التخطي إلى المحتوى الرئيسي

جَنَّةُ العُمْيَان English - Arabic Mamoun Eltlib


جَنَّةُ العُمْيَان
(سَمَاوَاتُ الجِّذْرِ الْمَجْهُولَة)
مأمون التِّلب
2007م

                                                                                قلبُ الجنَّة

خائنٌ
هَذَا الثَّورُ الأعْمَى
مَنْ رَفَسَ الأَرْضَ وطَعَنَ الفضاءَ بقرونِ خيالهِ
تَارِكَاً مُصَارِعِيهِ يَلْهَثُونَ في نَوْمِهِم خَلْفَ دَمِ النُّجُومِ الْمُتَقطِّرِ،
وَاعِدَاً أسْلِحَتَهُم الفَاتِرَة بِمَعَارِكَ لا تُرَى.

خَائِنَةٌ
هَذِه القَطْرَةُ التي تَحْفِرُ في صَوْتِ الْمُحِيطِ قَبْرَهَا هَانِئَةً
وتَحِطُّ مِن قَدْرِ السَّحَابِ في قَلْبِهَا.






 (1)



غَدَاً يُصْبِحُ مَوْتُكَ صَنَمَاً تَتَعبَّدُ أسْفلَ أقدامهِ، تَلهثُ مُقْتَنَيَاتُكَ الثَّمِيْنَةُ تَحْتَ وطأةِ أصَابِعِهِ الْمُتَّسِخَةِ الجَّبَانَةِ. غَدَاً، أيُّها الوَغْدُ، تَتَحوَّرُ الزَّوَاحِفُ السَّاكِنَةُ الـمُطِلَّةُ مِن جُحُورِكَ العَدِيْدَة، جُحُورٌ تَتَمَدَّدُ مِن لَمَسَاتِكَ، مِن نَظَرَاتِكَ، جُحُورٌ تُطلِقُ الفَحِيْحَ الَّذِي تَأْبَى سَمَاعَهُ، الفَحِيْحُ مُشَكِّلُ الخَطَوَاتِ بِشَهْوَةِ الفَرَائِسِ العَمْيَاءَ الصَّغِيْرَةِ وهِيَ تُستَدْرَجُ إليهِ في الثِّيَابِ النَّاصِعَةِ.

أسْتَدْرِجُكَ للمَوْتِ الهيِّن
للمَوْتِ الْمَرْصُوفِ أمَامَ الْمَلِكَاتِ الغَيْبِيَّات.
لَسْتُ عَلَى عَجَلَةٍ مِن عُمْرِي
غَايَةُ عُمرِي أن يُظْهِرَ عَضَلاتِ الخَوْفِ أَمَامَ الله كَيْ يَسْتَرِيْحَ
                               بلا فَائِدَة
عَلَى العَتَبَاتِ الْمَوْلُوْدَةِ مِن نَظْرَتِكَ لغِلافِ السِّحْرِ
جَلَسْتَ، وربَّمَا لِسَنَوَاتٍ قَاصِرَاتٍ
جَلَستَ وربَّمَا ليَوْمِيَّاتٍ تَتَمَزَّقُ أورَاقُ حِيْرَتِهَا حِيْنَ تَتَحَرَّشُ بِهَا رِيْحُ النَّاس
كانَ غُمُوضُكَ هذا
حَرَارةَ العَتَبَاتِ مِن تَحْتِي
ونَحْتَ الوَلوَلاتِ فِي الهواءِ المُحِيْطِ بِي

أنتَ بَريَّةٌ شَامِخَةٌ
عَلَيْهَا تُدَارُ مَعَارِكَ الصَّيْدِ والافْتِرَاس دُونَ ضَغَائِنَ تُذْكَر
عَلَيْهَا تَتَغَوَّلُ السُّحُبُ المرِيْضَةُ عَلَى جَمَالِ الجَّفَافِ
أنْتَ البَريَّةُ،
ولَكَ الخَيَار:
أن تَنْتَفِضَ مِن حُمَّى تَنْبَعِثُ مِن أَحْوَالِ التَّائِهِيْنَ
                     _الغَافِلِينَ عَن عَلاَمَاتِ نُجُومك_
                     مَنْ مَاتُوا غَرَقَاً في العَطَشْ

أو أَنْ تُسلِّمَ عَلَى الصَقْرِ فِي فَمِهِ
وَهْوَ يَنْتَظِرُ جُثّةً قَادِمَة..
...
أسْتَدْرِجُكَ للمَوْتِ الهيِّن
وأرْصِفُ الـمَلِكَاتِ الغَيْبِيَّاتِ لكَ
لتُدْرِكَ عَظَمَةَ السَّيْرِ فَوْقَ رَوَائِحِهِنَّ
دُونَ أن تُشْفِقَ عَلَى وِحْدَتَكَ الذَّابِلَة.





(2)



لَوْحَةُ القَصْرِ تَبْدَأُ بِكَسْرَةٍ وَحِيْدَةٍ فِي صَخْرَةٍ مَعْزُولَةٍ لا تَجْذُبُ التِفَاتَةً، ولا حتى مِن ثدي أُمِّهَا الأرض. لَوْحَةُ القَصْرِ تَنْتَهِي بِشَرْطَةٍ تُحْدِثُهَا الأجْسَادُ الْمُتَسَاقِطَةُ مِن عُلُوِّهِ الضَّاحِكِ، مُعْدَمَةً بأوامِرَ تَعْبَثُ بأحْشَاءِ ناطِقِهَا، تَنْتَهِي بِتَلْوِيْحَةِ الوَدَاعِ فِي عين طفلٍ شَهِدَ الْمَعَارِك في أرْوِقَتِهِ ونَامَ عَنْهَا قَرِيْرَاً نَادِمَاً عَلَى نَبْضِهِ الْمُحَرِّكِ للصَّدَى فِي صَالاتِهِ.
ألَوِّحُ لَكَ إذاً باللَّوْحَةِ دُوْنَ أنْ يَرْمِشَ لِي كَفَنْ.
وأغَنِّي لَكَ: خنْجرَ العَرَّافِ الْمَغْرُوسِ فِي ظَهْرِ السِّجْنِ، نَابَ الثُّعْبَانِ البَاكِي فِي كَأْسِ الْخَمْرِ الجَّمِيْل، العَجُوزَ التي تَحِيْكُ فُستَانَ الْمَلِكَةِ الخَالِدِ، الْمَعْبَدَ الْمُتَكَوِّرُ فِي عَيْنِ الحَصَادِ الْمَقْتُولِ، جَسَدَكَ العَارِي وَهْوَ يَتَلَذَّذُ بِمُعَانَقَةِ السُّورِ الصَّدِئ ذِي الذَّهَبِ الْمَسْنُون.





(3)


عِنْدَ حُدُودِ الكَوَارِثِ،
ألْعَبُ رِهَانَاً سَاذَجَاً بِصُحْبَةِ سَمَاءٍ عَمْيَاءَ ولُغَةٍ تَتَنَـزَّهُ فَوْقَ شِفَاهِ السفَّاحِيْنَ البُسَطَاءِ،
بِصُحْبَةِ شَمْسٍِ خَافِقَةٍ بِجَبْهَةِ الطِّفْلَةِ الْمُتَّسِعَة،
بِصُحْبَةِ جُدْرَانِ البيُوتِ ذَاتِ الفَسَاتِيْن الكَهْلَة.

عِنْدَ حُدُودِ الكَوَارِثِ
أُقَبِّلُ الْمَارِدَ القَبِيْحَ فِي جُرْحِهِ البَارِزِ ذِي الصَّدِيد،
ذِي الأنْهَارِ اللَّزِجَةِ مِن سَيَلانِ الطَّمْثِ ومَسَاحِيْقِ الرُّصَاصِ التَجْمِيْلِيَّةِ

أَنْتَ تَنْظُرُ لَنَا أيُّهَا العَرْشُ العَزِيْز

ونَحْنُ نَلْعَبُ بِكَثَافَةِ القَلْبِ،
والعَجْزُ نَرْدٌ مُتَفَسِّخٌ عَلَى وَجْهِ النَّهَارِ واللَّيْل

كَائِنَاتٌ مَحْلُوقَةُ القَتْلِ،
تَتَأمَّلَ النَّهَارَ الْمُهَاجِرَ مَعَ الطُّيُورِ ثمَّ
                             فجأةً
                             تَصْرُخُ في إثْرِه،
                             تَرْكُضُ بأقْدَامٍ حَافِيَةٍ إلاَّ مِنْ شَوْكٍ رُوحِيٍّ جَاهِلْ.

كَائِنَاتٌ مَخْفُوقَةُ الرقَّةِ تَتَأمَّلُ اللَّيْلَ العَابِرَ بِثَوْبِهِ الطَّوِيل مَسْحُوباً عَلَى مَقَابِرِ السَّمَاءِ الجَّمَاعِيَّةِ
مَقَابِرٌ لا تَتَعَدَّى الشِّبْرَ،
تَارِكَةً بَقِيَّةَ الْمِسَاحَةِ للعَدَمِ العَجُوزِ الذي يَسْنِدُ الأَرْضَ بِرَاحَتِهِ الْمَهْدُومَةِ
وَهْوَ يُعَفِّرُ أصَابِعَهُ بالعُيُونِ التي شَهِدَتِ الذَّبْحِ والْخَسْف.




