التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مَجلسُ الحب


مَجلسُ الحب
مأمون التلب


من سلامٍ أُلقِيَ على قلبكِ منذ الخطفةِ الأولى،
منذ اندفاق النهر المُتصَاعد على جدائل شَعرك القصير،
تعملُ شياطين العالم جاهدةً ـ منذ آلاف القيامات ـ ضدَّ التقاء حبٍّ كهذا.
كنا نلتقيهم في الرواق،
حيثُ توَرَّدَ المجلس القديم خجلاً، من قِدَمٍ على عينيهِ بان!
قِدَمٌ لن يصدقهُ أحد، في عالمٍ خانَ فيهُ قَولُ الفردِ أحلام السفاهة،
ـ والسفاهة جماعيَّة ـ
وحيث يجلس قُدامى الشعراء تتكدَّس الكراسي بالجبال،
نراها محشوَّةً بانتحابات الخياشيم الميّتة،
لأسماكٍ تلفظُ أخلاقها مشويَّةً في خِضَمِّ الهَضم البشري:
التربة ذاتها لا تزال نَافِذَةً رغمَ قسوة الصخور،
لأن الأمطار، من حينٍ لحين، تصبّ وتتساقط،
على وجوهنا التي تُستضاف في مجالسكم:
ها نحنُ ندخلُ بهدوءٍ؛
يُشابهُ سقوط النُوّار على هدب عاشقٍ يرفض البكاء،
بهدوءٍ كما يُبلّل مطرُ العام هذه الأرض التي ولدَتهُ
وقامَرَت لأجله بإحياء الإنسان.
فصولٌ كثيرةٌ تمرُّ على القلب،           
ثِمارٌ كثيرةٌ تُزهر وتنتهي بالأكل الكثيف،
حيث تنحاز قيمةُ الدمِ المُحبِّ إلى المقدمّة؛
في المكان الذي يشِقُّ فيها قلبُكَ أمواجَ الصحراء ليبلغَ النهر،
نهرٌ لم يَهُن عليهِ مشاهدة التذبيح،
وظلَّ غامضاً عصيّاً على الجميع،
قامت بجانبه الديانات، واستلقَت تستجمٌّ بجَسدَها كلَّه:
أهراماتٌ موزّعةٌ على أطرافه،
وشوقٌ للماء المتدفق إلى أبدِ الآبدين،
تُشرِقُ الشمسُ عليه وتَغرُب
والقمر العظيم يَسَهرُ على سطحه المسكون بالفيضانات الصاخبة.
في هذه القيامة الجديدة، هذه القيامة الحقيقيّة،
يُشرِقُ كلّ ما كانَ في الأرض حياةً
تنبلجُ القلوب عن فجرٍ من الحضيض،
وتنتنهي أسطورة النبي الواحد.
من ضفاف هذا النهر العظيم يُنَحتُ صوتُ الماء،
وتتحولّ التماثيل الحجريّة ـ لأجله ـ معادنَ تشبَّعت بالجمال،
ولن يقهرها الفيضان، مهما كان.
في الأثناء،
جسمي مُخدَّرٌ
ـ بجميع أنواع المخدرات ـ
على حافّة النهر يبكي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
14 يوليو 2015م

تعليقات

  1. عميق..جميل..حسن القوام ومتماسك في قانونه..اعجبتني للغاية هذه العباءة..شكرا لك اخي مأمون..

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا...

مَن يَلحَمُ أبعادي - ملف الشاعر محمد المهدي المجذوب

مَن يَلحَمُ أبعادي ملف الشاعر محمد المهدي المجذوب مقدّمة طينيَّة: يُعيدني هذا الملف لأيامٍ عَوَالٍ. تضافرت جهود مجموعة من الشعراء والكتاب لأجل هذا الملف الفريد، بقدر فرادة الشاعر الذي نواجهه من خلاله. أُنجز إبّان عملنا بالقسم الثقافي بصحيفة (الأحداث)  ـ (تخوم) ـ في العام 2008م. كان القسم وقتها بضم شخصين، الشاعر أحمد النشادر وشخصي، وقد واتتنا الجرأة والخيال لإنجازِ مغامرةٍ بسيطة عن روحٍ شعريّة وفكريّة وحياتيّة هائلة، عاشت، مجذوبةً، في أرضِ السودان ذات يوم؛ كانت روحاً فريدة، زاهدة، وغنيّة بكلّ شيء. في هذه المقدّمة لا غرض لي أبداً ففي الأسفل يتضح كلّ شيء. هذا الملف في حاجة إلى قراءة وإعادة قراءة، في حاجةٍ إلى روحٍ تستطيع الاستمتاع بملذاته، يحتاج إلى روحٍ ذات أبعاد. اسم الملف، الذي يُنشر به هنا في (طينيا)، مستوحى من اسم المختارات الذي اختاره الكاتب محمد الصادق الحاج (من يَلحمُ أبعادي)، ثمّ ألحقه بمقالته المُخترقة للحُجب: (أتكتَّمْتُم على (هذا المجذوب)، أم لم تكونوا جديرين به؟). أفتتح الملف بما كتبناه كمقدّمة، وعادةً كنا نضع مقدّمات ملف تخوم تحت عنوان (تربة). ثم تأتي...

خالد حسن عثمان ـ قصائد من كتاب: غَرقى في المياه الجميلة

 قصائد خالد حسن عثمان (من كتاب: غَرقى في المياه الجميلة) (1) الجَّنَاح البَاقِي كَوَتْهُم الحياةُ بلفظِ جمرةِ الحياةِ الفاتنةْ. عذّبَتْهُم ملابسُ نومِها الخفيفةْ. لوَّعَتْهُم التي اْبْتسمَتْ فَغَوَتْ وبَكَتْ فَضَاعُوا. هكذا تعرفهم: كلامُهم حلوى   يُريدُها الصَّمتُ لأطفَالهِ. كلُّ مَنْ لم ترهُ أبداًً مِنْهُم. مَن تذكُرهُ عبثاً منهم. مَن لَمْ يجرحْ قلبَك لَم يَعِدْكَ بشيءْ منهم. من لو صادفوا إخوتهم في المصيبة لا يقولون لا يُهْرِقُون لُعابَ الفضول إلى أحدٍ ولا ترمش العيونْ. من يَلْزَمُهُم للحُبِّ جَهلٌ وغَطْرسةٌ وللمَحَبةِ مَعْرِفةٌ وإملاقٌ وللضغينةِ صبرٌ وكِتْمانٌ وصَعلكةٌ ونسيانْ.      مَنْ يُغمِضُونَ العيون كأنَّهُم يَعزِفُون الكَمَان يَفتَحون العيون كأنَّهُم الكَمَان مِنْهُم.         الوحشيُّون إلى حدِّ ينصبون أمام الزهرة العمياء مرآةً فترَى زهرةً عمياء مِنْهُم. النقَّـادُ القَرَوِيُّون للنَّبَاتِ الْمُعاصرْ. ...