التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ميلاد


مِيلاد
كتبتُ هذه القصيدة (ميلاد)، في أغسطس 2014، ولم أنشرها لأسبابٍ أجهلها تماماً، ولكن عندما اكتشفتها اليوم ـ بالصدفة غير البحتة ـ عرفت أن ميلادها وَجَب عليه اليوم، وأدركت بعضاً من أسباب اختفائها عن أنظارِ نَشري لها. 


(1)
ضحكةٌ تُبهجُ ما كوَّنَ أعضائي منذ الأزل؛
ضحكةٌ خَلَقت عَصَب الشجر،
سلَّقَت القرودَ إلى حتفِ قَدَرِها،
وزَحَّفَت الحيوان القديم من الماء، إلى قلبِ تراب اليابسة.
ضحكةٌ تَقشَع الحُجُبَ عن العظام، عن ماهيّة العظام،
تَقتلعُ جَذْراً كوَّن اقشعار الجلد،
وخان تصلّب قلوب المتمدّنين.
(2)
وُلدتُ في جسدٍ أنانيٍّ لم أختَر عضواً منه،
لم أملك حقّ تلمّس تمدداته إلى الخارج؛
كيف يَصِفُ الوردة،
كيف تَنعَكِس الرياحُ على جِلدِه،
ويرى وجهه في المرآة وينطفئ.

(3)
شمعةٌ قليلة التقوى تُبَشِّر بوجودها،
ما سالَ منها فَتَح رموز قلبي المٌغلقة بالشَمع،
عَرَّف، في ظلام الغرفة، قلَّة النَفس وخوفها من فقد الحياة،
عَرَّف عَرَق الكلمة المغلوقة المنفى،
وهيَ تصرخ باسمها.

ضحكتها تنسف حدود العالم، دون أن يراها أحد،
ولك تُمنَح هذه الجنّة بلا حدود.
ربما لأن الأشجار تُحيط بظلالك،
أو لأن الله أحبَّ كلمة الله،
وأَذَلَّ خَلقَهُ بأن ضَرَبَ لهم مثلاً.
(4)
سلامات الحدائق سلامٌ حَذِرٌ يُزَيِّنُ حَيَاة الجميع.
(5)
طوابق الأرض تُخرجُ جلداً جديداً،
لم تعهده من قبل.
البراكين أشجار مستقبله
الشياطين أشلاء أحلامه
ولكنّه القاتم في صرخته
والسامع لكل من لن يُرى.
طوابق الأرض تُخرج جلدها الذي انتَظَرَت به أقطانكم،
وفساد محاصيلكم،
جلدٌ خَلَقَت منه، في الأساس، الماء،
بأنهاره وبحاره ومحيطاته،
خَلقت منه الإنسان.
-------------
8 أغسطس 2014م.

-------------
لوحة فان جوخ 





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا...

مَن يَلحَمُ أبعادي - ملف الشاعر محمد المهدي المجذوب

مَن يَلحَمُ أبعادي ملف الشاعر محمد المهدي المجذوب مقدّمة طينيَّة: يُعيدني هذا الملف لأيامٍ عَوَالٍ. تضافرت جهود مجموعة من الشعراء والكتاب لأجل هذا الملف الفريد، بقدر فرادة الشاعر الذي نواجهه من خلاله. أُنجز إبّان عملنا بالقسم الثقافي بصحيفة (الأحداث)  ـ (تخوم) ـ في العام 2008م. كان القسم وقتها بضم شخصين، الشاعر أحمد النشادر وشخصي، وقد واتتنا الجرأة والخيال لإنجازِ مغامرةٍ بسيطة عن روحٍ شعريّة وفكريّة وحياتيّة هائلة، عاشت، مجذوبةً، في أرضِ السودان ذات يوم؛ كانت روحاً فريدة، زاهدة، وغنيّة بكلّ شيء. في هذه المقدّمة لا غرض لي أبداً ففي الأسفل يتضح كلّ شيء. هذا الملف في حاجة إلى قراءة وإعادة قراءة، في حاجةٍ إلى روحٍ تستطيع الاستمتاع بملذاته، يحتاج إلى روحٍ ذات أبعاد. اسم الملف، الذي يُنشر به هنا في (طينيا)، مستوحى من اسم المختارات الذي اختاره الكاتب محمد الصادق الحاج (من يَلحمُ أبعادي)، ثمّ ألحقه بمقالته المُخترقة للحُجب: (أتكتَّمْتُم على (هذا المجذوب)، أم لم تكونوا جديرين به؟). أفتتح الملف بما كتبناه كمقدّمة، وعادةً كنا نضع مقدّمات ملف تخوم تحت عنوان (تربة). ثم تأتي...

خالد حسن عثمان ـ قصائد من كتاب: غَرقى في المياه الجميلة

 قصائد خالد حسن عثمان (من كتاب: غَرقى في المياه الجميلة) (1) الجَّنَاح البَاقِي كَوَتْهُم الحياةُ بلفظِ جمرةِ الحياةِ الفاتنةْ. عذّبَتْهُم ملابسُ نومِها الخفيفةْ. لوَّعَتْهُم التي اْبْتسمَتْ فَغَوَتْ وبَكَتْ فَضَاعُوا. هكذا تعرفهم: كلامُهم حلوى   يُريدُها الصَّمتُ لأطفَالهِ. كلُّ مَنْ لم ترهُ أبداًً مِنْهُم. مَن تذكُرهُ عبثاً منهم. مَن لَمْ يجرحْ قلبَك لَم يَعِدْكَ بشيءْ منهم. من لو صادفوا إخوتهم في المصيبة لا يقولون لا يُهْرِقُون لُعابَ الفضول إلى أحدٍ ولا ترمش العيونْ. من يَلْزَمُهُم للحُبِّ جَهلٌ وغَطْرسةٌ وللمَحَبةِ مَعْرِفةٌ وإملاقٌ وللضغينةِ صبرٌ وكِتْمانٌ وصَعلكةٌ ونسيانْ.      مَنْ يُغمِضُونَ العيون كأنَّهُم يَعزِفُون الكَمَان يَفتَحون العيون كأنَّهُم الكَمَان مِنْهُم.         الوحشيُّون إلى حدِّ ينصبون أمام الزهرة العمياء مرآةً فترَى زهرةً عمياء مِنْهُم. النقَّـادُ القَرَوِيُّون للنَّبَاتِ الْمُعاصرْ. ...