إنَّنِي أمْلُكُ القَلْبَ
ويَفْقِدُنِي العَالَمُ الْمَشْغُولُ بِعَدِّ غَنَائِمَ وَزَّعَتْهَا الْمَلائِكَةُ فِي لَحْظَةِ ضَعْف.

إنَّهُم يَمْلُكُونَ تَسَلْسُلَ الأحْدَاثِ العَاقِل
تَشَرُّبَ التَّارِيخِ لِنَكْهَةِ الدَّمِ فِي الذُّقُونِ والظُّهُورِ الْمُشْعِرَة
غَامِقَ الرَّقْصِ عَلَى أنْقَاضِ عَيْنِ الله
حَارِقَ الوَقْتِ عِنْدَ احْتِجَازِ العُنُقِ فِي آخِرِ زَاوِيَةٍ مِن رُوحِ الْمَاءِ العَارِفَة.


إنَّ الأرض تلك، هذا:
بَرَاكِيْنٌ تَحْلِبُ الغُرُوبَ والشُّرُوقَ إلى رَحِمِهَا لتَتَسَلَّى بالانْتِظَار، مُحِيْطَاتٌ تُجْلِسُ الإتِّجَاهَاتِ الأَرْبَعَةَ عَلَى ظَهْرِ الرِّيْحِ الْمِسْكِينَةِ لِتَحْمِلَهَا، تَنْتَشِرُ مِن عَرَقِهَا الْمُتْعَبِ ذَرَّاتُ البَشَر الْمَسْحُوقَة، لتُغَطِّي سَمَاوَاتِ الجِّذْرِ الْمَجْهُولَة، نَظَرَاتُ الكَائِنَاتِ البَحْرِيَّةِ الغَامِضَةِ فِي قَاعِهَا، شَوَاطِئٌ، تَسْرِقُ مَتَأَمِّلِي جَمَالِهَا عَلَى لُهَاثِهَا الخَارِقِ وتَحْتَجِزُ الْمَاضِي والحَاضِرَ والآتي فِي لَهْفَتِهَا عَلَى الأُفُق.
                                     


                                                                   أيُّهَا الأُفْقُ الْمِسْكِيْنُ القَاتِل
                                                                   أنْتَ لا تَمْلُكُ شَيْئَاً....

(4)

لَيْلٌ
كَائِنَاتٌ تَمْتَصُّهُ بِعُيُونِهَا كَامِلاً، لِتَجْتَثَّ ثُبَاتَهَا اليَوْمِيّ،
سِلْسِلَةٌ مَعْدَنِيَّةٌ تَحْمِلُ بِدَاخِلِهَا حِكَايَةَ الكَوْنِ،
يَمْتَصُّهَا اللَّيْلُ لِيَعْرِفَ ذَاتَهُ البَارِدَة.

وكُنَّا نَتَحَلَّقُ كَآلامٍ مَنْبُوذَةٍ، _دُونَ عَنَاءٍ يُذْكَر_ حَوْلَ هَالاَتِ القَمَرِ العَارِفِ،
ونُغَنِّي عَلَيْنَا قُبُورَنَا الْمَجْهُولَةَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ السَّاخِن.

هَلْ كَانَتْ مَجْهُولَةً؟

كَانَتْ مَسْنُودَةً بِكَلامِ الله الْمُوَزَّعِ بِدِقَّةٍ تُوْرِثُ الجَّهْلَ واليَأْس،
لِتُخْرِجَ رَأْسَهَا الْمَبْتُورَ مِن سِجْنِهَا القَاعِيِّ الفَاتِر،
                             قَاعٌ عَلَّمَنَا إيَّاهُ تَنَفُّسُنَا الْمُنْتَظِم،
                             طَمْأنِيْنَةُ جُلُوسِنَا النَّهَارِيِّ بِصُحْبَةِ الفَتَيَاتِ الْمَالِكَاتِ لِرَعَشَاتِ العَالَمِ الخَفِيَّة.

سِلْسِلَةُ مَفَاتِيْحٍ إذاً؛
كَانَتْ تَخْنُقُ الْمَشْهَدَ اللَّيْلِيِّ بِأَكْمَلِِه،
وهِيَ تَكْشِفُ فُحْشَ الأبْوَابِ بَعْدَ يَأسِ طُرَّاقِهَا.

يالَهَوْلِ الثَّبَاتِ عَلَى الأرْض،
يالَهَوْلِ التَّحْدِيْقِ فِي الرِّيَاحِ الطَّبِيْعِيَّة،
يالَهَوْلِ اللَّيْل.

إنَّهَا مُجَرَّدُ نَوْبَةِ مَفَاتِيْحٍ تَاهَتْ عَن يَدِ القَانُون،
ذلِكَ الْمُنْتَظَرُ عِنْدَ بَوَّابَةِ الغَنَائِمِ الفِرْدَوْسِيَّة،
بِنَظَّارَةِ نَدَمٍ،
وشُرُودِ سَرَابٍ مَهْزُومٍ بِعَيْنِ الْمَرْوِيِّ مِن آبَارِ الجَّمْرِ السَّحِيْقَة.


(5)


إنَّ الحِجَابَ ضَارِبٌ، عَلَى كُلِّ حَالٍ يُكَالِبُ أنْفَاسَهُ عَلَى الحَوَاسِّ السَّالِفِ ذِكْرُهَا بِغَرَضِ الإحَاطَةِ بِوَجْهِ الْمُطْلَق. رُغْمَ جُلُوسِنَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الدَّانِيَةِ مِن أَنْفِكَ الْمُرْتَجِفِ، وشَفَتَيكَ الْمُتَبَاعِدَتَيْنِ حَالَ سِرٍّ يُوْشِكُ عَلَى السُّقُوطِ سَهْوَاً، إنَّ الحِجَابَ لَضَارِبٌ ضَارِبٌ، بِفِعْلِ يَدَيْكَ، فِي القِدَم.

عِنْدَمَا تَحَرَّكَ بَصَرِي تِلْكَ الحَرَكَةَ البَسِيْطَةَ السَّاذَجَة، اسْتَطَعْتُ أنْ ألْمَحَ ذَلِكَ الوَقْتَ النَّادِرَ مِن الطَّبِيْعَة، ولَكِنَّهُ لا يَفْتَأُ يَخْتَفِي.
بَعْدَ أنْ تَمُرَّ السَّنَوَات، ويُوْلَدُ مِن صُلِْبي أبْنَاءٌ عُمْيَانٌ يَحْلُمُونَ بِرُؤيَةِ ألوَانِ جُلُودِهِم الجَّمِيْلَة ولو لوهلةٍ سَائِلَة، سَيَأْتِي ذَلِكَ الْمَوْقُوْتُ بِنَظْرَتِهِ، ويُحَدِّثُنَا عَن ذَلِكَ الوَقْتِ النَّادِرِ مِنَ الطَّبِيْعَةِ، لأنَّهُ سَيَمْلُكُ القُوَّةَ عَلَى تَثْبِيْتِهِ بَعْدَ كُلِّ مَا تَرَاكَمَ فِي عَيْنَيْهِ مِن عَمَاءٍ أبَدِيٍّ قَهَّارٍ لِمَا يُرِيْد.
سَيَقُولُ لَنَا:
إنَّنِي أَتَّجِهُ الآنَ بِخَطَوَاتِي نَحْوَ الوَقْتِ النَّادِرِ، إذْ فِيْهِ دَبَّابَةٌ عَلَى الطَّرِيْقِ الْمُؤَدِّي للأشْجَارِ النَّاسِكَةِ، إنَّهَا بِلا شَكٍّ دَبَّابَةٌ ضَالَّة، ظِلالُ جِبَالٍ _بلا جِبَالٍ_ تُلْقِي بِنَفْسِهَا عَلَى انْحِنَاءَاتِ الْمَعْدِنِ القَاسِي للدبَّابةِ، أضوَاءٌ ميِّتَةٌ تَنْـَزلِقُ مِنْهَا بِيُتْمٍ اسْطُورِيٍّ، وعَلَى عَتَباتِ بَابِ الدَّبَابَةِ الجَّانِبِيِّ جَلَسَ شَاعِرٌ مُطْرِقُ الرَّأسْ، وعَلَى شَعْرِهِ سَطَعَتْ صَيْحَاتُ طُيُورٍ جَارِحَةٍ، ومِن أصَابِعِهِ البَوَّاحَةِ سَالَتْ قَطَرَاتُ بَارُودٍ مُسْتَعْمَل. عِنْدَمَا اقْتَرَبْتُ مِنْهُ، رَفَعَ رَأسَهُ غَيْرَ مُنْدَهِشٍ مِن وُجُودِيَ الأعْمَى فِي هَذا الوَقْتِ السرِّيِّ النَّادِر. ومَا كَان لَهُ إلا أنْ تَحَدَّثَ مُشِيْراً بِعَيْنَيْهِ، بِطَرْفٍ خَفِيٍّ إلى الدبَّابَة. كَانَ بِثِيَابِ الحَرْب، وفِي عَيْنَيْهِ نَظْرَةُ الخِيَانَةِ الأبَدِيَّةِ لِمَا يُعْرَفُ بِحَسَاسِيَّةِ الشَّاعِرِ ورَهَافَةِ دَمْعَتِهِ الوَاضِحَةِ عَلَى كُتُبٍ مُهْمَلَة.


