التخطي إلى المحتوى الرئيسي

إبليس العاشق - خالد حسن عثمان - تنقيبات طينيّة (8)



تنقيبات طينيَّة (8)
إبليس العاشِق
خالد حسن عثمان




مقدّمة طينيّة:
كنتُ، إبّان عملي محرّراً بصحيفة (السوداني) بالقسم الثقافي، تحديداً في مايو 2005م؛ كنت قد كتبت مقالاً بمناسبة صدور الديوان الأول للشاعر الصديق خالد حسن عثمان في الخرطوم، عن دار الشريف الأكاديميّة، والموسوم بـ(تماثيل)! ـ تجدونه في الروابط أدناه ـ فقد مَثَّل صدور هذا الكتاب خبراً سعيداً بالنسبة لنا، وأتذكّر أنني كنت قد كتبت، أيضاً، على فيسبوك مؤخراً حول الحادثة التي تسببت في إشعال عزم خالد على إصداره، وهي طريفة رويتها بتصرّف:
[صاحبنا راكب ركشة، وسائق الركشة رجل عمَّك كده ويحب الوَنس، تلقاهو في نصَّ الـ(طررررررررر تُك تُك تُك) ديك يتحدث بصوتٍ عالٍ؛ أما خالد فلم يكن في مزاجٍ طيّبٍ على ما يبدو، ألقى سائق الركشة بسؤال: شغّال شنو إنت يا أخينا؟. وخالد في الخلف، خالف رجلو (أتصوّر) ومن داخل سرحته ردَّ قائلاً:
- شاعر.          
- شاعر؟
- أيوا، شغال شاعر!
- واااا دواوينك المطبوعة شنو؟
- دواوين؟ لأ، أنا لسّه ما طَبَعت ديوان.
- لسّه ما طبعت؟؟
- أيوا.
في تلك اللحظة، أوقف سائق الركشة مركبته بحدّة، وأشار بإصباعه إلى جميع الناس في شارع وهو يقول: شايف الناس دي؟ الناس ديل كولللللهم شعراء!].
وبذلك انطبع الكتاب!. أعيد نشر ملحمته الشعريّة العزيزة على قلب الكثير من محبّي الشعر: (إبليس العاشق) الكائِنة في ديوانه (تماثيل)، ضمن سلسلة (التنقيبات الطينية) هذه، كما تجد الزائرة والزائر للمدونة، أسفل القصيدة، رابط لبوست كنتُ قد افترعته على موقع سودانيزأونلاين بهذه المناسبة أيضاً، وفيه الكثير من التعليقات الجميلة من صديقات وأصدقاء الشاعر. وبها وروابط أدبية أخرى مفيدة. كذلك تجدون رابطاً لـ"أغنية"، للمغنية والشاعرة ميادة محمد الحسن، لحّنتها من قصائد الكتاب مؤخراً، تؤديها وتعزفها بنفسها.
إذاً، قراءة ممتعة.
ـــــــــــــ

إبليس العَاشِق
شعر: خالد حسن عثمان
كنت أعرفُ
أن الربَّ
قد رَغِبَ في مارقٍ عليه
وأردت أرفع رأسي
من السجودْ،
حتى أرى الذي مرقْ
أبصرتُهُ: أنا.

كنتُ عاشقاً
والنارُ
لا تشي بعشقي شيءْ.

وكان آدم يمرح
طفلاً مسجَّىً على خَمرةٍ من تراب
ولم يُخلق العشقُ بعد!.

لم أكن أغار على الله منه.

أصلاً: ماكان هنالك "غيرْ"

فلما انتَصَبْتْ
رأيتني بَكِيتْ
ذهبتُ إلى الله طفلاً
وقلت لماذا؟!
قال
لبستَ الخروجَ
أطع...كيفما قد عَصَيتْ!

أذكرُ
أن هنالك غاراً، على رأس نبعٍ،
يدلِّي الترابُ عليه تلاويحَ ملحٍ،
قلتُ: ما تلك؟!
- الدموع التي ستكفّ بها
عن بكاء الندم.

