieges of Rajab to the Nuba Mountains within the course of his campaign against Kordofan, for he reached the age of reason in the era of Nasser wad Idris .   Imaginatively, we would correlate Tayfara’s memories of childhood with those of Dogalo Doguendan Ari ; a Nuba boy of the next generation who, like Tayfara, has been, as a young boy, enslaved and taken from his native land.   Dogalo , as a young man in his far-off exile, has vividly lived the memory of his homeland that has been sustained within his soul as a minute world of landscapes, distant and diminutive shapes; young kings wearing jewels and straddling horsebacks; steppes of azure color of bubbly plant under the pur