قال:
(يَالَجَمَالِ الْمَعْدَنِ يَكْسُو عُرْيَ الدبَّابَةِ، كَمْ تَحَمَّلَ مِن خَوْفٍ مُحْكَمٍ تَبَخَّرَ مِن جلُودِ الجُّنُودِ، تَحَمَّل مُعَاتَبَةَ الأرضْ _أُمِّهِ_ على تَصَدِّيْهِ الأرْعَنِ لِمَهَمَّةِ الزَّحْفِ البَطِيءِ بِأوَامِرٍ بَدِيْهِيَّةٍ مُرْعَبَة).



دَاعَبَ الأرْضَ، بَل أَخَذَ يَنْتِفُ تُرَابَهَا بِرِيْشَةٍ سَقَطَتْ مِن طُيُورِ شَعْرِهِ، مُحَاوِلاً كِتَابَةَ فَوْضَاهُ الْمُتَلَعْثِمَةِ دَاخِلَ نَظْرَتِهِ لِحَرَكَاتِ الطَّبِيْعَةِ السَّطْحيَّة، لَقَدْ عَادَ إلى إطْرَاقَتِهِ سَالِمَاً، غَانِمَاً بارْتِسَامِ الْمَعْرِفَةِ عَلَى وَجْهِي، مُحَرَّقاً بِلِذَّةِ اكْتِشَافِي لِمَخْبَئِهِ؛ بِلِذَّة اكْتِشَافِهِ صَبْرَ الدَّبابَةِ عَلَى جَهْلِ الشُّعَرَاءِ والفَلاسِفَةِ وأمَّهَاتِ الجُّنُودِ وعُيُونِ الأطْفَالِ الخَائِفَة. قَالَ (وَهوَ يُطْلِقُ صَوْتَ تَهَكُّمٍ مِن شَفَتَيه):

(هَلْ تَعْرِفُ حُكْمَ الْمَجْهُول؟ وماذَا عَنْ حُكْمِ الْمَنْبُوذ؟ ومَاذَا عَنْ حُكْمِ السَّاقِطِ تَحْتَ قَانُونِ الكَوْن؟ إنَّ لِكُلِّ شَيءٍ يَدٌ فِي مَا يَحْدُثُ لَهَا بِطَرِيْقَةٍ سِريِّةٍ مُضْحِكَة، وإنَّهُ لَمِنَ الخُرَافَةِ أن نَبْعَثَ العُرْيَ الذِي سَنَرْتَدِيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِن أسْفَلِ سَافِلِيْن لِيُجِيْبَ لَنَا بِكُلِّ بَسَاطَة!!. أنْتَ تُرِيْدُ: "بِكُلِّ بَسَاطَة"؟ أنَا أُريْدُ شِعْرَهَا الذِي سَتَتْرُكُهُ خَلْفَهَا بَعْدَ أنْ تَقْتَنِصَ دَرْسَهَا الْمَجَّانِيِّ السَّافِر. لَكَ مِنِّي عَهْدٌ بألاَّ أقْتُلَكْ إنْ تَتَبَّعْتَ سِيْرَةَ الْمَجْهُولِ والـمَنْبُوذِ والسَّاقِطِ تَحْتَ قَانُونِ الكَوْن بِمَعْرِفَتِهِ).

وعِنْدَمَا حَدَّقتُ بأسْرَابٍ شُدَّت لِهِجْرَتِهَا بالذُّهُولِ، قَالَ:

(يَا عَزِيْزِي الْمَخْدُوع، إنَّ للشُّعَرَاء قِيْمَةَ قَتْلٍ فِي حَدِّ ذَاتِهَا الْمَسْنُون، ويَحْمِلُونَ فِي هَذا الخَيَالِ تَأوُّهَاتٍ مَفْغُورَةَ الذَّبْحِ لأجْلِ التِهَامِ سُلطَانِ الحَيَاة).
......

(إن الدَّبَابَةَ لذَاهِبَةٌ فِي طَرِيْقِهَا للأشْجَارِ النَّاسِكَة، سَتَتَعبَّدُ إلى الأَبَدْ، رَاثِيَةً نَوَايَا القَذَائِفِ الَّتِي فَارَقَتْهَا لِتُثبِّتَ أَقْدَامَ العُرُوشِ الْمَائِيَّةِ لِلحُكَّام، رَاثِيَةً حَالَ الأمْطَارِ التِي سَالَتْ عَلَيْهَا وهِيَ تَهُمُّ بإبَادَةِ الْمَزَارِعِ الْمُكَدَّسَةِ بالنَّبَاتَاتِ الجَّافَة، سَتَتَعَبَّدُ إلى أنْ تَنْتَقِلَ إليهَا قَابِلِيَّةُ الحَرْقِ مِن الأشْجَارِ النَّاسِكَة. حيْنَهَا سَتَنْتَهِي، سَتَبْدَأُ بَرَاكِيْنُ الجَّمِيع بِشَقِّ ثِيَابَهَا، لأنَّ الأسْلِحَةَ الْمَزْرُوعَةَ فِي رُوحِ الإنْسَانِ سَتُشْغَلُ بالنُمُوِّ الحَقِيْقِيّ، بَعْدَ تَجَرُّدِ الأسْلِحَةِ الفَتَّاكَةِ مِن بَصَمَاتِ السَّمَاءِ ورَائِحَةِ الطَّبِيْعَةِ وشِعْرِ الشُّعَرَاء).




ثمَّ إنَّنِي يَا أَبِي أتَنَازَلُ عَن تَحَسُّسِ شِفَاهِ الْمُتْعَةِ بِأسْمَالِي،
تَارِكَاً مَرَارَتَهَا تَعْبُرُ عَمَائِي، شَاكِيَةً لَكَ بُعْدَكَ عَنْهَا.

ثُمَّ إنَّنِي امْتَلأتُ بالشَّاعِر..

ثُمَّ إنَّنِي لَبَرِيءٌ مِنَ الحَيَاة.

                                                (6)


مِنْ آخِرِ السَّنَوَات،
مِن آخِرِ قِطْعَةٍ فِي ثَوْبِهَا،
وهِيَ تُرَفْرِفُ غَاوِيَةً هَوَاءَ التَّارِيْخِ العَلِيْلِ، بِرِئَةٍ سَكْرَانَةٍ بالشَّمَاتَة
                                                          مِن آخِرِهَا الْمُسَمَّرِ بالنُّبُوءَات،
الْمَشْفُوعِ بِنُبُوغِ السَّحَرَةِ وشَحَّاذِي العَمَى:
الْمُرَقَّمْ،
الهَالِكِ بأشْلاءِ الْمُلُوكِ الْمُغْرِيَة، الْمُهَدَّلِ بِغَنَجِ الحُورِ العِيْن، الْمَجْرُوحِ بالخَيَالِ المُطْلَق.
من آخرها:
تَخْرُجُ شَمْسٌ كَاذِبَةٌ،
بِخَطَوَاتٍ خَفِيْفَة،
دُونَ أنْ تَحْرِقَ القمَاشَ الوَاهِي، الفَقِيْر.
 تُعَلِّمُ الأَرْضَ، الَّتِي تَسْتَقْبِلُهَا، تَوَهَانَ الحِسِّ المُعَرِّضِ لِلْحُبِّ وتَضْحَك...

لَمْ تَخْتَلِف الصُّورَةُ كَثِيْرَاً،

فِي أوِّلِ السَّنَوَاتِ كَانَتْ اليَدُ البَشَرِيَّةُ مُجَوَّفَةً بِشَكْلٍ مَعْقُولٍ لِتَحْتَوِي الشَّمْس، والَّتِي تَتَسَلَّلُ الآنَ هَارِبَةً، تَجْوِيْفٌ دَائريٌّ ثائرٌ بالبِدَايَةِ والنِّهَايَة، دَاخِلَهَا تَتَلألأُ صُوَرُ المُدُنِ، الغَابَاتِ، الحَرَائِقِ المُعَلاَّةِ عَلَى سُطُوحِ القُرَى، عُيُونِ الأطْفَالِ البَعِيْدَةِ وهِيَ تَشِدُّ انْتِبَاهَ الأمْطَارِ العَابِرَة، تَتَكَثَّفُ صَرخَاتِ الإنَاثِ التَّائِهَاتِ فِي الدَّغْلِ البَائِر بَيْنَمَا تَتَغَزَّلُ مِيَاهُ البُحَيْرَاتِ بأجْسَادِهِنَّ الضَّاوِيَة، صورُ الثَّعَالِبِ الوَحِيْدَةِ وَهِيَ تَتَسَامَرُ أَمَامَ جُحُورِ الأرَانِبِ الشَّهِيْدَةِ، الجِّبَالِ بِسَلاسِلِهَا الجَّمِيْلَةِ المُحَلاَّةِ بِقَلائِدَ مَحْبُوكَةٍ بالجَّمَاجِمِ البرَّاقَة، و للمُحِيْطَاتِ أحْوَالُهَا الشَّارِدَةُ فِي تَفْسِيْرِ الحُريِّةِ الميِّتَةِ فِي قَاعِهَا.. دَاخِلَهَا
كَانَتْ الصَّيْحَةُ الخَالِدَة
والجَّسَدُ خَالِقُ الصَّدَى
والرُّوحُ كَاتِبَةُ مَسْرَحِيَّةِ القَبْرِ عَلَى تُرْبَتِهَا.



