التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الجوهر - نص جديد








الجَوهر
مأمون التلب
مارس 2015م










على حافّة قبري وُلِدَت جَوهَرَتُك القديمة،
على باب الرحم، كذلك، كانت تُشرق
تَنضَحُ بما عَلَّمني الأسماء.
أُدرك ذلك بعبوري بوابات الجحيم جميعها،
بتجاوز حرائقها الجلديّة، وتقليب وجهي على أنواع روحي الكثيرة؛
كنتِ الماء الأول الذي سُكِبَ على سرّتي،
وكان اسمك مكتوباً على لوح الحبل السري المحفوظ.
في الأنحاء الكثيفة من غاباتك الصارمة
تَسَلَّقتُ جذوع الأشجار التي لم تَنبُت،
ـ الكُتِبَ عليها أن لا تَحيَا إلا في خيال الغابة ـ
فَحَصْتُ جذورها، رأيتُ مولد الخَبَل والنار في التواءاتها:
من الأشجار التي لن تُشجِر!.
تخيَّلتُكِ، دائماً، طفلةً تَحُوم في تلك الأنحاء
تُقنِعُ روحها بلذِّة النار في القلب،
وتَغتَالُ كل ما يُصادم ذلك،
كالغابة، تماماً، تُصادم كلَّ ما يُحارب كثافتها.
إليكِ، كذلك، تعودُ أصوات الطبيعة،
مُكَمَّلةً بنقاءِ ما تَقتَنِينَهُ بهذه الحروب:
حروبُ السلام الساري في التهاب الجوهر،
التهابٌ سَلَبني حبليَ السرّي، ونَسَبنَي لَكِ،
بكل ما في ذلك من لهبٍ وجسد 
.
تعرّفت على ذنوبي بينما أفحص توهانك في الجذور،
تعلّقت بحبّ ذنوبي وأنقذتُ نَضَارَتَها من الاحتراق.
كنتُ حقلاً تُنَمِّيهِ الدموع وقد صَرَخت لأجله الأنهارُ لتسقيه،
وكنتِ البحر المُتلقِّي لِثمارِ ناره:
كنت المُذيبة بالملح، الرشيقة بالصبر، والحامية من أحلام الجراد الحربي.
ما الذي كنته من قبلِك؟
كنتُ حقل الصَبّار القليل 
.
تَشَبَّثتُ بالشمس،
تَفَاقَمَت الظلال في كلِّ صرخةٍ صَرَختُهَا،
وتَحَركَّت الأقمار في كلّ قبلةٍ قبَّلتُها؛
فمَنْ كان شجرةً في حياتي كنتُ ثمرةً في حياتهِ،
ومن كان دميةً يُحرّكها الليل،
كنتُ الظلّ الذي ينتزعها من عبوديّة الشمس.
وبينما أُقَبِّلُ أصابعك الجميلة، على ضِفَّةِ القَهر،
كانت أسماك القاع تتصاعد وتتبخَّر،
تَصنَعُ السَّحاب المستحيل،
تُشرقُ بكل ما كان خيال الغرق،
بكلّ ما سلَّم جَوهَرَهُ لأجل صخورٍ تَتَلقَّى الجثث.

يا إله المحيطات، يا إله القمر والشمس!
إلى أين تُؤدي قبلةٌ أُطلِقُهَا، حارّةً، في روح من كانت المياه جَوهَرَها؟
من صَاغَت اليابسةُ رَحمَتَها،
وسَذَاجة قبرها؟.
من كانت رفيقةً يإشراق الأسماك في ابتسامتها القاهرة؟
إلى أين تؤدي الطفولة؟ إلى أين؟
إلى شِراك الصقور المُنتَظِرة، بكل شراهةٍ، أكاليل النصر؟
نصر أنبياء الجثث؟.
أكاليلُ النصر دائماً هي النجوم مُصغّرةً،
وفي لحظات الحرب، تشتعل كرايات الضوء؛
ضوء النار الغاضبة،
ومن سار عليها رُفِعت لأجله الأنخاب.
في خضم كل ذلك أتذكرك،
جميلةٌ تُراقب السماءُ سرّتها،
بينما أُنَمِّي أَمَلِي، أعلى هضابٍ جمَّعت أشباحك جميعها،
لأرى غروب شمس هذا اليوم على جوهر أناملك.
______________
لوحة:  عبد الله محمد الطيب (أبسفة)























