التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تربية ذئاب - نص جديد


تَربِيةُ ذِئَاب
مأمون التلب



(1)
[القِ بذراعيكَ إلى الفضاء]،
لعلَّ الموجَ يُتلِفُ الضربَ المكتوم الذي تتلقَّاه،
الأعماق الساريةُ بسفنها تقطع بحيرات قلبكَ الملتَهبة،
الظلال المكوَّمةُ أمامَ بابِ بيتك تلمّها؛
تحملها جثثاً ممزقةَ الأطراف،
تقلّبها على يديك مُحاولاً كشف كلّ اسمٍ مرَّ على حياتكَ؛
الناس الذين تدلّت أجسادهم من أعناق الأشجارِ مشنوقةً،
في الطريق الوحيد الرابط بينَ جنّةٍ أولى،
وجنةٍ تنتظر في نهاية الطريق،
تُبَثُّ متفرهدةً زهورَ دمٍ
تطعنُكَ في الظهر، مراراً، كما حدث ويحدث.

إن كنتَ مِن مَن وَجَب عليهم إلقاءَ ذراعيه إلى الفضاء،
فاستعد.

(2)
في سنوات الحيوانات
-التي تُسمي نفسها بشراً-
يُقتلُ القلب بسهولةٍ
الجسد يُمزَّق في الحرب،
وتجتاح النسور مقابر جماعية؛
ترتفع الأزهار بأعناقها المهجورة،
يرتفعُ الحب الذي تمَّت إهانته بأبشع طرق التهذيب والاحترام العائلي،
وتتحجّم الأخلاق العالميّة.

في سنوات الحيوانات،
تنكسرُ أسوار الحديقة 
ونرى الأسد، مهذّباً، يحرس البنك بياقته الذهبيّة،
أما نحن؟
فتربية ذئاب.

(3)
 [عبرَ تلالٍ تَختَرِقُ العينَ وتلمعُ في القلب وتسترق السمَع من الأنفاس،
عبرَ صحارٍ تمتدُّ إلى أقصى سِربِ سرابٍ يَخنقُ جوهرةَ خيالك ويعتصرُ المرَّ من اللمعانِ ويُهديه لآخركَ  - الخوف - ليشتدّ بدِرعكَ صوتُ العَطَشِ الأَعمَق؛
كي تنتشر الواحاتُ بصرختك فتنبهم الصحراء أمامك].
(4)
عبرَ ذاتكَ:
نَدَهت كهوف الجبالِ أبناءً وبناتاً لها:
هُجِروا نُطفاً في بيوتِ الناس،
زُرعوا داخلَ سورِ المَزرعة،
وغارت طيورٌ عظيمةٌ من بعضها البعض،
فتعاركت قروناً في رحلات نَقلِ العواء من:
                                         قلبِ الحمم التي أصبحَت جبالاً،
                                         رائحةِ التوهان في غابةٍ تُواكِبُ حرباً،
                                         اتّساعِ مُحيطٍ تَجَوْهَرَ حُريَّةً
                                         احتضانِ موجِ النهرِ لجثثِ المِرار والتّكرار؛

تعاركت
وأوصلِت العواءَ مُمزقاً
ـ دائماً ـ
إلى مخادعهم الغامضة.

هناك،
حيث يغطّون في النوم كجزءٍ
أصيلٍ من العالم.

تَعوي؛
في إذاعةِ الموسيقى تَخرجُ طبيبةً
في انزواءِ الشعر تلتمعُ شراراتها
في صَعقٍ متواصلٍ يصّاعد داخل أرواح التماثيل ويمنحها حياةَ جمادٍ خالدة،
وفي قضمةِ تفّاحةِ الأذن؛ ينسربُ عواؤها ليالٍ عبر مسامات الجلد المنسيّ.
في الذهن والعاطفة تنبلج تلالهم، حيث يقفون ويعوون.
على يدِ مخالبهم انفَرَطَ عقدُ أرواحهم
ومن جراح ضحاياهم يُعتّقون حياةً لم تخطر بذهنِ خَطَر.

اِسمَع موسيقاهم:
سترى الحروبَ اشتعلت
النايَ برق بنجاسته داخل طُهره.
سترى البيانات الكمّيَّة المتسابقة في عروق النهايات،
وسَلخ الجثّث،
أعني تعتيمِ وجودها،
لإضاءةِ عتمة الوجود.

إذ دائرة الحياة
-      قلبُ نَبضِها -
يولِّدها تيهٌ فاجرُ الأحلام
تسليمُ الكوابيسِ إلى صَفوها
- إذ يستبدُّ سلامٌ بِكَ -
وحجابُ الجروح سيَفْجُرُ حتماً
تحت عُري المنام.

ــــ

مايو - يوليو 2016م
لوحة: عبد الله بولا

تعليقات

  1. "في سنوات الحيوانات
    -التي تُسمي نفسها بشراً-
    يُقتلُ القلب بسهولةٍ
    الجسد يُمزَّق في الحرب،
    وتجتاح النسور مقابر جماعية؛
    ترتفع الأزهار بأعناقها المهجورة،
    يرتفعُ الحب الذي تمَّت إهانته بأبشع طرق التهذيب والاحترام العائلي،
    وتتحجّم الأخلاق العالميّة."- مأمون التِّلِبْ...