                                                (7)

خَارِجَ خَارِطَتِكْ:
                  
البَيْتُ القَابِلُ للكَسْرِ
خَالِقُو هَوَائِهِ بِأيْدٍ مَهْجُورَةٍ مِنَ الطِّيْن؛ مُغَرِّدَةٍ بِدُمُوعِ الخَفَافِيْشِ
                                      حَدِيْدُ المَلاَئِكَةِ المُسْتَجِمِّ بآيَاتِهِمْ.. أَسَّسَهْ
                                      الرَّقِيْبُ الَّذِي مَادَ عَنْ قَامَةِ العَبَثِ البَشَرِيِّ الَّتِي انْتَصَبَتْ دَاخِلَهْ
                                                          يَتَغَوَّلُ بالمَطَرِ المُتَطَايِرِ مِنْ سَقْطَتِهْ
                                                          ويُلَيِّنُ قَلْبَ الجِّدَارِ الْمُسَوِّرِ للبَيْت،
جِدَارٌ كَسَى عَوْرَةَ النَّائِمِيْنَ بِدَاخِلِهْ
ضوءُ أَعْيُنُهُم سَالِمٌ
         _بِحِمَايَتِهِ_
مِن مُدَاعَبَةِ الفَضَلاتِ المُسِنَّةِ
شَمْسُكَ تَأْتِي
تتمرَّدُ، تُشْفِي حُدُودَ الفُصُولِ بِأَنْ تُحْدِثَ الصَّرْخَةَ الكَافِيَة؛ للخُرُوجِ عَلَيْهَا
وللبَيْتِ أنْ يَرفُضَ الدِّفء
يَشْرَحُ مَمْلَكَةَ اللَّيْلِ دَاخِلَ صَرَعَاتِهِ
وجُنُودُ النُّجُومِ الَّذِيْنَ قَضَوا نَحْبَهُم فِي مُصَارَعَةِ الصَّخَبِ المُسْتَعِرْ
                                                            فِي الزَّوَايَا
                                                  وِفِي شَفَقٍ يَكْتَوِي بِالغُبَارِ القَدِيْم
ظِلالٌ تُحَرِّكُ سَاكِنَهَا
مُنْذُ أنْ كَانَ مُلاَّكُها فِي سَرِيْرٍ يَرُجُّونَ ثَلْجَ المُلاَمَسَةِ الشَّاسِعَة،
يَشْغِلونَ تَوَاطُؤَ أغْلالِهِم بِأَنِيْنِ اللَّهَب
                            وَهْوَ يَنْفُضُ قُوَّتهُ عَبْرَ قُبْلَة..
أَلَمْ يَكُن الظِلُّ أصْلاً
غِوَايَةَ ذِكْرَى الجَّسَد،
وحُلمَ الجَّمَادِ بِحُريَّةٍ مُسْتَحِيْلَة؟!


خَارِجَ خَارِطَتِك:

يَقُومُ مَكَانَ الخيَامِ _الَّتِي اقْتَلَعَتْهَا أَظَافِرُ تَارِيْخَهَا_
أَثَرُ الطِّفْلِ حِيْنَ حَبَا تَحْتَ رَحْمَتِهَا
                   مُسْلِمَاً بَالَهُ لِتَخَيُّلِ أَشْبَاحِ جَدَّتِهِ فِي القمَاشِ الْمُسَرَّبِ لِلحَرْقِ
                   كَاسِرَاً عَيْنَ شَمْسٍ تَرَصَّدَتِ النَّفَسَ البَارِدَ فِي صَوْتِهِ
                                      وفُضُولٍ يَضُجُّ بِكَفِّهْ

                   وَهْوَ
                   مِن
                   شِدَّةِ
                   الرُّوْحِ
                             يَقْبَلُ أنْ يَشْتَعِل.


تَقُومُ مَكَانَ الرِّيَاح
شَهقَةُ امْرَأةٍ ضَاعَ مِنْ جِلْدِهَا جِنْسُهَا؛
                   ضَاعَتْ الخَطَوَاتُ الَّتِي أطْلَقَتْهَا بِصَحْرَاءَ فَسَّرَتِ الرِّيْحُ مَلْمَحَها المُتَقلِّب.
                             والسَّنَوَاتُ الَّتِي لَمَعَتْ فِي حِجَابِ مَبَاهِجِهَا لَمْسَةٌ تُفلِتُ اللَّيْلَ مِن سُترِهِ
                             وهِيَ
                             مِن
                             شِدَّةِ
                             الطَّلْقِ
                             تُسْرَفُ فِي جَنَّةٍ وَاشِيَة
                  
تَقُومُ مَكَانَ الدِّمَاءِ
ارْتِجَافَةُ كَفِّ الَّذِي جَرَّحَ الأرْضَ وهِيَ تُطِلُّ _بلا كَلَلٍ_ مِنْ مَقَاصِدِهَا الدَّائِرَة
                                      مِنْ أَصَابِعَ شَائِخَةٍ تَسْرِقُ الحِبْرَ مِن صُوَرٍ ثبَّتَتْهَا الحُرُوبُ البَرِيْئَةُ:
                                                                   طِفْلٌ يُسَمِّي القَذِيْفَةَ نَجْمَاً
                                                                   ثَوْرٌ يُدَوِّرُ شَهْوَتَهُ فَوْقَ أنْقَاضِ أُنْثَاهُ
                                                                   سَقْفٌ يُجَمِّلُ نَظْرَتَهُ للسَّمَاءِ الَّتِي تَخْتَفِي
                             وهِيَ
                             مِن
                             شِدَّةِ
                             الأرْضِ
                             تُشْفَى بِيَأسِ اسْتِدَارَتِهَا الخَالِدَة.

يَقُومُ
المَكَانُ
لآلِهَةٍ
بَائِدَة.



                                      (8)



وكَانَ ذَلِكَ لأَجْلِ نِسَاءٍ شَفَّافَاتٍ وخَمْرٍ مِسْكِيْنٍ يَجْرِي مَغْلُوبَاً عَلَى أَمْرِهِ فِي أنْهَارٍ حَائِرَةِ الاتِّجَاهِ من تَحْتِهِمْ،
وكَانَ ذَلِكَ لأَجْلِ أَعْلامٍ خَرْقَاءَ فِي أَطْرَافِ المَجَرَّةِ تُعْلِنُ حُدُوداً قَابِلَةً للإحْتِضَانِ، تُعْلِنُ عَنْ تُرْبَةٍ تَحْتَمِلُ قِيَامَ قَوَائِمِ عُرُوشٍ جَارِحَةٍ عَلَيْهَا
وكَانَ ذَلِكَ بِتَثْبِيْتِ العُيُونِ كالدَّبَابِيْسِ عَلَى خَرَائِطَ تَنْتَفِضُ بِدَاخِلِهَا أَرْوَاحُ الخَرَائِبِ الرَّاعِفَة،
وكَانَ ذَلِكَ بالخَرْقِ الْمَتْلُوِّ عَلَى رُؤُوسِ طُيُورٍ غَائِبَةٍ فِي تَسْلِيْحِ الضُّوءِ والظَّلامِ بِأَجْنِحَتِهَا.

تَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ يَدُ الْمُرَاقِبِ،
          يَدُ الْمَذْبُوحِ عَلَى أمْرِهِ،
          يَدُ الرَّاهِبِ عَلَى جِلْدِهِ الْمُتَمَرِّد،
          يَدُ الْمَعْقُوفَةِ عَلَى كُتْلَةِ أبْنَائِهَا الْمُتَوَرِّمَة،
           
مِن بَيْنِ كِلِّ القُطْعَانِ أسُوقُ تِلْكَ الَّتِي تُدْرِكُ حَتْفَهَا فِي شِفَاهِ الهَاوِيَة.