وأُعطيتُ
ريحاً فظيعاً

وصُبَّتْ عليَّ الجروح جميعاً

وفُرِّق عشقٌ طويلٌ عليَّ وآدم
هبطنا.

بخمرةٍ سالفةٍ
أذكرُ
كان الصبي سكِّيراً
يفرِّق حلمَ الإله أمامي
على نسوةٍ من أُفولْ
كنتُ ألمُّ الشظايا
أعلِّمُ آدم بعض الفرارْ
تجاه النساء الحقولْ
وكلَّ الأسامي.

قال: أعوذُ بربيَ منكْ
قلتُ:
أُعذَّبُ عنك بربي.

رأيتَ؟ إذا كنتَ زهراً
وسيقتْ إليك المياه لتنمو
ودبَّت إليك الرياحُ اْلتفتَّ
ومدُّوا عليك القِطافَ اْقتُطِفْتَ
أ كنتَ نزفتَ مياهاً
لتبصر أن النهاية أوَّل شيءٍ
فتدرك آخر شيءٍ لتسمو؟

أنا سأضِلُّ
لأني رأيت حبيبي يقيناً
وأنت؟؟‍‍‍‍
تضلّ لأني رأيت حبيبي يهيِّئُ قلبكَ داراً، وطينَكَ حرباْ
يسجِّي عليك الجحيم يُفيِقُ عليكَ الغياب،
يريق عليك الحنين؛ يطلِّع دينكَ غربةْ
فإنك كيدٌ علي َّوإني لكيدٌ عليك
بماذا أوسوسُ فيك؟! وذلك ربي يقول إليك تعال؟.

كأني رأيتك يوم السؤالِ ستنسى السؤالَ
لأنك قلتَ الإجابة بعد السؤالْ.
سواحل فيك ضلالٌ سواحلْ
تحنُّ إلى رُطبةٍ في نخيل الضباب؟؟

رُبَّ الحنينِ الرطيبِ ورُبَّ الضباب القواحلْ
فإنك تشبه ربي: على شأنه كلَّ يومٍ
مراحلَ فيك على كلِّ شأنٍ رواحلْ.

ودِينِ رحيلي
َلأسطو على الدارِ فيك والفرسْ
فلا تحتويك الديارُ جميعاً
وما كنتُ ناراً، هظاراً ، لتقطف مني حبيبي
وتشكو إليه صهيلَ رمادي الذي إحتبَسْ.

وقيلْ
"القصب
الذي كان ينمو
لم يكن يعرف
أنَّ في الجوف نايْ"

في الندى: أنتَ
وقوسُ قزح ْ
وفي القوس اسمان: رغبة السهم
واسم القتيلْ...

حبيبي وسيمٌ يجرِّح قلبي
حبيبي جَرحْ
حبيبي قسيمٌ يسرِّح روحي
حبيبي نسيمٌ.. سرحْ

حبيبي سآتي إليك على ظهر جرحي
فاعذر خطايا الرحيل.
قال: كذبتَ؛
تأتي لأني قتلتُ الفرار الذي في دمكْ.

"إن كنتُ أحلم عنك يا ربي
ضريراً نائماً
فأنا لوحدي كنتُ وحدَكَ
يا حبيبي دائماً"

كثيراً: هربتُ
وما أن هربتُ
نظرتُ لنفسي
بدوتُ: كثيراً‍‍!
دخلتُ احتملتُ
فلما نُبِذتُ شكوتُ لربي:
إلهي إني اكتملتُ
لم يصغِ ربي..

صرتُ أعانق آدم هذا طويلاً
أحسُّ بروحِ إلهي
أحسُّ بغربةْ

بــــ... ضربةْ

على مكمن الوعي
في نبيذ الشعور
بحمَّى أعانق أكثر
فأقصى الجحيم رمادٌ
وأدنى إلهي أنا.

