التخطي إلى المحتوى الرئيسي

فراشة الوعي التي.. ـ أسامة عبد الرحيم - تنقيبات طينيّة (7)



تنقيبات طينيّة (7)
فراشةُ الوعي التي..
أسامة عبد الرحيم


 تشكيل - أسامة عبد الرحيم، 1988م

مقدّمة طينيَّة:
نَقَّب فيسبوك في ذكريات صديقتنا الكاتبة ميسون النجومي، وأخرج هذا البوست مراراً وتكراراً، وجدته في طريقي وقد تذكّرت كم استعبدتنا هذه القصيدة (فراشة الوَعي التي.. – كُتبت الخرطوم يونيو 1975) وكم فتنتنا عندما نَشرها التشكيلي حسن موسى بموقع سودان للجميع، وتوافد الأصدقاء ليكتبوا عنه (الرابط في الأسفل) وذكرياتنا مع حكايات صديقه المقرّب عبد الله محمد الطيب (أبسفة) ورواياته العديدة عنه، ثمّ بحثي، برفقة التشكيلي فيصل تاج السر، وبتوجيهات عبد الله، عن خيطٍ يدلّنا على أعماله المفقودة الأثر في مدينة بورتسودان إبّان زيارتي الأولى لها منتصف هذا العام، ولكننا لم نوفّق إلا في لقاء صديقٍ مقرّبٍ له فقد هو، بدوره، الخيط الدّال على مكان الأعمال التي نرجو أن تكونَ موجودةً؛ لكل ذلك قررتُ نشر القصيدة ضمن التنقيبات الطينية، وأضيف إلى المقدّمة ما كَتبته ميسون بمناسبة استعادة الذكرى:
[في مثل هذا اليوم (1 سبتمبر) قبل سنتين، أحمد النشادر رَسَّل لَي رابط سودان فور أول. وما فَتَحتُه. هَسِّي فتحته. ويالها من قصيدة intriguing -سأعود إليها كثيراً- للفنان الراحل أسامة عبد الرحيم].


ــــــــ
النص:

 فراشةُ الوعي
التي تُخَالِطُ أشعةَ الشمس.

حبيبتي التاسعة بعد المئة،
تَذَكَّري فراشة الوعي التي تلازم المتعة،
هذا خطابي الأخير..

إنني أذكرُ
لقد تململتِ تململاً خجولاً،
و ابتَلَعتِ ريقَكِ مرَّتين ـ ربما ثلاثاً ـ عندما تدفَّق الوهل
بين ساقيك..
الحبُّ ليسَ مصلاًَ للحقيقة،
الحبّ زهرة برّية، حائرة بين جمالها المُوحِش،
و إلفة المدينة ـ المدينة التي أقصد تقع، بعد تحديدٍ شديدٍ،
في الجزء الغربيّ من صحراء ظَهرِهَا اليانعة ـ
حينما يضمُّكِ ليلُ الحبّ تغتالين بخيالك ألفَ مشهدٍ وتذبحين
ألفَ قديسٍ، تسيرينَ خلف الجِناز، تنتحبين،
ثم تصادفين نهارك ـ نهارك حيث تضيع غلالة النوم،
بين أشعة الشمس ـ تصابين بالدوارن،
تنزعين غلالةَ عقلكِ الرقيقة،
و تسيرين عاريةً تنهشُكِ فراشةُ الوعي وأشعّة الشمس،
تهربين بقدميك خارج الرعب، ترحلين خارج الدائرة،
عبرَ الخطوط المتوازية لمسافات زمننا.
الحبُّ ليس مصلاً للحقيقة
(لم يكن أبداً و لا أملَ له في المستقبل)
تذكَّري فراشات الصباح..