أَسُوقُ لَكَ قُطْعَانَ السُّحُبِ حَتَّى أَدْنَى حَرَارَةٍ تَنْفُثُهَا الأَرْض، حَتَّى فَمِ الوَرْدَةِ الْمُسْتَيْقِظِ تَوَّاً، حَتَّى صَدَى الصَّرْخَةِ الْمَشْنُوقِ عَلَى حَوَافِّ الأعْشَابِ الْمَكْشُوفَةِ للرِّيْحِ العَاصِفَة. السُّحُبُ تُجْهِشُ بِرُوحِهَا مِن تَأَثُّرِهَا بالقِطَعِ الحَرَارِيَّةِ العَابِثَةِ ذَاتَ الضَّفَائِر؛ الْمُنْتَشِرَةِ عَلَى كَامِلِ الكَوْنِ بِلاَ آيَاتٍ تَرْفَعُ آذَاناً لتُعْلِنَ صَلاَتَهَا الجَّهْريَّةَ، كَيْف؟ وجَامِعُهَا مَحْرُوْسٌ بِتَقَلُّبَاتِ اللَّيْلِ ومُضَاجَعَةِ الكَوَابِيْسِ الَّتِي بِلا فَمٍ ولا رَائِحَة، تَبْويْبِ الأَبَالِيْسِ _عَلاَمَاتِ الأَرَامِلِ مُوَهِّجَاتِ الذِّكْرَيَاتِ بِشُهُبِ القَلب_، كَيْف؟ وَصَوْتُهَا مَسْحُوقٌ يَحْفَظُ مَاءَ وجْهِهِ بِتَجْرِيْحِ حَلْقِ مُتَجَرِّعَهُ الْمُفْتَرَضْ؟! كَيْف؟ وسَمَاوَاتُ رُؤَاهَا تُمَاسِكُ رُوْحَهَا بِشَظَايَا الْمَرَايَا الْمُثبَّتَةِ عَلَى بَطْنِهَا هَنِيْئَاً لِسَلاَمَةِ العَيْنِ صَاحِبَةِ اللَّفْتَةِ البَارِعَة؟!.






وأَسُوقُ قُطْعَانَ السُّحُبِ عَارِفَاً بالذِّئَابِ الَّتِي تَنْسَلُّ مِن قمَاشِ قَمِيْصِي السَّارِح، عَارِفَاً بالأطفَالِ الْمَلُولِيْنَ البَاحِثِيْنَ عَن ابْتِسَامَةٍ فِي صُورَةِ السَّحَابَةِ الْمُبَاغَتَة، عَارِفاً بِمَوَاعِظِ الْمَنْفِيِّينَ قَاتِمَةِ الجَّدْوَى وهِيَ تَرَى فِعْلَهَا يَتَجَذَّرُ فِي تَرَدُّدِ الأمْطَارِ الَّتِي لَنْ تَهْطُل.

وأسُوقُ لَكَ القُطْعَان وهِيَ تُسْقِطُ فَضَلاَتِ لَمَسَاتِهَا المُهْدَرَةِ طَعَامَاً للعُمْيَان.





                                                (9)



السَّنَابِلُ تشْغِلُ أروَاحَهَا بِقَضَايَا الرِّيَاح
بأرْحَامِهَا الْمُشْرَئِبَّةِ بالطَّيْرِ والصَّيْد،
والصَّرَخَاتِ الوَلُوفَةِ للشَّمْسِ فِي غَرْبِهَا
بانْتِفَاخِ الفُصُولِ التِبَاسَاً وفَتْكَاً بِقُرَّاءِ مُسْتَقْبَلِ الثَّمَرِ الْمُرْتَخِي فِي الفُرُوعِ العَلِيْلَةِ

أَشْبَاحُهَا _السَّنَابِل_ تَخْلِقُ أرْصِفَةً فِي ازْدِحَامِ الْمُدُن،
                             وازْدِهَارِ سُلاَلةِ أبْنَائِهَا بالصِّنَاعَةِ والتُّرْبةِ الْمَعْدَنِيَّة

أشْبَاحُهَا كَائِنَاتٌ مُشَرَّبةٌ بالتَّشَرُّدِ فِي عَيْنِ فَاحِصِهَا الْمُنْتَظِر،
                                       وَهْوَ يُغْرِقُ أقْدَارَهَا فِي كِتَابِهْ.

(مَلاَئِكَةٌ غَارِقُونَ بِوِحْدَةِ لِذَّاتِهِم يَشْرَحُونَ انْقِطَاعَ الْمِيَاهِ عَنِ الرِّيْحِ، والسُّحُبُ انْتَشَرَتْ فِي جِيُوبٍ يَدُسُّوْنَ أَطْرَافَهَا فِي بَوَاكِيْرِ أنْوَارِهِم).

وكَأنَّ السَّنَابِلَ _بَعْدَ الرُّجُوعِ مِنَ الْمُدُنِ الفَاتِكَة، بِهَزَائِمَ لا تَنْتَهِي_
شُلَّةٌ مِن أرَامِلَ غَالَبَهُم فِي الدُّمُوعِ العَمَى،
يَتْرُكُونَ سُلاَلَةَ أزْوَاجِهِم للقِيَامَةِ،
 والذَرَّةِ الهَيدْرُوجِيْنِيَّةِ الحَائِرَة.

                                                (10)

أغَانٍ تَتَخَلَّلُهَا لَحَظَاتٌ صَامِتَةٌ يُلقَى عَبْرَهَا سَلامٌ،  (لأيِّ شيء؟)
أغَانٍ كهذِهِ
لا تَحْيَا إلا دَاخِلَ قَارُورَةٍ حَدَّدَ مَادَّتَهَا حَاكِمُ الكَوْنِ العَظيمِ لَحْظَةَ مَسَّهُ حُلمُ الإنسان.
مَادَّةٌ خَطَّاءَةٌ تُشْوَى بِخَطَواتِ الطُّرُقِ المَسْدُودة، تُمنحُ البُهتَانَ حينَ يَلفُظُ ضَميرُهَا طَلَبَ القُبْلَةِ.
وقد كانَ للرِّيحِ أَيادٍ أيْضَاً عِندَمَا تُؤمِنُ بِأنَّ لَهَا خُلوَةً في هذا العَالَم، وكانت تُمسِكُ القَارورَةَ بين يَدَيْهَا كَوَجهٍ عُذْرِيٍّ يَأَّسَهُ الإنْتِظَار، وتَرْجُو الأغاني بِلُغَتِهَا الضَّائِعةُ في الصيغِ الشِّعْريَّةِ أنْ اعْمَلِي أبداً داخِلَ الهوَاءِ الذي مَرَّ فِيهِ أوَّلُ طائرٍ أنْجَبَتْهُ السَّمَاوَاتُ، وهوَ يُؤَدِّي سَقْطَتَهُ الأخيرَةَ، ولْيَكُنْ عَمَلُكِ تَمِيْمَةً تُجَنِّبُ الحَيَاةَ حَسَدَ الملائِكَةِ الصَّائِبِيْن، تَميمَةً تَشنِقُ فُتاتَ الأصابِعِ الَّتِي تُنْجِبُ نَارَاً وتُلوِّثُ نُطْفَ اليَقِيْنِ في ثَلْجِ تَارِيخِهَا، تَمِيْمَةً تَحْكِي للمَوْتِ تَفَاصِيْلَ جَسَدِهِ الَّتِي تَكْسِرُ كلَّ مرآةٍ وَقَفَ أمامها متأمِّلاً، وتُكسَرُ داخِلَ كلِّ عينٍ لَمَحت صوَرَهُ الزَّائِفَة.

كانَتْ نَظْرَةُ الأرْضِ صَمَّاءَ دَائِمَاً.

يُنفَى الطَّائِرُ فِي الهَوَاء،
أصْلاً كَانَ فِي العَدَمِ الْمُلْتَهِبْ،
لِهَذَا، أصْبَحَ يُغَرِّدُ، ويَصِيْحُ بَيْنَ مُقَاوَمَاتِ الهَوَاءِ الجبَّارَة.

تَتَسَلَّقُ الكَوَارِثُ السَّكْرَانَةُ جُذُوعَ الأشْجَارِ اللَّينَة،
تَتَوَهَّمُ خُلُودَهَا بَعْدَ تَقْبِيْلِ الأوْرَاق،
لَكِنَّ الطَّائِرَ بالْمِرْصَاد.

لِكُلِّ شَجَرَةٍ (إنْدَايَةٌ) فِي الجُّذُورِ
تُخْفِقُ فِي تَعْرِيْفِ هَوَاءِ الْمُتَنَفِّسِ بالعَبَرَات،
تُفْلِحُ فِي تَصَوِّرِ السَّمَاءِ وَهِيَ تَسِنُّ قَوَانِيْنَهَا _السَّارِيَةَ الْمَجْهُول_ عَلَى جَسَدِهِ،
الطَّائِرُ يَأْتِي لِيَنْقُرَ خَشَبَ الجَّسَدِ الْمَخْفِيِّ بِرُعُونَةٍ،
الطَّائِرُ بالْمِرْصَاد.

