التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حملة الدفاع عن حُريَّة التعبير والنشر - بيان تأسيسي


حملة الدفاع عن حُريَّة التعبير والنشر
بيان تأسيسي
[أريدُ أن آخذ حقي من الحياة عنوةً؛ أريدُ أن أُعطي بسخاء، أريدُ أن يفيض الحب من قلبي فينبع ويُثمر. ثمة آفاق كثيرة لا بدّ أن تُزار، ثمة ثمار يجب أن تُقطف، كتب كثيرة تُقرأ، وصفحات بيضاء في سجل العمر، سأكتب فيها جملاً واضحة بخطٍّ جريء]
الطيب صالح – موسم الهجرة إلى الشمال
عبر هذا البيان التأسِّيسي نُعلن اليوم عن قيام حملة الدفاع عن حرية التعبير والنشر، وهي الحملة التي تنطلق وبلادنا تواجه كوارث اجتماعية، اقتصادية، وسياسية عظيمة، يستحيل معها تحمُّل محاولات سدَّ نوافذ المعرفة والفكر وتبادل ونشر المعلومات، بمزلاج الحجب والمنع والمحاكمات الإيجازية والبلاغات الكيدية والتهديد والوعيد، فالسودان يحتاج من بناته وأبنائه للوقوف وشدَّ الأيادي بعضها على بعض من أجل إطلاق حرية التعبير، ومن أجل فكِّ الكتابةِ من إسارِ الرقابة، بحيثُ لا تخشاها من الذات أو من الغير، وذلك وفق الطرق السِّلمية والديمُقراطية السليمة، التي لا تنتهك القانون، بل تُشدِّدُ على إنفاذه ونفاذه ومن ثمّ، من قبل ومن بعد، الإصلاح المـُستمر لهذا القانون نفسه، حتى يصبح حامي لهذه الحريات ومُنظم لها، لا سيفٌ يحومُ بين الأقلام والأفواه بلا دليلٍ إلا الغرض.  
إننا، عندما نَدفعُ بمشروع (الحملة) إلى الوجود، نضع نصب أرواحنا معضلةً تُرافق كلّ عملٍ يَصرخ بشعاراتٍ مُقَاوِمة، وهي أن هذه المقاومة دائماً ما تكون ردَّة فِعلٍ لأمرٍ جَلَلٍ حَدَث، أو حريَّةٍ أُنتُهِكَت، أو حقٍّ انتُزِع بغير وَجه حق! وقد أشار الشاعر محمد طه القدَّال إلى هذه المعضلة إبَّان انعقاد المؤتمر الصحفي الأوّل الـمُكوِّن لهذه الحملة، بدار اتحاد الكتاب السودانيين إثر وقفة التضامن الصلبة مع الكاتب والصحفي فيصل محمد صالح، والتي دَشَّنت فكرة هذا المشروع؛ قال: علينا أن ننتقل من خانة الدفاع إلى الهجوم! ونحن نَرى هذا الهجوم مُبدعاً لا مُستَهلِكَاً ولا مُستَهلَكاً؛ هجومٌ يَتَجاوز الأشكال الاحتجاجيَّة الـمُستهلكة، ويستصحب كافَّة المواد الـمُعَبِّرة تعبيراً يليق بفداحة الواقع الماثل أمامنا اليوم. إذ أن الشقّة التي انفتحت ما بين الخطابات السياسية والاجتماعية والثقافية أفقدتها الجاذبيَّة والقدرة على لمّ الصفوف، وذلك لم ينشأ من عَدَم:
أولاً: إن الحرب ضدّ المعرفة التي اشتعلت منذ أَمَدٍ بعيد، وتكثَّفت في عهد حكومتنا الحالية بإغلاق المكتبات العامّة، وتوجيهها لمجاراة خطاب الدولة الآيديولوجي، وتجفيف مصادر العلم والآداب والفنون، والتدهور المريع في العمليَّة التعليميَّة والتربوية باعترافٍ صَرَخت به وزارة التربية والتعليم ذات نفسها؛ الهجرة المكثَّفة للعقول والأساتذة في جميع المراحل التعليمية، تَتْجير التعليم واحتكاره؛ كلّ ذلك كان خليقاً بأن يفرز خطاباً سياسيَّاً هَشَّاً لا يليق بذهن ووعي المواطن السوداني.
ثانياً: إن الذي يَحدث في السودان لا يختلف اختلافاً نوعيَّاً عن ما يَحدث في بقيَّة بقاع العالم الإنساني، وإنما هو اختلافٌ كمِّي يعود إلى وقائع التاريخ السياسي والاجتماعي السوداني الخاص. فالذي يحدث من مواجهة الإنسان لكوارث الطبيعة والاقتصاد والتلوّث وسحق البشر يجعله يتجاوز حالة الخلاف الآيديولوجي والسياسي لينتقل إلى أفقٍ إنسانيٍّ أرحب؛ تتساوى فيه قيمة الحياة الإنسانيَّة، والتضحية الفردية والجماعية، لذلك فإن دعوة (الحَملة) تسعى لتوحيد الصفوف، وضمّ كلّ من يَهجسُ بفناء الحياة الإنسانيَّة على هذا الكوكب إن لم تحدث نقلةً في الوعي، وهذه لن تحدث إن لم يكن السلاح الذي نواجه به هو المعرفة. ندعو لتكثيف فعالياتٍ تستهدف العقل وتنشر الوعي؛ فعاليات ذات طابعٍ مختلف وذكي وجذَّاب، تتجاوز الخلافات غير المجديَّة بين الكيانات والجماعات والمنظّمات والأفراد المـُكوّنة للحملة.
ثالثاً: إن الهدف الابتدائي لجعل كلّ ذلك ممكناً هو الدفاع عن حريَّة التعبير، لذلك يأتي الاسم: حملة الدفاع عن حريَّة التعبير والنشر.
توحّدت الكيانات التالية لدعم وتأسيس الحملة، لكنّ أبوابها لا تزال مشرعة للمزيد من التوحّد والتضامن: اتحاد الكتاب السودانيين، مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية، طيبة برس، الهيئة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات، جماعة الفلم السوداني، مركز سالمة لمصادر ودراسات المرأة، المنظمة السودانية للبحث والتنمية، مركز الأيام للدراسات الثقافيّة والتنمية، إضافةً إلى مجموعة مقدَّرة من الشخصيَّات الوطنية والثقافيَّة.