الفراشات التي تأكلُ لحمَكِ و تقتاتُ
أليافَكِ العصبية، تمتصُّ الدماء من خلف العِظام،
تذكّري فراشاتَ الصباح التي تُخالِط الرموش و قذارةَ عينيك،
الفراشات الجهنمية التي تذوب، تتسلّل خلال مسامك وتنساب خلف ظهرك، تتابع الشريط الضيِّق الذي يَصِلُ رأسكِ ببحر الظلمة، قعر ظلمتك اليانع حيث تبحر مراكب السعيد ويرقص الناس تحت الضوء الذهبي لقمر الصباح.
هناك حيث تَتَراكمُ المعرفة منذ ولادتك، تنتظر معول التاريخ الذي
سيتسلَّل و يخرقُ الظَن..
خصلات شعرك القذرة التي صفّفتُها يوماً
(وتحسست أسفل الذقن)، صدقيني ، لا أحنُّ إليها؛
ـ فلأصابعي الخمس خمسُ فراشات تحمل إحداهنّ الموت والأخريات
يقمن بالدفن ـ
صدقيني لا أحنُّ إليها، ولكن الفراشات التي تذوب ستتخلل شعرَك، عبر الماء و الصابون، تذوِّبُك، تحرقك، تديرُ رأسَك؛
حيث تتركك كتلةً أصيلةً من اللحم الذي لا يدري
مسافات يومه و لا إيقاع زمنه ذي الرائحة الخضراء..
صدقيني، توجد رائحةٌ خضراء،
رائحة انبهارك بفراشة الوعي التي
تخالط أشعة الشمس.
حبيبتي التاسعة بعد المئة:
تذكري فراشة الوعي التي تلازم المتعة،
هذا خطابي الأخير.
الخرطوم يونيو 1975
ـــــــــــــ
مصدر النص، والسيرة الذاتية، من بوست للدكتور حسن موسى على موقع سودان للجميع، الرابط:

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا...

مَن يَلحَمُ أبعادي - ملف الشاعر محمد المهدي المجذوب

مَن يَلحَمُ أبعادي ملف الشاعر محمد المهدي المجذوب مقدّمة طينيَّة: يُعيدني هذا الملف لأيامٍ عَوَالٍ. تضافرت جهود مجموعة من الشعراء والكتاب لأجل هذا الملف الفريد، بقدر فرادة الشاعر الذي نواجهه من خلاله. أُنجز إبّان عملنا بالقسم الثقافي بصحيفة (الأحداث)  ـ (تخوم) ـ في العام 2008م. كان القسم وقتها بضم شخصين، الشاعر أحمد النشادر وشخصي، وقد واتتنا الجرأة والخيال لإنجازِ مغامرةٍ بسيطة عن روحٍ شعريّة وفكريّة وحياتيّة هائلة، عاشت، مجذوبةً، في أرضِ السودان ذات يوم؛ كانت روحاً فريدة، زاهدة، وغنيّة بكلّ شيء. في هذه المقدّمة لا غرض لي أبداً ففي الأسفل يتضح كلّ شيء. هذا الملف في حاجة إلى قراءة وإعادة قراءة، في حاجةٍ إلى روحٍ تستطيع الاستمتاع بملذاته، يحتاج إلى روحٍ ذات أبعاد. اسم الملف، الذي يُنشر به هنا في (طينيا)، مستوحى من اسم المختارات الذي اختاره الكاتب محمد الصادق الحاج (من يَلحمُ أبعادي)، ثمّ ألحقه بمقالته المُخترقة للحُجب: (أتكتَّمْتُم على (هذا المجذوب)، أم لم تكونوا جديرين به؟). أفتتح الملف بما كتبناه كمقدّمة، وعادةً كنا نضع مقدّمات ملف تخوم تحت عنوان (تربة). ثم تأتي...

خالد حسن عثمان ـ قصائد من كتاب: غَرقى في المياه الجميلة

 قصائد خالد حسن عثمان (من كتاب: غَرقى في المياه الجميلة) (1) الجَّنَاح البَاقِي كَوَتْهُم الحياةُ بلفظِ جمرةِ الحياةِ الفاتنةْ. عذّبَتْهُم ملابسُ نومِها الخفيفةْ. لوَّعَتْهُم التي اْبْتسمَتْ فَغَوَتْ وبَكَتْ فَضَاعُوا. هكذا تعرفهم: كلامُهم حلوى   يُريدُها الصَّمتُ لأطفَالهِ. كلُّ مَنْ لم ترهُ أبداًً مِنْهُم. مَن تذكُرهُ عبثاً منهم. مَن لَمْ يجرحْ قلبَك لَم يَعِدْكَ بشيءْ منهم. من لو صادفوا إخوتهم في المصيبة لا يقولون لا يُهْرِقُون لُعابَ الفضول إلى أحدٍ ولا ترمش العيونْ. من يَلْزَمُهُم للحُبِّ جَهلٌ وغَطْرسةٌ وللمَحَبةِ مَعْرِفةٌ وإملاقٌ وللضغينةِ صبرٌ وكِتْمانٌ وصَعلكةٌ ونسيانْ.      مَنْ يُغمِضُونَ العيون كأنَّهُم يَعزِفُون الكَمَان يَفتَحون العيون كأنَّهُم الكَمَان مِنْهُم.         الوحشيُّون إلى حدِّ ينصبون أمام الزهرة العمياء مرآةً فترَى زهرةً عمياء مِنْهُم. النقَّـادُ القَرَوِيُّون للنَّبَاتِ الْمُعاصرْ. ...