صُورَةُ الصيَّادِ ثَابِتَةٌ فِي عَيْنِ الطِّفْل
(الصيَّادُ: أبَاهُ الْمُبْتَسِم)
مَنْ عَلَّمَهُ الأسْمَاءَ جَمِيْعَاً
عَلَّمَهُ الذَّنْبَ الْمَعْقُوفَ زِيْنَةً حَادَّةً فِي شُبَّاكِ غُرْفَتِهِ المفتوح، المُتوَحِّش،
عَلَّمَهُ تَدْرِيْبَ البِحَارِ عَلَى سُلُوكِ شَخْصِيَّاتِهَا اللانِهَائِيَّة، الأنْهَارُ الْمُتَّهَمَةُ بالإغْرَاقِ السَّهْل،
عَلَّمَهُ إصَابَةَ الهَذَيَانِ فِي مَقْتَل، حِيْنَ يُحْكِمُ الطَّائِرُ بَصْمَتَهُ عَلَى إنَاءِ الخَمْر الْمَكْسُورِ ويُجْرَح،
عَلَّمَهُ دَهْنَ الأيَادِي الَّتِي سَتُصَافِحُهُ _طَوَالَ العُمْر_ بِرَائِحَةِ غِشَاءِ العَيْنِ الوَاهِي.
(صُبَّنِي يا أبِي فِي أسْمَاءِ الكَوْنِ حَلِيْبَاً لَمْ يَفْطِمْ مَجَرَّةً بِيَقِيْنٍ يُلْمَس)

صُورَةُ الصيَّاد ثَابِتَةٌ فِي عَيْنِ الطِّفْل،
صورةُ السِّرْبِ الْمُهَاجَمْ؛
الشِّتَاءُ الرَّاجِفُ دَاخِلَ عظام أفْرَادِهِ الْمُتَصَلِّبَة،
البَقَاءُ الْمُنْتَفِعُ بِكَوْنِهِ أجْنِحَةً،
والطَّائِرُ
بالْمِرْصَاد.




تَبْهِيْمُ الْمَعْبَدِِ بِخُلُودِ السَّاجِدِيْن
لا يَعْفِيْهِ مِن الشَكِّ الْمُتَدَفِّقِ مِن الجَّبْهَةِ السَّاجِدَة،
الشكُّ الَّذِي يُخَلِّفُ كَهْفَاً فِي تَجَعُّدَاتِ الْمُتَأَمِّل.

تَبْهِيْمُ الْمَعْبَد بِنَثْرَ الطُّيُورِ عَلَى سَقْفِهِ الحَائِر،
لا يُشْفِيْهِ مِن غِيَابِ الشَّمْسِ عِنْدَ الغُرُوب، ومُتَرَتّبَاتِ ذَلِكَ، مِن انْجِذَابِ الطُّيُورِ لِوَكْرِ الشَّمْسِ الكَاذِبْ، وتَفَتُّتِ أَجْنِحَةِ الخَفَافِيْشِ فَوْقَ الرُّؤُوسِ الغَافِلَة.

الطَّائِرُ بالْمِرْصَاد.

يُنْفَى الهَوَاءُ فِي العَدَم،
يَبْقَى اللَّهَبُ مُعَلَّقَاً بِنَظْرَةِ الطَّائِرِ الأبَدِيَّةِ للبَريِّةِ الخَائِفَة،
وَهوَ مُثبَّتٌ أَعْلَى صُخُورِ الجَّحِيْمِ الْمُرَمَّمَةِ بِتَشَقُّقَاتِهَا.






                                                                                عينُ الجنَّة



سَاقِيَةٌ سَكْرَانَةٌ فِي أُفُقٍ مَيِّتٍ تَدْعُو صُقُوراً جَائِعَةً لِتَأَمُّلِ الْمَاء:
مَاءُ الْمَلائِكَةِ القَابِضِيْنَ عَلَى مَصَائِرِ الفِئْرَانِ الْمَبْذُولَةِ للبُيُوتِ الجَّمِيْلَة،
مَاءُ السَّلاسِلِ الكَاسِيَةِ لجِرَاحِ الرَّاكِضِ العَارِي فِي سَاحَاتِ الْمُلُوكِ الرِّيَاضِيَّة،
مَاءُ كَمِيْنِ النَّشْوَةِ مُغْتَرَفَاً مِن سِيْقَانِ الجنَّةِ وَهِيَ تَتَأَوَّهُ مِن وَطْأَةِ خَيَالاَتِ الأَرْضِ.
فِي النِّهَايَةِ؛
كُرَةٌ أَرْضِيَّةٌ تُوْحِشُهَا لَمَسَاتُ الأَقْدَامِ الْمُرْتَعِبَة؛
سَاقِيَةٌ سَهَّارَةٌ تَكْشِفُ عَوْرَتَهَا عِنْدَمَا يَعْكِسُ الغَفَّارُ اتِّجَاهَ الزَّمَن.

---------------------




The Blinds' Paradise
(Root's Unknown Heavens)

By: Mamoon Eltlib.

[Translated, from Arabic, by: Ibrahim Jaffar (March- June 2007)].

The Paradise's Heart

                                                         
Traitor: This blind bull is
Kicked he the earth
And, with his imagination's horn,
Stabbed space,
Leaving behind his wrestlers panting into their sleep,
Beyond stars' dripping blood, he promises
Their lukewarm weapons with untraceable battles

A traitor: This drop is,
Happily unto the ocean's resounding digging grave,
Thus, within her heart, belittling clouds' worth

(1)

Tomorrow your death will be an idol under which
Feet you shall worship while your precious treasures panting
Under his filthily dirty coward fingers.  Tomorrow- you scoundrel-
Creepers shall mutate, looking out from several burrows within you:
Burrows extending from your touches, from your looks, burrows
Bursting with hissing you wish not to hear- that hissing forming steps With the lust of blind little preys which, in bright attires, are tempted into it.

I lead you on to easy death:

The death that's paved at the fore of mysterious queens.
I am not in a hurry of my age;
My age's end is showing fear's muscles up to God
And thus uselessly rest
On porches born out of your look at the enchanting gaze
I sat- perhaps for minor years-
I sat- perhaps for diaries the puzzlement's papers of which
Are torn when intimidated by people's wind.
Your elusiveness was the heat of porches beneath me
And the wails' engraving unto the air that encompasses me
You are soaring plains
On which battles of hunting and preying are fought
Without any mentionable grudges;
On which ailing clouds encroaching unto draught's beauty
You are the plains, and you have the choice:
To rise up out of a fever seething out of the lost ones' lives-
Those who are oblivious to your stars' signs- those who
Died drowned into thirsty. 
Or to kiss the eagle on the mouth
While it's waiting for a promised cadaver. 

I lead you on towards easy death,
For you I so pave on the mysterious/mythical queens
That you can realize the greatness of walking,
Over their scents, without pitying your withering loneliness.

(2)

The palace's painting
Is initiated with
A single punctuation into an isolated rock
That does not attract a glimpse, even unto
The breast of the mother: The Earth.
The palace's painting is finished with
A dash that is signed in by bodies falling
From its laughing heights, exterminated by orders tampering with
Their issuer's bowls; finished with a child's eyes' farewell's wave-
A child who, in the palace's pavilions, witnessed
Battles off which he- sensing guilt over his on-to-halls echo-moving pulse- blissfully slept.

With the painting then I wave
Towards you, with no coffin in my blinks!

And I sing for you: soothsayer's dagger burst
Into prison's back; serpent tusk's weeping in beautiful wine's goblet;
Old woman sewing the queen's immortal dress; the temple rolled
Into the very murdered harvest; your naked body relishing
Embracing rusty fence with sharply shimmering gold. 

(3)

At the calamities' ends, naively betting, I am,
Joined with
Blind heavens, a vocabulary strolling about
Simple-minded tyrants' lips; joined I am,
With a sun flickering on the child's vast brow; joined I am
With homes' walls with olden dresses.

At the calamities' ends I kiss
The ugly giant on his protruding festering wound-
That wound laden with
Mercurial rivers welling up with
Menses' fluids and toileting lead's powders.

You look down on us- you, dear throne!

And we, with heartfelt intensity, play-
Impotence is a rotting die on day's and night's countenances.

Being shaven for killing- we are,
Contemplating noon times migrating with
Birds and then
Abruptly
Shouting at their vanishing traces,
Running with feet bare except of ignorant spiritual thorns.

Beings flickering with tenderness, contemplating
The passing night with its long dress withdrawn
On heavens' collective graves- graves that are
No more wider than a hand's measure, leaving
Vast space for the ancient nothingness that's
Supporting The Earth with a dilapidated hand's bottom
While mudding his fingers with eyes witnessed slaughter and mayhem.

I do possess the heart:
The world is lost on me, busy counting
Bounties angels offered in a moment of weakness.

They do possess events' 'rationalized' sequence:
History's suffusion with blood's scenting
Unto beards and hairy backs; dingy dancing
On God's eyes' ruins; burning time at
The neck's holding into
The last corner of the knowing water's spirit.

That Earth is:
Volcanoes so milking sun's setting and rising that
They could busy themselves with waiting;
Oceans so seating four directions
On the humble wind's back that it could them bear;
Ground human atoms then, off its exhausted sweating, spreading;
The looks of marine beings mysterious at their bottom;
Shores enchanting beauties' contemplators unto stunning panting while
Yearning for expansive horizons. 

Oh, you, that humble murderous horizon,
Oh, you, you have naught….!

(4)

Night:
Beings, with their eyes, fully sucking it in;
Metal chain bearing within the universe's tale-
Night so sucking it in that it shall know its impassive self.

