التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مفروش : صورة جديدة للعمل الثقافي في الخرطوم - أنس عبد الرحمن





مفروش : صورة جديدة للعمل الثقافي في الخرطوم
ملف تخوم الثقافي، صحيفة الأحداث: أنس عبد الرحمن
الثلاثاء 29 مايو 2012م


تحولت ساحة مقهى أتنيه العتيق بوسط الخرطوم، إلى حديقة معرفية لا تخطئها عين المارة. عندما نظمت بها جماعة عمل الثقافية معرضاً لبيع وتبادل الكُتب المُستعملة، أطلقت عليه اسم «مفروش».
افتتحت هذه الفعالية، التي اجتذبت أعداداً كبيرة من المهتمين بالكتاب، في الخامسة من مساء يوم السبت الماضي، بمشاركة عددٍ كبيرٍ من بائعي الكتاب المُستعمل، وتضمنت، بجانب معرض كتاب «الفراشة»؛ موسيقى حية، وعرض «سلايت شو» لأعمال الفنان التشكيلي عمر خيري من إعداد علياء سر الختم، وتبادل الكتب بين الحضور. ولا يبدو أن الصعوبة التي تكتنف أمتلاك كتاب في الخرطوم وحدها من قادت مئات المهتمين به إلى أتنيه، إذ إن احتفاءً غامضاً غلب على وجوه المنظمين؛ تقول الكاتبة رندا محجوب: الكتابُ الكتابْ، وهل أحب اليهِ من أن يصيرَ موضوع قرع أو تقريظٍ من عند الصديق؟ ها نحنُ نتمايزُ في قلب الجحيم الخرطومي المُسّتَعِر، مخلوقات ما فوق شخصية، لا فرق بين كتابٍ وصديق لا فرقَ بين صديقٍ وكتاب، فكلنا في السديم مفروش، فاحمِلْ كتابك أو كَاتِفْ صديقك، وتقدَّمْ.
وتضيف: في عجينِ حيواتها الكثيرة - الكتبُ مفروشةً على أرففٍ من ابتساماتنا ولا أجمل، أسامة عباس جاء من مكتبتهِ بثُقلها – يا لخجلي لم آتِ بأجملِ ما عندي لأبادلهُ، محجوب كبلو فارشاً دُرَرِه الغوالي، أسماء الشيخ تشتري من هنا وهناك حتى فَرغت محفظتها، وغيرهم وغيرهم، كُنَّا جميعاً في الحُمى الشفيفة لتبادل الكتاب، أن تقرأ ما كان يقرؤه صديقك، وأن تكون غير ذلك مُغيراً في نظامِ قراءتهِ، نظامِ قراءتِكَ، جارحاً في سياق القراءة المُطلسِمِ بالهويَّات والهوايات والمزالق والمشانق، ما هو هيِّنٌ ليِّنٌ صديقٌ وفي المُتناوَلْ: (مَفروش).
ومن فرط الجمال الذي غطَّى فعاليتهم؛ قرر منظموا المعرض إقامته دورياً وفي ذات المكان، بعد أن كان مقتصراً على يوم واحد؛ بل أن حماسة الحضور دعت إلى تطويره وتضمين معرض للأعمال التشكيلية، والفلكورية، وتبادل للكتاب الإلكتروني؛ لتتحول ساحة أتنيه إلى بازار ثقافي تجتمع فيه كل أنواع الفنون. يقول إبراهيم الجريفاوي: من أكثر العبارات التي سكنت في رأسي منذ القديم، عبارة تقول بأن الثقافة هي أفق الحياة، وليس هناك حياة بدون أٌفق. هذا ما أظنه واحداً من دواعي تراص شباب موجودين في الخرطوم تنادوا لتكوين جماعة تعمل في الثقافة؛ في أفق الحياة، فكانت جماعة عمل الثقافية، بهدف أساس، هو العمل الثقافي. وما أحوجنا الى جماعات ثقافية تدفع بجهدها لتحريك الساكن بل قُل الراكض الثقافي في الخرطوم. كانت فعالية بيع وتبادل الكتاب المُستعمل «مفروش» بمثابة المنشط الثاني للمجموعة بعد ندوة «درب الآلالم « التي استضافها مشكوراً اتحاد التشكيليين. الحضور الكثيف والنهم الواضح للكتب والتفاعل والكلام حولها كان بمثابة دافع جهير وتصريح لعمل بمزيد من العمل، عمل يخرج بنا من هدا العطش الطويل الى مساحة حراك ثقافي حقيقي طري ورويان كما قالت أغنيات الحقيبة، كم أعجبني تعبير كبلو في المعرض وانفعاله بالناس والمشهد بأن هذا يا صديقي ربيع الكتاب في السودان.
ويقول الكاتب عبد الله الزين: هذا الذي حدث... هذا الشيء الصغير اللطيف التلقائي، كمهرجانٍ شخصي، احتفاؤك بنفسك وأنت تخرج نظيفاً مغسولاً بـ(دُشٍّ باردٍ) لست مستحماً وإنما مبترداً والحال حَرٌّ لافح بالمعاني كلها، حلو هذا «البرود» – هذا الحدث، لحظة تتمنى أن تدوم – سنجتهد في هذي الديمومة - يا سلام.
كانت فكرة وكان هناك خوفٌ طفيفاً كالأكلان اللذيذ، خوف من ألاّ تنجح – الفكرة - والقراءة آخر الهموم في هذا البلد المأزوم المغموم... لكن يا سلام... ها هم قد أتوا/ أتين، صديقات وأصدقاء يجمعهم حب القراءة ويا لها من محبَّةٍ، أتو/ أتين، باعوا واشتروا وتبادلوا، كتب ومجلات بأغلفة جديدة جميلة وأخرى ناصلٌ غلافها وأوراق حال لونها وهي الأجمل.
أما المحرر والكاتب الثقافي أسامة عباس فقال لـ»تخوم»: تلك الأمسية في أتنيه كانت مهرجاناً، أن تحمل كتبك في يدك وتنظر في كتب الآخرين لتبدل أو تبيع أو تشتري وحولك قرابة الخمسمائة شخص يتجولون بغرض التفاوض والتسوق في الكتب ولا شيء آخر. وكمثل هذه الفكرة البسيطة العبقرية التي حولت ساحة مقهى أتنيه إلى ما شاهدناه معا، نريد في جماعة عمل الثقافية أن نقدم أفكارنا التي تُحول.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا...