    ردحذف
  2. رُبَّمَا كان المقطعُ الذي أوردتُهُ آنفَاً هو، عِنْدِي، مَرْكَزُ كتابَتِكَ الشِّعريَّة هذِهِ (وليس "نَصُّكَ" الشَّعرِيِّ هذا، كما قد يَقُلْ نُقَّادٌ غَيْرَ مُستَبْصِرِي الرُّوح!)، يا مأمُونْ...

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأغصان: حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة

تنقيب الظلام الأغصان (حول إيضاحات الشاعر عاطف خيري لنصوصه القديمة) مأمون التلب يقول شاعرنا محمد المهدي المجذوب [1] : [نعم؛ في جانب مني شيخٌ حاسرُ الرأس من فقراء السودان (...) ولقد تعلَّمت من الشيخ الذي فيَّ أشياءَ كثيرةً، أولاً الخدمة، ولم تكن لي عنده مكانة خاصة تميِّزني عن الآخرين، (...) وكان يأمرني بتجويد الخط، والدراسة لا تنقطع؛ كل لحظةٍ امتحان، (...)، ولكن نفوري السِّري من ابن مالك كان شديداً، وكنت أستثقل الحريري سراً، فإذا وجدتُ فرصةً ـ وما كان أقل الفرص مع المراقبة الشديدة ـ خلوت إلى نفسي ألعب بالطين، وأرتد طفلاً حقيقياً يتحدث ويلعب مع نفسه الصغيرة التي ذابت في نفوس الجماعة الصارمة. وكنت أرى في الطين حصوناً وأناساً يتحركون، وكان يداخلني من هذا فرح لا يوصف. ولا أعلم كيف علم الشيخ بهذا العبث فلم يرضه، قال إنه لَهْوٌ مضيعة للوقت، وانفرد بي شيخ آخر فقرَّعَني على هذا الخروج، وحَدَس أنني سأكون مارقاً وكذا كذا، وحَوْقَلَ واستغفر، فهالَنِي ذلك وأفزعني، وجاء يوم كتبت فيه بيتين من الشعر على جدار، وقرأهما المعلم، ورأيت الانبساط في وجهه ولكنه أنكر المعنى؛ وكا

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول

سيَّارة الثورة: مواليد الثمانينات حيفهموني قاصد شنو - الكاتب مجهول مقدّمة طينيّة: سيَّارة الثورة التكنولوجيّة (1) كم من الوقت انتظرت لأكتب عن هذا النص العجيب، والذي لم يُعرَف كاتبه إلى الآن، وربما يتعلَّق الأمر بالظروف والملابسات التي نُشر فيها هذا النص الطريف جداً والتراجيدي بهاويةٍ سوداويَّةٍ مُضحكة. أفهم، كما كتبت كثيراً من قبل، والكثيرون من قبلي، أن اتصال الإنسان مع أخيه الإنسان اندلع مع ثورة التكنولوجيا. ولكن لننظر إلى الثورة التكنولوجيّة الرابطة لأجزاء العالم بطريقةٍ أخرى، فبينما كان الرابط في الماضي عن طريق الحروب والاستعمار، رست السفن قبلهما، وأطلّ القطار مؤخراً، ثمَّ طارت الطائرة. لننظر لانطلاقة الثورة من بدايات القرن العشرين كـ(غِيْر) السيارة، وهو ما سأصل به لما ميَّز جيل مواليد الثمانينات. على الأقل في السودان. تنطلق السيارة في الغير رقم 4 بلا كابح وبسلاسة لانهائيّة، وهي المرحلة التي دخلت فيها الثورة التكنولوجيّة سوق التنافس الرأسمالي العابر للقارات. ففي العصر الذي يسمع به الناس بالتلفاز ويصلهم بعد مُختَرِعيه بعشرات السنوات، ولفئةٍ محددة جداً من البشر.

Life weapon’s dictatorship - By: Mamoun ElTilib

Life weapon’s dictatorship By: Mamoun ElTilib Translated By: Ibrahim Jaffar Introductions: ( Tayfara was a military slave of the Cavalry Divisions (the Divisions of Knights) which was relegated to the Sheiks-ministers of Hamaj .   He presumably has been enslaved during one of the sieges of Rajab to the Nuba Mountains within the course of his campaign against Kordofan, for he reached the age of reason in the era of Nasser wad Idris .   Imaginatively, we would correlate Tayfara’s memories of childhood with those of Dogalo Doguendan Ari ; a Nuba boy of the next generation who, like Tayfara, has been, as a young boy, enslaved and taken from his native land.   Dogalo , as a young man in his far-off exile, has vividly lived the memory of his homeland that has been sustained within his soul as a minute world of landscapes, distant and diminutive shapes; young kings wearing jewels and straddling horsebacks; steppes of azure color of bubbly plant under the pur