We- meanwhile- were, as abandoned pains,
Almost effortlessly circling
Around the knowing moon's auras, and then singing,
Unto ourselves, our unknown graves into the heating up future.

Were they unknown?

They were so supported with minutely diffused words of god in which
Ignorance and despair are inherited that they would,
From their tepidly sinking prison,
Lift up their head- a bottom that taught us
Our regular breathings, the tranquillity of our noon's sittings,
Enjoined with the girls that posses
The world's hidden tremors.

Keys' chain then
That which were strangling the wholeness of the nightly scene
While revealing doors' vice
When their knockers were in despair.

                                        How awesome is being fixed on Earth!
                     How awesome is glaring at natural winds!
                                                  How awesome is night!

That was only a handful of keys lost to The Law's hand-
The Law that, at the heavenly booties' gate, is waiting,
With regret's spectacles
And the distraction of a mirage beaten
By the very thing that is
Watered by
Labyrinthine fire embers' wells.

(5)

Veil is all-pervasive,
So heaving breathing on senses
Aforementioned
That it would encompass
The Absolute's face.
Though we are sitting at this night
That nearing your trembling nose,
Your lips parting
At a secret that is
Obliviously about
To fall out, yet veil is
Shot through,
Shot through,
For the cause of your hands,
Into times primordial.

As my sight taking in that simple, naïve shift, I was brought about to glimpse that rare time of Nature, but it's perpetually vanishing… when years pass and, from my loins, blind sons are born, dreaming of seeing, even for a single liquid moment, the colours of their beautiful skins that timed one shall come with his look, telling us on those rare moments of Nature, for he shall then have the power to fixate it with all of that which has accumulated into his eyes of eternal blindness vanquishing to all that it wills.

Unto us we shall say:
Now, with my own steps, heading I am, towards exceptional times where there is a tank on the path leading to ascetic trees (that's, no doubt, is an straying tank); where there is mountains' shades- without mountains- casting themselves unto the tank's cruel metal's bents while lifeless lights slipping off it in a mythical orphan-ness.  At the tank's side door's bench sat a poet, head bent and on his hair glitter shouts of birds of prey; from his fingers a used gunpowder's drops are flowing- when I came near to him he, non-pulsed by my blind existence at that rare mysterious time, lifted up his head.  But he never talks, except with eyes furtively gesturing at the tank.  The look of the eternal betrayal of what is known as the sensitivity of the poet and the tenderness of his clear tear on neglected books.

Said he:
                   (What a beauty is the metal veiling the tank's nakedness! 
           How much 'he' borne of a fear seeped out of soldiers' skins!
           How much 'he' borne the Earth's- his mother's- blame for his rash
           shouldering on of the task of the slow march spurred by
           horrifyingly plain orders!).

he fiddles with earth, even he went into pulling off its dust with feather fell from his hair's birds, all the while venturing writing his stuttering anarchy into his look at Nature's superficial moves;  back he came to his bowing, well and triumphant with posing of knowledge unto his face, singed with the pleasure of my revealing his hideout, with the pleasure of his unveiling the patience of the tank over the ignorance of the poets, the philosophers, soldiers' mothers and the eyes of frightened children.  Said he (as shouting a sarcastic sound out of his lips):
(Do you know the rule of the unknown?  And.... what about the rule of the abandoned?  And…. what about the rule of that which is falling under the cosmos's law?  Everything has, in a ridiculously mysterious manner, a hand in what happens to it.  Hence it's superstitious that we should, from the lowest of the lower, re-bear that we should, in Judgement's Day, wear, just to answer for us!!  You wish: ("so simply?").  I wish to have the hair that she should leave behind after grasping her gratuitously stark lesson.  I promise you that I should not kill you if you (just?) follow the biography of the unknown, the abandoned and that which is, knowingly, falling under the cosmos's law).


And when I intensely looked at flocks that were astoundingly drawn to immigration, he said:
(Oh, my dear bluffed fellow: poets have an in-its-sharpened-self value for killing, and, in that very imagination, they bear sighs that, for the swallowing might of life, are vast open unto their slaughter).
……….

(The tank is in a heading way towards the ascetic trees where she, forever, worships elegizing the bullets' intentions, leaving her to entrench in the watery thrones' fleet of the rulers, elegizing rains flowing unto her as she is off to ruining farms crammed with dry plants; worshiping she will, until, from the ascetic trees and on to her, viability for burning is transmitted.  Then she will perish; volcanoes will then everywhere begin renting cloths, for the weapons that are planted into man's soul (as fatal weapons are cast off heavens' prints, Nature's scents and poets' poems) will now be busied with real growth).

Then, my father, I shall decline sensing pleasure's lips with my rags, leaving bitterness crossing over my blindness, bemoaning, to you, your parting's distance.

Then I have been full with the poet..

(6)

From years' end,
From her dress's last piece,
Fluttering, tempting history's ailing air
With a lung drunk on contempt.

                                                                                                     From years' end,
Nailed in with prophecies,
Certified with sorcerers' genius and blindness's beggars:
That who is numbered,
Perishing with tempting kings' remains,
Mellowed with charming maidens' coquetry,
Wounded with absolute imagination.

From years' end:
A false sun emerging,
Light steps so gliding
That the poor one's shabby cloths wouldn't burn out.
She teaches the receiving earth the wandering
Of senses vulnerable to love and she laughs..

The PICTURE hasn't changed a lot:
At years' beginning the human hand was so curved that it could contain the sun that which is now furtively escaping: a circular hollowing revolving with the beginning and the end.  Within it images are glittering: cities, forests, burning fires heightened over villages' roofs, distant children's eyes drawing passing rains' attention- females lost in dried bush intensifying shouts while lakes' waters flirting with their emaciated bodies, lone foxes' images chatting before martyred rabbits' holes, images of mountains with their beautiful chains embedded with laces sewn with glittering skulls, images of oceans the thoughts of which pondering on interpreting their bottoms' dead freedom….
Inside them
Was the eternal shout,
The echo-creating body
And the spirit,
The writer of grave's drama on soil.

(7)

Out of your map:

The house that's breakable-
Those who initiated the air of which
With forsaken hands of clay,
Warbling with pats' fear,
Built by the overseer was
The iron of the angles that
Rests within their verses-
The overseer that swayed off
The human absurdity's pose
Within which it was erected
Gulping- as a Ghoul- the rain that
Off which fall is spraying, melting the heart of
The wall that's fencing the house- a wall that
Clothed the modesty of the sleepers within
(Secured is the light of their eyes from caressing aging remains).

Your sun comes,
Revolts, heals seasons' borders by initiating
The shout that's
Sufficient to break through
The house- then- can reject warmth,
Explain night's kingdom within its fits,
And so stars' armies perished in wrestling
The fury that's glowing unto its corners,
And unto a dusk scorching with ancient dust

Shadows moving their stillness,
Since their holders were in a bed
Churning the eyes of vast contact,
Lightening chains' complacency
With flaming groaning
As it's casting its power through a kiss..
Wasn't- essentially- shadow is
The body's memory's temptation,
And inert matter's dream of impossible freedom?!

Out of your map:

In the place of tents history's teeth of which pulled out
Stands the child's marks when he crawled under their mercies,
Yielding reflection to imagining his grandmother's apparitions
In the cloth stealthily given for burning, breaking a sun's eye
Monitoring cold breath in his voice and curiosity scuffling
Unto his hand's bottom

But he,
For
Spirit's
Intenseness
Consents to
Inflammation!

At wind's place is
A woman's gasp
Of whose skin her kind was lost;
Steps she shot into a desert wind interpreted its ever changing look.  And the years which glowed into her toys' veil was a touch untying night of fathoms

And she,
For
Birthing pangs'
Strength
Is
Indulging
Into
A betraying paradise

At blood's place is
The trembling of the hand of who that over-wounded the Earth as she- tirelessly- countenancing from the intentions of hers that are circulating from aging fingers stealing ink from images fixated by innocent wars:
                            
A child calls a bullet a star;
A bull circulating his lust on his woman's remains;
A roof beautifying looks for vanishing heavens

And she,
For
Earth's
Power,
Is healed
By
Her immortal turning's despair.

The
Place
Is
Set
On
For
Bygone
Gods.

(8)

That was for translucent women and helpless wine running into directionally bewildered rivers beneath them….
And that was for clumsy banners declaring at galaxies' extremities', embraceable borders, declaring a soul that bears setting on which wounding thrones' stands, and that was by fixing eyes, as pins, on maps pulsing within which the spirits of bleeding ruins….
And that was by the violation recited on the heads of birds absent in arming light and darkness with their wings.
To that witnesses the overseer's hand;
The hand of the un-will-fully slaughtered;
The hand of the monk, in his rebelling skin;
The hand of the crooked unto the swelling children's mass;
Amongst all of the flocks I drive on to you those which meet their extinction at the labyrinth's lips.