مَن يَلحَمُ أبعادي - ملف الشاعر محمد المهدي المجذوب

مَن يَلحَمُ أبعادي ملف الشاعر محمد المهدي المجذوب مقدّمة طينيَّة: يُعيدني هذا الملف لأيامٍ عَوَالٍ. تضافرت جهود مجموعة من الشعراء والكتاب لأجل هذا الملف الفريد، بقدر فرادة الشاعر الذي نواجهه من خلاله. أُنجز إبّان عملنا بالقسم الثقافي بصحيفة (الأحداث)  ـ (تخوم) ـ في العام 2008م. كان القسم وقتها بضم شخصين، الشاعر أحمد النشادر وشخصي، وقد واتتنا الجرأة والخيال لإنجازِ مغامرةٍ بسيطة عن روحٍ شعريّة وفكريّة وحياتيّة هائلة، عاشت، مجذوبةً، في أرضِ السودان ذات يوم؛ كانت روحاً فريدة، زاهدة، وغنيّة بكلّ شيء. في هذه المقدّمة لا غرض لي أبداً ففي الأسفل يتضح كلّ شيء. هذا الملف في حاجة إلى قراءة وإعادة قراءة، في حاجةٍ إلى روحٍ تستطيع الاستمتاع بملذاته، يحتاج إلى روحٍ ذات أبعاد. اسم الملف، الذي يُنشر به هنا في (طينيا)، مستوحى من اسم المختارات الذي اختاره الكاتب محمد الصادق الحاج (من يَلحمُ أبعادي)، ثمّ ألحقه بمقالته المُخترقة للحُجب: (أتكتَّمْتُم على (هذا المجذوب)، أم لم تكونوا جديرين به؟). أفتتح الملف بما كتبناه كمقدّمة، وعادةً كنا نضع مقدّمات ملف تخوم تحت عنوان (تربة). ثم تأتي...

إجلالٌ ونفورٌ أمام كلام الربّ: حول الثورة و"قطار الليل إلى لشبونة"

تنقيبات طينيّة (13) خطاب أَ ماديو : " إجلا لٌ ونف ورٌ أمام كلام الربّ " حول الثورة و"قطار الليل إلى لشبونة" لباسكال مرسييه مأمون التلب مُقدِّمة طينيَّة: (1) أ عود مرةً أخرى إلى باب (تنقيبات الطينيّة) لقراء مد وّ نتنا ، حيث أزور كُ تُ باً وكُتّاباً آخرين ، وفي الحقيقة فإن الدَّاعي لدخول الباب عادةً يأتي من نصوصٍ وكتاباتٍ أثَّرت فيَّ حدّ الألم والمعاناة والفرح واللذة الهائلة، وغيَّرت فيَّ بعمق، وصراحةً لم يحدث ذلك من ذ مدّة؛ صحيح أنني استم ت عت بمئاتٍ من الكتب الجيّدة خلال سنوات ال ا نقطاع عن العودة هنا، تعلَّمتُ الكثير وانتقلتُ إلى عوالمٍ وبلادٍ وأناسٍ آخرين، إلا أنني فوّتُّ "قطار الليل إلى لشبونة" إلى هذه اللحظة، والتي يتكاملُ فيها عالم القطار مع عالمي الخاص وحياتي الراهنة؛ حيث العجز لا اليأس، والمراقبة لا المُشاركة، أي التقدّم في العمر محسوساً بقوّة، وبالضبط عند مشاهدة الاستبسال الخارق لأجيال اليوم وحلمهم ببناء عالمٍ جديد! إنه لمن المُدهش، بعد أكاليل الهزائم التي تطوّق أعناقنا بأشواكها، أن ترى الحياة تتجدَّد رغم أنف عدميّة وانغلاق آمال عالم ا...