التخطي إلى المحتوى الرئيسي

نصوص هرمسيّة - هرمس (محمد مجدي)



نُصوص هِرمِسِيَّة
هرمس (محمد مجدي)




مقدّمة طينية:
ولعي بنصوص صديقنا الشاعر هرمس (والملقّب بمحمد مجدي: شاعر مصري)، قديمٌ ومعروف لأغلب من يتابعونني في الوسائط العنكبوتيّة؛ إلا أنه، مؤخراً ـ وكأنما أصيبَ بإسهالٍ شعري ـ نَشَر خلال اليومين السابقين مجموعة من النصوص ذات طابع مُختَلِف، وكأنما اختَلَف أمرٌ ما بداخله، وقد فتنني هذه الروح الجديدة الساكنة مع أرواحه المتعدِّدة، فلملمتها من على حائطه الفيسبوكِّي ـ كي لا أُتعب حائطي بالـ(شير) ـ ووضعتها فوق بعضها حسب تاريخ النشر، لألا أكون قد تدخّلت كثيراً. المهم يا سيّد هرمس، خلّي بالك من أرواحك وسأفعل المثل، هذه أزمنة صعبة وكارثيّة، وأرجو أن نلتقي في خضمّها قريباً. (أسمع، إنتَ مُش قلتَ جاي الخرطوم؟ وتَيِّب؟).
مأمون
ــــــــــ
النصوص:

(1)
عندما تريدُ أن تخطئ القمر، اجعله يبث شعاعا عبر الزجاج إليكَ، وأنت تتحدث مثلا عن أن الحكومات سمتنا مجانين منذ زمن، لكي نفقد أهليةً ما، وعلى استعدادٍ دائمٍ دع شعاع القمر يدخلُ رأسك.
هكذا يمكنك أن تكون بكّاءً جيدًا، ولا تهلوس كثيرا عن وجوهه المتعددة كوجوه الجنون، لأنه عبر النافذةِ أتاك، ولا تلجأ مثلا إلى مكتبتك وتسأل كتابا: مِنْ أين يمكنُ أن أكون شخصا آخر غير هذا؟
عندما تيأس تماما بفعل برودة النور الفضي، وتخيّبُ العقل والأهل والناس.
أمسِك المتبقي من أملكَ واعرف ما هو : سيكون بالأحرى امرأةً، أو صورة لصدرك في أطلس تشريح نوعك من البشر، وفي محلّ القلب، توجدُ صرخةً مكومة بجوار الحائط، الذي سيكون هو خيالك، وعليه يقف ظلّكَ النافذُ الذي يهمّ بقتلِ شخص ما.
عندما تعرفُ أخيرا نوعَ النوم الجائز، ونوع الصحو الذي يقودك إلى القدر المناسب من جزالة الانتظار، اذهب إلى المرأة التي كومت الصرخة في صدرك.
قل لها أنت قاسية كشمس.
وقل لها أنتِ مكسوّةٌ بمادة الأظافر، مثل حواء تماما، لونكِ أخضر مسود، لو أنكِ أردتِ أن تخطئي القمر، اجعليه يعبرُ إليكِ وعندما لا تريدين للجنون أن يسكنَ في وجه الناس، سيكون أملُكِ بالأحرى صورةً شمسيةً لله وسط دموعه، وهو يغلق العالم.

(2)
لقد مرّ العمر،
وها أنت وحيدٌ ومُعَطّل،
لم تقم الثورةُ التي انتظرتها
ولا لديك ما يكفي من الشجاعة لتخرج إلى الناس
وتقول لهم أي شيء.
أغسطس مثل ملكٍ، مثل جنرالٍ قديم
لا يعدُ بشيء، لا يفي بشيء
وظيفته أن يعدو بين الناس
مولّعا أرواحهم
يدخلُ إلى العام كنارٍ موقدة على المعذّبين
يفرقُ بين الصيفيين والشتويين
ولا يبقى إلا العبدُ لله!
مقسوما على عُرفِ العام
لا يشفيه إلا البحر
كلما خاض فيهِ
مال على يمينه
وفكّر:
هل شربتُ من الخمر ما يكفي
لكي يثقلَ كبدي؟
تعالي يا عزيزتي
نشرب القهوة
ونتبادل الكوارث.

(3)
قلبي من ثلج،ٍ كحبيبتي، لأنّني نسيتُ شيئا غير نفسي، ولا أذكر نسياني.
بيد الخلابة، أريد خلبَ صدري، تبدو وحيدةً تلك الراحة.
لم أنسَ حقيبتي لأعود وأطالبها بما لي،
لم أنَم الليل عندها لأوصد طريقها عليّ في الصباح.
الآن تهتُ الآن
الآن تهتُ في عاصمة البشر الغريبة
وأخافُ، أن أقابلها صدفةً في حضنِ امرأةٍ أخرى.
لألعنها مثلما يلعنُ القديس النساء، ومثلما يلعنُ المحب ويكره حبيبته.
لأنني صعقتها وصعقتني وكنا ثملين كقدحين اقترعا
شادوفان شربنا كياسمينةٍ ورحيقها على قدم النحلة
كسّروا عظامي يا رجال الشرطة وارموني عند بابها لتقول إنني أحدُ نتائج الدمج الكيميائي للثورة بين الترامادول والأدرنالين وغازات الأعصاب والإندورفن، والسيروتونن وشح الأكسجين ورائحة نيتروجين الرصاص.
اقبضوا عليّ في مقهى الملاحدة لتقول إنني كنتُ في حفلِ حُكمٍ ذاتيّ في شارع هدى شعراوي.
أو صيدوني يا سحرة العوام، وأوصدوني في قمقمٍ واكتبوا عليه هنا خرابُ الإنسانية انتهى.
هنا انتهى القديسُ وركله الرب عن السلّم
هنا سقط الوليّ في البيرة
هنا انتفى السبب في السبب
واحترقت غاياتُ الحياة وصدفها العنيدة.
ضع قلبي في منجلك أيها الفلاح
كسر رأسي الخالية أيها العامل
احملوني جديدا من الجسد
حديدَ العينين ومأسورا إليها ولتر هي ما فِعلُ السماوات والأراضين في مارق مثلي
يمكنها، يمكنها
أن تنادي الدم من عروقي ويمكنها أن تنادي سياطَ الكهنة في الصباح
أن تأمرني لأنام تحت دبابات الجيش وأصرخ فليسقط كل شيء
أن تسلمني إلى المنفى الجميل، مجهولا ووحيدًا ونادما إلى الأبد.
لكنني إن متّ أو قتلتُ وسافرتُ أو رجعتُ وآمنتُ وشككتُ، هل في هذا تفريجٌ لقبضةِ العدم؟
سأقول هنا والآن ببساطة: كل ما في الأمرِ أنني أشعرُ أن أحدهم يمسكُ رقبتي. وأن غيره يمسك قلبي.

