التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الـمَشِيمَة


الـمَشِيمَة



مأمون التِّلب
6 – 8 سبتمبر 2012م

 



 

(1)

إن احتَرَق الشجرُ أمامك فلا تستخف بالجذور الضاحكة بأوراقه،

حتَّى إن مات الطائرُ بقلبكَ فلا تُغلق عين دمكَ دونَ أن تشعر بريشه

وما تشبَّث بك من نملٍ قبِّل جحوره داخلك

وما تشرنقَ بذات لذّتك امنحه الزهرة!

لأنكَ من أنت؟ أمام كلّ ما يتحدّث إليك؟.

 

الخوف من الوجه المشقوق القديم مُستَفرغاً من مرايا تحملها مُكسَّرةً،

تَركضُ بها مَحلُوماً بمن منَحك الجَسد،

الخوف يرُاقب ما يحدث:

الخناجر الموعودة تفتح ثيابها مُستعدةً للضمّ والتقبيل،

كاشفةً أعضاء لم تحلم بشرف تسليمها أنفاسك كاملةً؛

أنت تُسلِّم أجنحتك لذكرى تَمَزُّقها،

في المقابل يُكشَفُ لكَ السجال الذي دارَ

أثناء إشارتك الباكية لجحيمٍ اخترته لتُولَدَ فيه.

 

 

يُراقب ما سَيَحدُث:

على أحدهم أن يموت باستمرارٍ

محاولاً اللحاق بأسلحة العالم الآخر؛

إذ كيف لهشاشة الإنسان أن تُدمَّر بسهولةٍ هكذا؟

كيف يقبل اللسان الواصل بين أبديّةٍ وأخرى

بتحميل هذا الكمّ الهائل من الصلبان؟

حاملةً بأسماء من ولدتهم المياه محتارةً؛

من قُطِّعت قلوبهم ورُكِّبت، آلاف المرات، بلاصق البرق المحموم؛

من شُيِّدت لأجلهم الأعناق مُرتّبة القَطْعِ في أيَّام الخيال المُهاجِمَة.

كم يرونَ جمال الكائن ويكرهون رغبة زيفهم باللجوء إليه،

ينتشلون، في كلِّ دورة حربٍ، ما تمزّق من أحلام الليل،

يُهرّبونها لأجل من سيصدّقون شهادة لَحمٍ خَرَج من النوم.

 

إنّني أدعوكم:

هرّبوا لنا الأصابع الخشبيّة أيضاً؛ حنان الحديد المُرتَجَى وسلامة أنفُسنا من أنفُسنا، الوشوم المتروكة على كلّ جسدٍ نرتديه لنعود هنا، هلهلة المَشي وتجريد حرّاس الإشارات من أسلحتهم القاسية وتخفيف الامتحان؛ أدعوكم، أكثروا من التحديق في خطواتنا ولا تتركونا لوحدنا مثلما تركتمونا في العراء الجسديّ الملتهب، لا تتركونا مثلما تركتم آبائنا واللذين من قبلنا لعلكم تلجمون المقصّات القلبيّة الحادّة البركانيّة الدّاسة جرثومةَ القاتل في الأطعمة والشهوات العظيمة والملذّات الطائرة في الأعصاب تُولوِل. قلّصوا أعطاب الألسنة وغيّروا اتجاهات الرياح عندما نقول: (كُن).

 

 

 

(2)

نُريد جرداً كاملاً لما تخيّلته الأشجار وما ستتخيّله الثمار؛

خلقاً مُحتشداً متفرِّداً للنار في بيضنا الدّاخلي؛

تخديراً ـ يُسلَّم باليد ـ لمن في كفّه العينُ تُحفظ.

لأننا تعلّمنا، مثلاً، أن باستطاعتنا تغيير مسارات النجوم؛

فنحن نَختار البنيان الدّاخلي

ونتجمّع أمام كلّ ثقبٍ، نجلس للتذوّق المكلوم،

مخاطرين بترك أشكالنا في الخارج،

تتعارك بالأنسجة الحسّاسة الغالية؛

بملامسة الماضي، والتقليل من مزحات المستقبل الثقيلة.

إنّنا الطيور، ونحن التّراب، والهَبْطَة المُرتقبة لالتقاط الحَب!

إنّنا الأنخاب، كذلك الدّم السريّ الفائر، والقبلة المُنطلقة ما بينهما لتُمزّق الليل،

إنّنا جالية المعدن، وسنظلّ الرصاصة، وما سيتمّ الانتحاب لأجله، والذي ستُذبحُ لأجله الذبائح.

أيكفي ألمٌ إذاً؟.

 

نُريد المزيد.

 

(3)

خلاص، كُتِبت الرسائل الغاضبة

ولن تتوقَّف عن الاسترسال يا الولهان بنا،

وإذ أنني أدرِكُ، متأخراً، أن اللّكمة ابنتُك

والرصاصة من ضمن مكوّنات جَسدك،

وكلّ نايٍ كُسِرَ حطَّم زجاج صرخِتك،

فإنّني لن أتورَّع عن الإصرار على تقبيل صديدكَ يوميَّاً

ولكن متى يُصيبُ قلبي أرقامك وحكاية نزواتك المُبرَّرة؟

وكأنني متّ وأنتظر، داخل قلبي التّرابي، مرور كل القرون لقيام ما تخشاه.