وبعد الانتخاب والمشاورات، تمّ تكوين هيئة قياديَّة للحملة: برئاسة آمال عبَّاس، وعضويَّة كلٌّ من: فيصل محمد صالح، محمد طه القدّال، رباح الصادق، نجلاء عثمان التوم، البراق النذير الوراق، عثمان شنقر، مأمون التلب، عمر عشاري، وائل محجوب.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول مقدّمة طينيّة: سيَّارة الثورة التكنولوجيّة (1) كم من الوقت انتظرت لأكتب عن هذا النص العجيب، والذي لم يُعرَف كاتبه إلى الآن، وربما يتعلَّق الأمر بالظروف والملابسات التي نُشر فيها هذا النص الطريف جداً والتراجيدي بهاويةٍ سوداويَّةٍ مُضحكة. أفهم، كما كتبت كثيراً من قبل، والكثيرون من قبلي، أن اتصال الإنسان مع أخيه الإنسان اندلع مع ثورة التكنولوجيا. ولكن لننظر إلى الثورة التكنولوجيّة الرابطة لأجزاء العالم بطريقةٍ أخرى، فبينما كان الرابط في الماضي عن طريق الحروب والاستعمار، رست السفن قبلهما، وأطلّ القطار مؤخراً، ثمَّ طارت الطائرة. لننظر لانطلاقة الثورة من بدايات القرن العشرين كـ(غِيْر) السيارة، وهو ما سأصل به لما ميَّز جيل مواليد الثمانينات. على الأقل في السودان. تنطلق السيارة في الغير رقم 4 بلا كابح وبسلاسة لانهائيّة، وهي المرحلة التي دخلت فيها الثورة التكنولوجيّة سوق التنافس الرأسمالي العابر للقارات. ففي العصر الذي يسمع به الناس بالتلفاز ويصلهم بعد مُختَرِعيه بعشرات السنوات، ولفئةٍ محددة جداً من البشر.

Life weapon’s dictatorship - By: Mamoun ElTilib

Life weapon’s dictatorship By: Mamoun ElTilib Translated By: Ibrahim Jaffar Introductions: ( Tayfara was a military slave of the Cavalry Divisions (the Divisions of Knights) which was relegated to the Sheiks-ministers of Hamaj .   He presumably has been enslaved during one of the sieges of Rajab to the Nuba Mountains within the course of his campaign against Kordofan, for he reached the age of reason in the era of Nasser wad Idris .   Imaginatively, we would correlate Tayfara’s memories of childhood with those of Dogalo Doguendan Ari ; a Nuba boy of the next generation who, like Tayfara, has been, as a young boy, enslaved and taken from his native land.   Dogalo , as a young man in his far-off exile, has vividly lived the memory of his homeland that has been sustained within his soul as a minute world of landscapes, distant and diminutive shapes; young kings wearing jewels and straddling horsebacks; steppes of azure color of bubbly plant under the pur