(4)
في النار وقفتُ لأكتب تاريخكِ في دفتر أحلامي الضائع
في النار فتحتُ المستقبل موعودا ً نافذة لي
وصعدتُ الى أعرابكِ، منحدرا ً من آخر برق ٍ في هذا الأفق النائي
متشحا ً مثل نذير مهموم برداء خساراته يمضي بين مغول يلتهمون قلاعك في الظلمة
فاجتزنا في وحدتنا الانهار المفروشة بالطحلب والعوسج والبردي
جيش وثنيٌ في وادي الآلام. سألتُ، حيث يسيل الدم من نبع في خاصرة الارض:
أأقدرُ أن أحذف هذا التاريخ الدموي وأكتب تاريخي وحدي؟



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا...

مَن يَلحَمُ أبعادي - ملف الشاعر محمد المهدي المجذوب

مَن يَلحَمُ أبعادي ملف الشاعر محمد المهدي المجذوب مقدّمة طينيَّة: يُعيدني هذا الملف لأيامٍ عَوَالٍ. تضافرت جهود مجموعة من الشعراء والكتاب لأجل هذا الملف الفريد، بقدر فرادة الشاعر الذي نواجهه من خلاله. أُنجز إبّان عملنا بالقسم الثقافي بصحيفة (الأحداث)  ـ (تخوم) ـ في العام 2008م. كان القسم وقتها بضم شخصين، الشاعر أحمد النشادر وشخصي، وقد واتتنا الجرأة والخيال لإنجازِ مغامرةٍ بسيطة عن روحٍ شعريّة وفكريّة وحياتيّة هائلة، عاشت، مجذوبةً، في أرضِ السودان ذات يوم؛ كانت روحاً فريدة، زاهدة، وغنيّة بكلّ شيء. في هذه المقدّمة لا غرض لي أبداً ففي الأسفل يتضح كلّ شيء. هذا الملف في حاجة إلى قراءة وإعادة قراءة، في حاجةٍ إلى روحٍ تستطيع الاستمتاع بملذاته، يحتاج إلى روحٍ ذات أبعاد. اسم الملف، الذي يُنشر به هنا في (طينيا)، مستوحى من اسم المختارات الذي اختاره الكاتب محمد الصادق الحاج (من يَلحمُ أبعادي)، ثمّ ألحقه بمقالته المُخترقة للحُجب: (أتكتَّمْتُم على (هذا المجذوب)، أم لم تكونوا جديرين به؟). أفتتح الملف بما كتبناه كمقدّمة، وعادةً كنا نضع مقدّمات ملف تخوم تحت عنوان (تربة). ثم تأتي...

إجلالٌ ونفورٌ أمام كلام الربّ: حول الثورة و"قطار الليل إلى لشبونة"

تنقيبات طينيّة (13) خطاب أَ ماديو : " إجلا لٌ ونف ورٌ أمام كلام الربّ " حول الثورة و"قطار الليل إلى لشبونة" لباسكال مرسييه مأمون التلب مُقدِّمة طينيَّة: (1) أ عود مرةً أخرى إلى باب (تنقيبات الطينيّة) لقراء مد وّ نتنا ، حيث أزور كُ تُ باً وكُتّاباً آخرين ، وفي الحقيقة فإن الدَّاعي لدخول الباب عادةً يأتي من نصوصٍ وكتاباتٍ أثَّرت فيَّ حدّ الألم والمعاناة والفرح واللذة الهائلة، وغيَّرت فيَّ بعمق، وصراحةً لم يحدث ذلك من ذ مدّة؛ صحيح أنني استم ت عت بمئاتٍ من الكتب الجيّدة خلال سنوات ال ا نقطاع عن العودة هنا، تعلَّمتُ الكثير وانتقلتُ إلى عوالمٍ وبلادٍ وأناسٍ آخرين، إلا أنني فوّتُّ "قطار الليل إلى لشبونة" إلى هذه اللحظة، والتي يتكاملُ فيها عالم القطار مع عالمي الخاص وحياتي الراهنة؛ حيث العجز لا اليأس، والمراقبة لا المُشاركة، أي التقدّم في العمر محسوساً بقوّة، وبالضبط عند مشاهدة الاستبسال الخارق لأجيال اليوم وحلمهم ببناء عالمٍ جديد! إنه لمن المُدهش، بعد أكاليل الهزائم التي تطوّق أعناقنا بأشواكها، أن ترى الحياة تتجدَّد رغم أنف عدميّة وانغلاق آمال عالم ا...