تعليقات

  1. عندما يعلن الجوهر عن وجوده مثل شمس لا يخشى أن يحترق في رمادها ثقةً في إكسير جوهره المجوهرِ، وعندما نحاول أقصى ما فينا معرفة العلاقة بين اللوحة والنص وأي منهما كان ملهماً للآخر، يغوص الجوهر في برزخ منهما ويعود بكلتا يديه القابضتين على بعض هذا وبعض ذاك. ما أجملكما مأمون وعبد الله، وأنتما بكل الحب تشاركان العالمين بما جادت به الدنيا من جمال وسرور وانتصار وحزن يسمو بالسعادة إذ يفضح جمالها ويعرّي توقنا واشتياقاتنا وما نجد وما نعد وما نمد من أشرعة الآمال على مثل تلك الضفاف وبعض تلك الصحاف، ورسم هذي الأنامل تهدينا صور الجنة في جوهر إنسانٍ فانٍ وما الجنة سوى أن نجد الراحة ما ضاقت بنا رحابات هذا الكون الجميل؟ إنها المحبة، جوهر الحياة فلتحيا المحبة، ولتغرق حياتنا بأنوار جوهرها البهيّ!

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول مقدّمة طينيّة: سيَّارة الثورة التكنولوجيّة (1) كم من الوقت انتظرت لأكتب عن هذا النص العجيب، والذي لم يُعرَف كاتبه إلى الآن، وربما يتعلَّق الأمر بالظروف والملابسات التي نُشر فيها هذا النص الطريف جداً والتراجيدي بهاويةٍ سوداويَّةٍ مُضحكة. أفهم، كما كتبت كثيراً من قبل، والكثيرون من قبلي، أن اتصال الإنسان مع أخيه الإنسان اندلع مع ثورة التكنولوجيا. ولكن لننظر إلى الثورة التكنولوجيّة الرابطة لأجزاء العالم بطريقةٍ أخرى، فبينما كان الرابط في الماضي عن طريق الحروب والاستعمار، رست السفن قبلهما، وأطلّ القطار مؤخراً، ثمَّ طارت الطائرة. لننظر لانطلاقة الثورة من بدايات القرن العشرين كـ(غِيْر) السيارة، وهو ما سأصل به لما ميَّز جيل مواليد الثمانينات. على الأقل في السودان. تنطلق السيارة في الغير رقم 4 بلا كابح وبسلاسة لانهائيّة، وهي المرحلة التي دخلت فيها الثورة التكنولوجيّة سوق التنافس الرأسمالي العابر للقارات. ففي العصر الذي يسمع به الناس بالتلفاز ويصلهم بعد مُختَرِعيه بعشرات السنوات، ولفئةٍ محددة جداً من البشر.

Life weapon’s dictatorship - By: Mamoun ElTilib

Life weapon’s dictatorship By: Mamoun ElTilib Translated By: Ibrahim Jaffar Introductions: ( Tayfara was a military slave of the Cavalry Divisions (the Divisions of Knights) which was relegated to the Sheiks-ministers of Hamaj .   He presumably has been enslaved during one of the sieges of Rajab to the Nuba Mountains within the course of his campaign against Kordofan, for he reached the age of reason in the era of Nasser wad Idris .   Imaginatively, we would correlate Tayfara’s memories of childhood with those of Dogalo Doguendan Ari ; a Nuba boy of the next generation who, like Tayfara, has been, as a young boy, enslaved and taken from his native land.   Dogalo , as a young man in his far-off exile, has vividly lived the memory of his homeland that has been sustained within his soul as a minute world of landscapes, distant and diminutive shapes; young kings wearing jewels and straddling horsebacks; steppes of azure color of bubbly plant under the pur