I drive on to you clouds' flocks
Down to the lowest heat that's
The ground's out-breathing,
Up to the just-awakening rose's mouth,
Up to the shout's echo strangled on
Grass's fringes open to storming winds.
Clouds bursting with themselves for
Being affected by
Playful heat pieces with curls spreading
All over cosmos without
Verses rising a call for resounding prayers.
How that is while the mosque
Is guarded with night's transformations
And copulating incubuses without mouth or taste,
With devils' chaptering- the signs of the widows
Glowing memories with heart's shooting stars!
And how that is while their voice
Is a powder retaining
Its face's water by wounding
The throat of its supposed swallowing one?!
How that is while their visions' heavens
Are integrating the soul of theirs
With the splinters of mirrors fixed
On bellies, just for the joy of the peace
Of the eye with the clever turn?!

And I drive clouds' flocks, knowing of the wolves sneaking through my oblivious shirt's seams, knowing of the fidgety children searching for a smile in the sudden image of the cloud, knowing of the exiles gloomily futile sermons as these see their act having roots unto the hesitation of rains that shall not fall.

And I drive unto you the flocks as they're dropping off wasted touches' remains- a food for the blind!

(9)

Cobwebs busy their selves with wind's issues,
With the wombs of which, full with birds and games, the familiar screams of the sun as setting westward, the seasons' swelling with confusion and preying on the readers of the future of the fruits that are slackening on ailing branches

The ghosts of which- the cobwebs- set on pavements into cities bustling and the flourishing of their sons' race with industry and metallic soil

Ghosts, those are: beings which are suffused with vagabondage while the awaiting watcher drowning their fates in his book.

(Angles immersed
Into the solitariness
Of their pleasures,
Explaining away
Drying off water#
While clouds spreading#
Into pockets
The edges of which
They hide
Into the earliest
Of their lights).

It was as if that cobwebs were-
As they were returning,
With endless defeats,
From fatal cities-
A flock of widows blindness
Overwhelms their tears,
Leaving- they are-
Their husbands' race
To the Apocalypse,
And to the perplexed hydrogen atom.

(10)

Songs punctuated with silent moments through which greetings are passed (for what?)
Songs like those
Do not live except inside a bottle the substance of which is determined by the Great Creator of the universe when touched by mankind's dream.
A sinful substance roasted with blocked road's steps,
Offered delusion when the conscience of which
Utters request for a kiss.
Wind also has hands when believing that it was unaccompanied in this world, and it was holding the bottle between hands as a virgin face despaired by waiting, hoping that songs shall, with their lost-in-poetic-formulae's language, ever work within the air in which passed the first bird that heavens begot as it was performing the last fall, hoping that their work shall be a spell freeing life from righteous angels' envy, a spell that strangles fingers' crumbs begetting fire and polluting certainty's drops into its history's ice, a spell that tells death on body's details breaking every mirror before of which he stood meditating and being broken within each eye that glimpsed his counterfeited images.

The earth's look was ever deaf.

The bird is exiled on air,
Primarily he was in the glowing nothingness
So he set on warbling and screaming amidst mighty air resistances.

The drunk calamities are creeping
Over tender trees' stems, imaging that
They should, on kissing leaves, be immortalized,
But the bird is on guard!
The bird is on guard!

To every tree there is a 'tavern' in roots
Failing defining the breather-with-sobs' air,
Succeeding in conceiving Heavens
Enacting laws- un-recognizably effective-
On the body of his
But the bird recklessly set about pecking the hidden body's wood;
The bird is on guard!
The bird is on guard!

The hunter's image is fixed in the child's eye
(The hunter: his smiling father)-
That who taught him all names:

                     Taught him
The guilt that's
Crooked as
A sharp decoration
Into his room's
Open window.
Taught him- he-
Training seas on
Behaving their
Infinite characters,
The rivers that are
Accused of easy drowning;
He taught him
Shooting delirium unto death,
When the bird
Tightens silence
On the broken wine's goblet
             And be wounded.....
He taught him
Greasing hands that
Shall- as long as he survives-
Shakes his hands with
The smell of
The feeble eye's film.

(Oh, my father, pour me into the universe's names a milk that hasn't weaned a galaxy with a touchable certainty).

The hunter's image is fixed in the child's eye,
The image of the assaulted flock;
The winter quivering inside stiffened bones of single birds,
The survival benefiting with being wings,
And
The
Bird
Is
On
Watch!
The bird is
On guard!
The bird is
On guard!

Mystifying the temple
With prostrating figures' immortality
Does not exempt it
From the doubt that flows
From the prostrated bow-
The doubt that leaves behind
A cave into the contemplator's burrows. 

Mystifying the temple
Via scattering birds
On its perplexed roof
Does not heal it
From the sun's absence at the setting's moments
And the effects of that of which is
The attraction of birds towards
The sun's false den
And pats' wings shattering over oblivious heads.

The bird is on guard!
The bird is on guard!

Air is abandoned into nothingness,
Flame remains suspended on the bird's eternal look at the frightened plains while he is fixed upon the highest rocks of hell that are mended with their splitting fissures. 

Paradise's Eye

A drunk water-wheel in a dead horizon calling hungry eagles to meditate on water: the water of the angles holding the destinies of rats consecrated for beautiful houses; the water of the chains clothing the wounds of the naked runner in kings' sports' fields; the water of ecstasy's hideout surfed out of paradise's legs as 'she' is sighing under the burden of earth's imaginative initiations.

At the end:

An earthly globe longing for terrified feet's touches;
An insomniac water-wheel revealing her modesty
When the forgiver reverses Time's direction.







اللوحة من أعمال التشكيلي عبد الله محمد الطيب (أبسفة)
Painting by: Abdullah Mohamed Altyeb

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا...

مَن يَلحَمُ أبعادي - ملف الشاعر محمد المهدي المجذوب

مَن يَلحَمُ أبعادي ملف الشاعر محمد المهدي المجذوب مقدّمة طينيَّة: يُعيدني هذا الملف لأيامٍ عَوَالٍ. تضافرت جهود مجموعة من الشعراء والكتاب لأجل هذا الملف الفريد، بقدر فرادة الشاعر الذي نواجهه من خلاله. أُنجز إبّان عملنا بالقسم الثقافي بصحيفة (الأحداث)  ـ (تخوم) ـ في العام 2008م. كان القسم وقتها بضم شخصين، الشاعر أحمد النشادر وشخصي، وقد واتتنا الجرأة والخيال لإنجازِ مغامرةٍ بسيطة عن روحٍ شعريّة وفكريّة وحياتيّة هائلة، عاشت، مجذوبةً، في أرضِ السودان ذات يوم؛ كانت روحاً فريدة، زاهدة، وغنيّة بكلّ شيء. في هذه المقدّمة لا غرض لي أبداً ففي الأسفل يتضح كلّ شيء. هذا الملف في حاجة إلى قراءة وإعادة قراءة، في حاجةٍ إلى روحٍ تستطيع الاستمتاع بملذاته، يحتاج إلى روحٍ ذات أبعاد. اسم الملف، الذي يُنشر به هنا في (طينيا)، مستوحى من اسم المختارات الذي اختاره الكاتب محمد الصادق الحاج (من يَلحمُ أبعادي)، ثمّ ألحقه بمقالته المُخترقة للحُجب: (أتكتَّمْتُم على (هذا المجذوب)، أم لم تكونوا جديرين به؟). أفتتح الملف بما كتبناه كمقدّمة، وعادةً كنا نضع مقدّمات ملف تخوم تحت عنوان (تربة). ثم تأتي...

إجلالٌ ونفورٌ أمام كلام الربّ: حول الثورة و"قطار الليل إلى لشبونة"

تنقيبات طينيّة (13) خطاب أَ ماديو : " إجلا لٌ ونف ورٌ أمام كلام الربّ " حول الثورة و"قطار الليل إلى لشبونة" لباسكال مرسييه مأمون التلب مُقدِّمة طينيَّة: (1) أ عود مرةً أخرى إلى باب (تنقيبات الطينيّة) لقراء مد وّ نتنا ، حيث أزور كُ تُ باً وكُتّاباً آخرين ، وفي الحقيقة فإن الدَّاعي لدخول الباب عادةً يأتي من نصوصٍ وكتاباتٍ أثَّرت فيَّ حدّ الألم والمعاناة والفرح واللذة الهائلة، وغيَّرت فيَّ بعمق، وصراحةً لم يحدث ذلك من ذ مدّة؛ صحيح أنني استم ت عت بمئاتٍ من الكتب الجيّدة خلال سنوات ال ا نقطاع عن العودة هنا، تعلَّمتُ الكثير وانتقلتُ إلى عوالمٍ وبلادٍ وأناسٍ آخرين، إلا أنني فوّتُّ "قطار الليل إلى لشبونة" إلى هذه اللحظة، والتي يتكاملُ فيها عالم القطار مع عالمي الخاص وحياتي الراهنة؛ حيث العجز لا اليأس، والمراقبة لا المُشاركة، أي التقدّم في العمر محسوساً بقوّة، وبالضبط عند مشاهدة الاستبسال الخارق لأجيال اليوم وحلمهم ببناء عالمٍ جديد! إنه لمن المُدهش، بعد أكاليل الهزائم التي تطوّق أعناقنا بأشواكها، أن ترى الحياة تتجدَّد رغم أنف عدميّة وانغلاق آمال عالم ا...