أتخشاه؟

ـ والمقامات محفوظةٌ في ثلاجة الحب ـ

تتألّم من حتميّة تجريح جَسدك أيّها المسيح؟.

 

 

 

 

 

 

 

(4)

قصصهم ومآسيهم مجتمعةً هي قصتك ومأساتُكَ،

وعندما تفَتَّتتَ إلى ملائكةٍ وشياطين،

كان ذلكَ أنتَ.

وأن تراني ماشياً أشوتُ الحجارة في وجهِك

متذمّراً؛ طفلاً ضريراً تلعق رئتيه جراح ظَهره،

فذلكَ حسبُ أسلحتي.

وبالمناسبة:

أنتَ من كَتب نصَّ الغفران والذل هذا.

فاسْتَعِد.


 


الخرطوم ـ الإصلاحيّة.

 

تعليقات

  1. .... اه منك
    ... اه منى...
    ... اه من الشجر الذى يسير..
    مشتاقين يامان شديييييييييييييييييد

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا...

مَن يَلحَمُ أبعادي - ملف الشاعر محمد المهدي المجذوب

مَن يَلحَمُ أبعادي ملف الشاعر محمد المهدي المجذوب مقدّمة طينيَّة: يُعيدني هذا الملف لأيامٍ عَوَالٍ. تضافرت جهود مجموعة من الشعراء والكتاب لأجل هذا الملف الفريد، بقدر فرادة الشاعر الذي نواجهه من خلاله. أُنجز إبّان عملنا بالقسم الثقافي بصحيفة (الأحداث)  ـ (تخوم) ـ في العام 2008م. كان القسم وقتها بضم شخصين، الشاعر أحمد النشادر وشخصي، وقد واتتنا الجرأة والخيال لإنجازِ مغامرةٍ بسيطة عن روحٍ شعريّة وفكريّة وحياتيّة هائلة، عاشت، مجذوبةً، في أرضِ السودان ذات يوم؛ كانت روحاً فريدة، زاهدة، وغنيّة بكلّ شيء. في هذه المقدّمة لا غرض لي أبداً ففي الأسفل يتضح كلّ شيء. هذا الملف في حاجة إلى قراءة وإعادة قراءة، في حاجةٍ إلى روحٍ تستطيع الاستمتاع بملذاته، يحتاج إلى روحٍ ذات أبعاد. اسم الملف، الذي يُنشر به هنا في (طينيا)، مستوحى من اسم المختارات الذي اختاره الكاتب محمد الصادق الحاج (من يَلحمُ أبعادي)، ثمّ ألحقه بمقالته المُخترقة للحُجب: (أتكتَّمْتُم على (هذا المجذوب)، أم لم تكونوا جديرين به؟). أفتتح الملف بما كتبناه كمقدّمة، وعادةً كنا نضع مقدّمات ملف تخوم تحت عنوان (تربة). ثم تأتي...

إجلالٌ ونفورٌ أمام كلام الربّ: حول الثورة و"قطار الليل إلى لشبونة"

تنقيبات طينيّة (13) خطاب أَ ماديو : " إجلا لٌ ونف ورٌ أمام كلام الربّ " حول الثورة و"قطار الليل إلى لشبونة" لباسكال مرسييه مأمون التلب مُقدِّمة طينيَّة: (1) أ عود مرةً أخرى إلى باب (تنقيبات الطينيّة) لقراء مد وّ نتنا ، حيث أزور كُ تُ باً وكُتّاباً آخرين ، وفي الحقيقة فإن الدَّاعي لدخول الباب عادةً يأتي من نصوصٍ وكتاباتٍ أثَّرت فيَّ حدّ الألم والمعاناة والفرح واللذة الهائلة، وغيَّرت فيَّ بعمق، وصراحةً لم يحدث ذلك من ذ مدّة؛ صحيح أنني استم ت عت بمئاتٍ من الكتب الجيّدة خلال سنوات ال ا نقطاع عن العودة هنا، تعلَّمتُ الكثير وانتقلتُ إلى عوالمٍ وبلادٍ وأناسٍ آخرين، إلا أنني فوّتُّ "قطار الليل إلى لشبونة" إلى هذه اللحظة، والتي يتكاملُ فيها عالم القطار مع عالمي الخاص وحياتي الراهنة؛ حيث العجز لا اليأس، والمراقبة لا المُشاركة، أي التقدّم في العمر محسوساً بقوّة، وبالضبط عند مشاهدة الاستبسال الخارق لأجيال اليوم وحلمهم ببناء عالمٍ جديد! إنه لمن المُدهش، بعد أكاليل الهزائم التي تطوّق أعناقنا بأشواكها، أن ترى الحياة تتجدَّد رغم أنف عدميّة وانغلاق آمال عالم ا...