مرَّة:
كان التراب وحيداً
فلما تخمَّر فيه المنيعُ اللذيذُ
تفتَّق ذهن التراب عن الــ آنسةْ.

وجيء يومئذِ بالحبيبةِ، سُئِلتْ
من أيٍّ شقٍّ أَتَيتِ؟
أشارت إلى قلبه كيف قالت:
أتيتُ من الناي في ضلعِ هذا الولد.

قالت إليه: تعال.
قال: لماذا؟
قالت: أحبك...
قال: ماذا؟‍‍!
أشارت إلى أسفل الناي ثقباً
وقالت لأعطيك هذا
فادخل.

وجُرَّ إليها وجُرَّت إليهِ
وسيقَ إليها وسيقتْ إليه
وسال المنيع اللذيذ عليها
وسالَ عليهِ...
وكنتُ وحيداً
أعرف...
أن الترابيّ هذا تواطَأ ضِدِّي
وضدَّ البقاء العظيم؛
هذا التراب
المشرّد.
ــــــــــــ
روابط سياحة خَالِديَّة:
بوست (تماثيل) على سودانيزأونلاين:

رابط أغنية ميادة محمد الحسن من ديوان (تماثيل):

نصوص لخالد نُشرت قديماً بمدونة (طينيا) من كتابه الثاني (غرقى في المياه الجميلة) الصادر عن (مبادرة بَرَانا للنشر) على الرابط:


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول مقدّمة طينيّة: سيَّارة الثورة التكنولوجيّة (1) كم من الوقت انتظرت لأكتب عن هذا النص العجيب، والذي لم يُعرَف كاتبه إلى الآن، وربما يتعلَّق الأمر بالظروف والملابسات التي نُشر فيها هذا النص الطريف جداً والتراجيدي بهاويةٍ سوداويَّةٍ مُضحكة. أفهم، كما كتبت كثيراً من قبل، والكثيرون من قبلي، أن اتصال الإنسان مع أخيه الإنسان اندلع مع ثورة التكنولوجيا. ولكن لننظر إلى الثورة التكنولوجيّة الرابطة لأجزاء العالم بطريقةٍ أخرى، فبينما كان الرابط في الماضي عن طريق الحروب والاستعمار، رست السفن قبلهما، وأطلّ القطار مؤخراً، ثمَّ طارت الطائرة. لننظر لانطلاقة الثورة من بدايات القرن العشرين كـ(غِيْر) السيارة، وهو ما سأصل به لما ميَّز جيل مواليد الثمانينات. على الأقل في السودان. تنطلق السيارة في الغير رقم 4 بلا كابح وبسلاسة لانهائيّة، وهي المرحلة التي دخلت فيها الثورة التكنولوجيّة سوق التنافس الرأسمالي العابر للقارات. ففي العصر الذي يسمع به الناس بالتلفاز ويصلهم بعد مُختَرِعيه بعشرات السنوات، ولفئةٍ محددة جداً من البشر.

Life weapon’s dictatorship - By: Mamoun ElTilib

Life weapon’s dictatorship By: Mamoun ElTilib Translated By: Ibrahim Jaffar Introductions: ( Tayfara was a military slave of the Cavalry Divisions (the Divisions of Knights) which was relegated to the Sheiks-ministers of Hamaj .   He presumably has been enslaved during one of the sieges of Rajab to the Nuba Mountains within the course of his campaign against Kordofan, for he reached the age of reason in the era of Nasser wad Idris .   Imaginatively, we would correlate Tayfara’s memories of childhood with those of Dogalo Doguendan Ari ; a Nuba boy of the next generation who, like Tayfara, has been, as a young boy, enslaved and taken from his native land.   Dogalo , as a young man in his far-off exile, has vividly lived the memory of his homeland that has been sustained within his soul as a minute world of landscapes, distant and diminutive shapes; young kings wearing jewels and straddling horsebacks; steppes of azure color of bubbly plant under the pur